العلاج بالصوت
ليست الأذن وحدها أداة استقبال للاهتزازات الصوتية ، فنحن نستقبلها كذلك من خلال بشرتنا ، وشعرنا وعظامنا .
يتفق العلماء أن للصوت المقدرة على إحداث تغيرات داخل هيكلة كل خلية في جسم الإنسان ، وحث المخ على التناغم مع الاهتزازات الترددية المختلفة .
الصوت والنغمات والترانيم موضع اهتمام كافة الأنظمة الدينية أو التأملية الموجودة حول العالم تقريباً حيث وصفتها بأنها الرابط بين السماء والأرض ، وجسراً بين الخالق والمخلوق.
يمكن للعبارات أو الكلمات المستخدمة بتكرار أن تفقد معناها مع مرور الزمن وتصبح تأملات تؤثر على سلوك الناس .
يستطيع الإنسان مناغمة جسمه بخلق أصوات من الداخل ، مما يسمح لقوة الحياة بالاهتزاز خلال أعضائه ، واستعادة التوازن بشكل هادئ .
الصوت .. موجود في كل مكان ، ويمكن لاهتزازته أن تجعلنا نصرخ أو نضحك ، أو نسترخي ، أو نتأمل ، أو نبدع ، أو ننام ، أو نبغي ( نبارد بالعدوان ) و أن نصيح بطريقة هستيرية ، ويمكن للصوت أيضاً أن يدفعنا بقوة لعمل شيء ما في حياتنا ، فأعيننا تتلقى ترددات اهتزازية معينة كالألوان والصور ، وتستقبل آذاننا ترددات اهتزازية أخرى ، لكن في حين أن نظرنا يعتمد على التركيز ويمكن إغماض العين بإرادتنا كي لا نرى شيئاً معيناً ، نجد أن سمعنا متعدد الاتجاه وأكثر حدة بشكل كبير جداً .
فنحن نستقبل بيانات صوتية طيلة الوقت من الفضاء المحيط بنا سواء كان لنا الخيار في ذلك أم لا ، ونستطيع تمييز الفواصل بين الأصوات حتى أعلى 500 من الثانية . لذلك جاءت أداة السمع مقدمة على البصر في القرآن الكريم لشموليتها كأداة للمعرفة واتصال بالمحيط تفوق الإبصار { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } .
والأذن أداة معقدة بشدة تسمح بمرور النبضات الكيمائية والكهربية إلى مراكز المخ حيث يمكن ترجمتها فورياً إلى أصوات ، ولكن في الحقيقة ليست الأذن وحدها أداة استقبال ، فنحن نستقبل كذلك إثارات واهتزازات صوتية من خلال بشرتنا ، وشعرنا وعظامنا ، ويتفق العلماء حالياً على أن للصوت المقدرة على إحداث تغيرات داخل هيكلة كل خلية في جسم الإنسان ، وحث المخ على التناغم مع الاهتزازات الترددية المختلفة ، ومن ثم تتغير الحالات العقلية والمزاجية تبعاً لتلك الترددات ، ويمكن لبعض الأصوات أن يكون لها تأثير موهن علينا ، كالطرق المستمر للآلات والذي يجعلنا نحس بالتعب والانزعاج ، في حين أنه من الممكن أن تكون لأصوات أخرى بأنواع مختلفة تأثيرات رافعة للمعنويات وشافية .
ومن منطلق هذه الفكرة اتجه العلماء لاستخدام الصوت في العلاج ، حيث تستخدم الأجراس القرصية ، وأجراس التبت وطاسات الفناء خلال عملية العلاج ، فتعمل الاهتزازات الصوتية بقوة شديدة لتدليك الجسم برفق ، وهي تزيد إعاقات الطاقة وتعمل على توازن الجسم من الداخل .
لقد كان الصوت موضع اهتمام كافة الأنظمة الدينية أو التأملية الموجودة حول العالم تقريباً وصفت الأصوات والنغمات بأنها الرابط بين السماء والأرض ، وجسراً بين الخالق والمخلوق ، ولعل هذه الفكرة لم تأتي صدفة أو اعتباطاً ، ففي عقيدتنا الإسلامية بدأ الخلق بالكاف النون فكانت ( كن ) هي تلك الانطلاقة التي شيدت على أثرها السموات والأرض وبدأ الوجود .
وليست الأصوات الخارجية هي التي يمكن أن تؤثر علينا فحسب ، فيمكننا هز أنفسنا من الداخل من خلال عمليات التنتنه والترنيم ، فلكل نغمة من النغمات تأثير نفسي أو بدني واضح ويمكن أن يرتبط باللون أو المزاج أو مراكز الطاقة في الجسم البشري .
لذلك استخدمت الديانات السماوية التراتيل ، فنجد مرتلي الكنائس يملئون كنائسهم بنغمات الروح ، ويقوم رهبان التبت بالترتيل لأنفسهم وهم يمارسون رياضة التأمل الروحية ، واليهود بغناء صلواتهم ، والكاثوليكيين بتلاوة سلسلة الصلوات ، ففي كل مكان تنظر إليه تجد أفواهاً تتحرك .
