الاخبار

الجمهوريون بين الوهم والحقيقة (17)

%name الجمهوريون بين الوهم والحقيقة (17)

ويمضي محمود محمد طه في تخليطه وحياكة المرقع من نظريته المتعددة الألوان والمشارب فهو يأخذ من نظرية دارون ليخلط بينها وبين نظرية الإنسان الكامل، وتارة أخرى يضيف إليها شيئاً من العقيدة البهائية، وأخرى يضيف إليها من نظرية ماركس، وهكذا ظناً منه أن ذلك التخليط سيعطي تخريفاته مشروعية لدى معتنقي تلك العقائد والنظريات البائرة.

ثم في هذا المقال نعرض إلى تأثر محمود بابن عربي والحلاج اللذين أقحما نظرية وحدة الوجود والحلول والإنسان الكامل في تخليطهما وأثرا على كثير من الأتباع بمن فيهم محمود محمد طه الذي خلط كل هذه الآراء وأتى بضلاله الكبير الذي نصب به نفسه رسولاً بل إلهاً .

أفتأ أذكر ابنته أسماء أنها ستدخل التاريخ بل وتدخل الجنة إن شاء الله إن كررت تمرد أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل على والده، سيما وقد رأت بعينيها ما أسقط معتقدها في نبوته حين اعترفت بخيبة أملها في ادعاءاته ورأت كذب ما ظل يهرف به حين سقط مجندلاً كما حدث لمسيلمة الكذاب.

أترككم مع د. الباقر ليفند بعضاً من أراجيف ذلك الكذاب الأشر في الأسطر التالية:

نظرية الإنسان الكامل بين الحلاج وابن عربي (2-2)

إذا كانت “أنا الحق” التي نطق بها الحلاج قد جمعت خلاصة مذهب أقصى ما يمكن أن يقال عنه إنه مذهب حلولي يعترف بثنائية الخالق والمخلوق، حيث يفرق الحلاج بين ما اصطلح عليه “باللاهوت” و”الناسوت” اللذين لا يتحدان عنده أبداً وإنما يمتزجان كما تمتزج الخمر بالماء.. فإن ابن عربي – خلافاً لذلك – يؤمن بأن الحقيقة الوجودية واحدة في جوهرها وذاتها، متكثرة بصفاتها وأسمائها ومن ثم فهو يعتبر ما اصطلح عليه “باللاهوت” و”الناسوت” مجرد وجهين لهذه الحقيقة الوجودية الواحدة.. وبهذا يقرر ابن عربي مذهبه في “وحدة الوجود” وهو مذهب يعبر عنه ابن عربي بقوله:

فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا

وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا

من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته

وليس يدريه إلا من له بصر

جمع وفرق فإن العين واحدة

وهي الكثير لا تبقى ولا تذر

ومذهب وحدة الوجود – كما يقول بعض الباحثين – لم يستكمل صياغته في الوسط الإسلامي ولم يعرض العرض الكامل إلا في القرن السابع الهجري، وعلى يد ابن عربي الذي اتخذه أساساً لدرسه وبحثه وبنى عليه آراءه كلها في كتابيه: “الفتوحات المكية” و”فصوص الحكم”.

يقول ابن عربي مفصلاً نواحي مذهبه: “الحق المنزه هو الخلق المشبه، وإن كان قد تميز الخلق من الخالق، فالأمر “الخالق المخلوق والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة.. بل هو العين الواحدة وهو العيون الكثيرة”!! ووجود الكثرة عند ابن عربي ليس في الذات، وإنما هو في الأسماء، وهي النسب، وهي أمور عدمية وليس إلا العين الذي هو الذات فالعين واحدة من المجموع في المجموع.

وهذا يعني أن الحقيقة – عند ابن عربي – واحدة وإن كثرت بالصور والتعينات، بل إن تكثرها بالصور تكثر وهمي قضى به حكم العقل القاصر.

والعلاقة بين الوحدة والكثرة تتضح أكثر في مذهب ابن عربي إذا ما علمنا ابتداء أن “الخلق” عنده ليس إيجاداً من عدم، بل هو قبول الفيض – التجلي الدائم الذي لم يزل ولايزال – هذا التجلي يعبر عنه ابن عربي بقوله “ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود”، فكلمة “سريان” تشير هنا إلى هذا “الفيض” أو “التجلي الدائم”. ولما كانت الصور الكونية هي المجالي التي تظهر فيها الأسماء الإلهية، كل حسب استعداده لقبول الفيض الإلهي فقد اقتضى الأمر كما يقول ابن عربي أن يظهر جميع ما في الصور الإلهية في النشأة الإنسانية فحازت بذلك رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود.

بهذا يدخل بنا ابن عربي إلى نظريته في الإنسان الكامل والتي هي ثمرة نظريته في وحدة الوجود ومراتبه.. فلما شاء الحق سبحانه وتعالى – حسب زعم ابن عربي – من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله.. اقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم، ولذلك قال في خلق آدم الذي هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال “إن الله خلق آدم على صورته” وليست صورته سوى الحضرة الإلهية.. فأوجد في هذا المختصر الشريف الذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية وحقائق ما خرج عنه من العالم الكبير المنفصل وجعله روحاً للعالم فسخر له العلو والسفل لكمال الصورة!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

ويرى ابن عربي أن الخلافة لا تصح إلا للإنسان الكامل، وذلك لكمال نشأته التي جعلت منه إنساناً وخليفة، أما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها فهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين إلى أن يقول فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي والكلمة الفاصلة الجامعة قيام العالم بوجوده – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

ومصطلح الإنسان الكامل عند ابن عربي لا ينطبق إلا على الأنبياء والأولياء خاصة دون غيرهم من سائر أفراد البشرية.. ودرجات هؤلاء الأنبياء والأولياء تتفاوت في الكمال، وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وابن عربي لا يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم هنا شخص النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وإنما يعني ما اصطلح عليه “بالحقيقة المحمدية”، ولعل ذلك يتضح من عنوان “الفص” الذي ضمنه كتابه “فصوص الحكم” وهو “فص حكمة فردية في كلمة محمدية” فمن بين ما تعنيه كلمة محمدية – وفقاً لمذهب ابن عربي – “هو الحقيقة المحمدية”. والحقيقة المحمدية عنده هي “كمال الحضرة الإلهية”. وابن عربي يرى أن الاصل واحد وهو “الحقيقة المحمدية” التي يتعدد ظهورها بتعدد الصور التي تتعين فيها.. ومحمد وآدم – عليهما السلام – ما هما إلا مظهران لهذه الحقيقة!! فالمقام المحمود – وهو عند ابن عربي – مقام تجلي “الحقيقة المحمدية” أقيم فيه آدم – عليه السلام – في الدنيا كما سيقام فيه – محمد صلى الله عليه وسلم – في الآخرة، والمقام المحمود عند ابن عربي هو كمال الحضرة الإلهية.

زر الذهاب إلى الأعلى