النقد,, ليس اعتداء عليك
حالة استنفار قصوى تتملك المرء منا حينما يتم توجيه نقد إلى ذاته، فنحن ننظر إلى النقد على أنه اعتداء على شخصيتنا، ومحاولة شريرة لإبراز عيوبها لذا نشمر الساعد ، ونتأهب في شراسة لسحق أي معتدٍ على ذواتنا.
والحقيقة يا صديقي أننا جميعا وبلا استثناء بشر غير معصومين، وأن النقد هو الذي يرفعنا ويقربنا من إنسانيتنا، هو وحده القادر على شحذنا كي نطور من أنفسنا ونستدرك أخطاءنا، هو الذي ينقينا ويدفعنا إلى الكمال والمثالية.
لكن معظمنا يخشى النقد لتوهمنا أن النقد يخبرنا والآخرين أننا أقل مما نحن في الحقيقة أو لأننا نرى النقد جرح لكرامتنا، أو لأن النقد سيدفعنا إلى تغيير وضع ما لا نريد تغييره، أو لأن الناقد غير مقبول لدينا، أو لأننا في حقيقة الأمر نمتلك من الغرور ما يجعلنا لا نقبل توجيه من أحد.
انظر معي لأكرم وأكمل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر حينما أتاه الخباب بن المنذر ليخبره في أدب أن المكان الذي خيموا فيه ليس استراتيجيا ، وأن لديه خطة وتصور أفضل من الخطة الحالية.
إنه استدراك على القائد وأي قائد.. أعظم خلق الله، فما الذي فعله الحبيب صلى الله عليه وسلم، استمع إلى صاحبه حتى إذا ما انتهى ، أمر جنوده بتنفيذ أوامر الخباب بن المنذر رضي الله عنه.
القلوب العظيمة يا صديقي تقبل النقد بهدوء نفس وبساطة ، فتنظر فيه بروية وتدبر ، فإن كان إيجابيا حقيقيا شكر صاحبه وأجزل له الثناء ، وإن كان نقدا جائرا ظالما أفحم الناقد بهدوئه وصبره وحلمه.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” رحم الله امرَأً أهدى إليّ َعيوبي “ إنه ينظر إلى النقد على أنه هدية ، وهذا عُمق وحكمة ودراية ، وحينما نستعرض كتب التاريخ وأحوال العظماء فإننا لن نجد عظيما أو نابغة معتدا برأيه صاماً أذنه عن قبول النقد والتقويم.
إن الأشجار الضخمة اليانعة عندما ترفض التكيف مع مستجدات المناخ ، وترفع أغصانها عاليا في كبر واعتزاز غير عابئة بنداءات الطبيعة تموت وتلفظها الحياة ، يراها الناس فيُخدعون بشموخها وعلوها ، وهي في حقيقة الأمر ليست سوى جماد لا حياة فيها ، يجب أن تُقطع لتكون منضدة أو كرسي أو خشب للمدفأة !!.
فليكن صدرك واسعا ، وروحك سمحة، واقبل النقد باسم الثغر سعيد، اسكب على أعصابك ماء باردا ضد النقد الجائر الظالم .. وستجد أن حياتك أصبحت أكثر هدوءا وسكينة ونضج.