تحليل الشخصيات وفن التعامل معها
إن أول إتصال وتواصل لأي إنسان يكون مع ذاته نفسها ، فتراه يجلس مع ذاته وتراوده الأفكار والهواجس والتحليلات وما كلها سوى حواراتٍ داخليةٍ مع الذات ، أحياناً يكون الإنسان متصالحاً مع نفسه فتراه مشرقاً بالسعادة ، مما يؤثر إيجابياً على علاقته بالآخرين ، وأحياناً تجد المرء مختلياً ومكتئباً ومنطوياً على ذاته وهو غير راضٍ عن نفسه فينعكس هذا الشعور وتلك الأحاسيس سلباً على تواصله وعلاقاته مع الناس .
فلماذا نعتقد و نشعر بالطريقة التي نعتقد نحن و نشعر بها ؟ ما الذي يجعلنا على ما نحن عليه الآن ؟ بالرغم من مرور آلاف السنين إلا أننا لا نزال نفهم القليل اليسير عن أنفسنا وأنا أجزم أن العقل هو ما يجعلنا على ما نحن عليه ، إن آمالنا و مخاوفنا وأفكارنا و أحلامنا وأمانينا كلها ،مخبئةً داخل رؤوسنا ، و يمكننا تفسير كل شيء عن أنفسنا وذواتنا من خلال النظر إلى الداخل و معرفة شخصيتنا و مدى قدرتنا على التحكم في تصرفاتنا و قراراتنا وأحكامنا ،إن الله قد منحنا القدرة على التحكم و إتخاذ القرار المناسب في إختيار شخصيتنا ، و العلم والمنطق قد يكون سبباً يؤدي بنا إلى مكانٍ نريده و إلى نموذجٍ نختاره ..
وإن تعزيز قدرتنا على تطبيق ما نعرفه لنتخذ هذه المعارف و نحولها إلى الفهم الحقيقي لأنفسنا ، وهذا هو التحدي لكشف ما يحدث داخلنا من أجل التواصل مع ذواتنا بشكل صحيح ،إننا بحاجة إلى أن نعرف حقيقة طباعنا وصفاتنا الشخصية لنوظفها فيما يخدم مصالحنا الدينية والدنيوية .
وكم من عيوبٍ تكون في شخصيتك لا تعلمها أو تقلل من شأنها وهي تضرك من حيث لا تدري وتدري ؟ وكم من مزايا ومحاسن وسماتٍ فيك تغفل عنها أو تهملها أو تقلل من شأنها وهذا يضرك من حيث لا تدري وتدري أيضا ؟وكم من أقوال قلتها وأفعالٍ فعلتها لم تكن تدرك دوافعك إليها ؟ وكم هناك من أشخاص وقع بينك وبينهم خلافاً بسبب اختلافٍ في طباعكم وصفاتكم ؟
وكم من والدٍ أو والدةٍ ومربس ومربيةٍ كادوا أن يفشلوا كذلك في التربية أو التعليم أو فشلوا بسبب ضعف معرفتهم وخبرتهم بفهم تلك الشخصيات وطريقة التعامل معها .؟وكم من زوجين تسود حياتهما الخلاف والشقاق والنزاعات بسبب عدم توافق طباعهما واختلاف صفاتهما ؟ كل تلك الأسباب بدورها تقودنا لأن نعرف ما الذي يجعلنا نهتم بتحليل الشخصيات و فهمها .
ومن لا يستطيع أن يفهم نفسه كيف له بعد ذلك أن يفهم الآخرين ؟ و في المقابل فإن من لا يتقن التعامل مع نفسه كيف يمكنه أن يتقن فن التعامل مع الآخرين من الناس ؟و كيف نفعّل معرفتنا هذه بشكل إيجابي و بطريقةٍ صحيحةٍ مدروسة ،
فمثلاً لو نظرنا إلى سوء الظن من زاوية إيجابية نجد أنه سيأخذ معنى الحرص و الحذر متى كان في موقفه المناسب و في مكانه المناسب ومع الشخص المناسب ،كذلك حسن النية ممكن أن تكون سلبية متى كانت في مكان غير مناسب و في موقف يستدعي الحيطة و الحذر ، فأحياناً الشخصية الساذجة تحتاج منها أن تتعلم سوء الظن و لكن في المكان و الموقف المناسبين وكذلك الشخصية الشكّاكة تحتاج أن تتعلم أيضاً كيف توظف سوء الظن بشكل إيجابي و كيف تكون ساذجة و تحسن الظن في الموقف و المكان المناسبين مع الأشخاص المناسبين كذلك و الشخصية المتوازنة هي الشخصية المدركة و الواعية لتصرفاتها والقادرة على توظيف تلك السمات و تلك الصفات بشكل إيجابي فكلنا مزيج من سمات وصفات متعددة و متمازجة نحتاج أن نصحح مناطق الخلل فينا و نحسّن و نطوّر من ذواتنا و أن نعزز ونقوي من مزايانا تماماً ، كما نحتاج أن نُحسن فن التعامل و التعايش مع شخصيات أخرى ربما حملت بعض الصفات التي قد تضايقنا و أخرى ربما وصلت لمرحلة متطرفة فمتى عرفناها و استطعنا أن نبحر ونتعمق في أعماقها و نسبر أغوارها حينما نكشف القناع الذي يحول بينها و بين علّتها أو بينها و بيننا ربما استطعنا بعدها أن نصل إلى مرحلةٍ عاليةٍ من التعامل و التعايش بل والوصول بها إلى بر الأمان المطلوب ، و التفاعل الإيجابي حتى نتكيف مع الحياة الإجتماعية سواء على مستوى العلاقات المتبادلة أو على مستوى العمل أو في أي مجالٍ آخر من مجالات الحياة المتنوعة .