ويمكن للترانيم كذلك أن تستخدم لتزامن وتعاضد المجموعات مع بعضها البعض ، مما يخلق ارتباطاً نغمياً بين الناس ، ويمكن للعبارات أو الكلمات المستخدمة بتكرار أن تفقد معناها مع مرور الزمن وتصبح تأملات تؤثر على سلوك الناس .
إن اكتشاف العالم الداخلي من خلال الاهتزاز متوافر بسهولة وأنه قد مهد الطريق لمعرفة الروح ، والمسألة لا تتطلب دراسة أو بذل جهد أو تفريغ نفسك تماماً لعالم من العلماء ، فذلك موجود بوضوح في كل نفس ، وكل دقة قلب ، وكل تمتمة ، فالإنسان يستطيع مناغمة جسمه بخلق أصوات من الداخل ، مما يسمح لقوة الحياة بالاهتزاز خلال أعضائنا ، واستعادة التوازن بشكل هادئ ، والمسألة تشبه التدليك الداخلي ، ففي خلال دقيقتين أو ثلاث دقائق يمكن إرجاع العقل إلى حالة من شدة الوضوح والتوازن .
إذا كانت الديانات السماوية قد أولت اهتماماً خاصاً للصوت كأداة تناغم داخلي وخارجي يستعيد الإنسان من خلاله توازنه النفسي والطبيعي ، فما هو نصيب ديننا الإسلامي من عالم الأصوات ؟ وما هي تلك الأصوات أو الترانيم التي بينتها الشريعة لإحداث حالة التوازن والتناغم بين النفس والروح من جانب ، بين الإنسان والطبيعة من جانب آخر ؟
إذا كنا نعتقد أن الإسلام هو كمال الديانات السابقة .. فلابد أن نعتقد كذلك أن مفهومه حول عالم الأصوات أيضاً يتميز بالكمال .. وإذا كان الاستشفاء بالأصوات والتراتيل تستخدم في بعض الطقوس العبادية فإنها في الإسلام تحتل الصدارة حتى في العبادات الدينية .
ولتأكيد عملية التكامل فقد انتقى الخالق عز وجل أرقى وألطف الكلمات التي أمر عباده أن يترنموا بها آناء الليل وأطراف النهار ، ودعاهم للاجتهاد بتكرارها والتحلي بملكاتها وتحويلها إلى سلوك حياتي يوازن بين كل متعلقات الإنسان الداخلية والخارجية . وأطلق عليه أسم الذكر { واذكروا الله ذكراً كثيراً } .
لقد جاء مفهوم الذكر في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بمعناه الشامل ليعكس خلاصة التعاليم التي توطر علاقة الإنسان بخالقه وتزوده بالغذاء الروحاني الذي يعينه في مسيرته التكاملية ،
كما صرحت بذلك الآية الكريمة { هذا ذكر من معي وذكر من قبلي } .
فالذكر هو تلك الكلمات والعبارات التي انتخبها الله عز وجل وخصها بمقاييس تفضيلية ، لما لها من أثر تناغمي يربط روح الإنسان بالقوة المطلقة والإرادة المطلقة التي تهبه السعادة والقوة والأمل والطمأنينة والتوازن ، وتحول ضعفه إلى قوة ، وقوته إلى أمل ، وأمله إلى سعادة .
كقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أفضل الذكر لا اله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ) وكقول أحدنا .. ( لا حول ولا قــوة إلا بالله العـلي العظيم ) .. أو ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) أو ( أفوض أمري إلى الله إن الله بصــير بالعباد ) .. أو ( ألجـأت ظهــري إلى الله ) أو ( اعتصمت بالله ).. وغيرها من الأذكار . كما يأتي مفهوم الذكر معبراً عن التلفظ بأسماء الله الحسنى { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } وصفاته سواء اشتملت على الاسم أو الصفة أو الفعل كأن تقول يا الله ، يا رحمن ، يا رحيم ..
والذكر هو تكرار هذه الأسماء والتخلق بها ، لينفذ كل أسم منها إلى الروح الضعيفة فتزداد لطافة وشفافية وتتخللها النورانية ، فتقوى على اختراق الحجب وتلقي الإلهام ، وتحمّل الصعاب والأزمات.
ويختلف مفهوم عالم الأصوات من حيث أهميته بين الديانات السابقة وبين الإسلام ، فالإسلام لا يسكن ألمك ، أو يشفي مرضك ، أو يريح نفسك ، أو يطمئن روحك بأصوات وترانيم الذكر ، وإنما هو وسيلة للتوازن العام الكلي الذي يحتاج غليه الإنسان ، وهو والتزود من فيض العالم الروحاني الذي يدعم حياتك في كل مراحلها ، وأكثر من هذا ، فهو ليس مجرد ترانيم وكلمات فاقدة المفهوم كما عند بعض الديانات بل جعله وسيلة للقرب من القوة الحقيقة الحاكمة لهذا الكون والوجود .. وجعله وسيلة الحب بين الخالق والمخلوق ..
وبالتالي فإن تناغم الكون والوجود سيكون طرفاً منك عندما تتبع منهج عالم الأصوات وتترنم بالذكر .
فأسماء الله الحسنى .. هذه الكلمات القدسية الطاهرة .. والدرر المكنونة الزاهرة ، تنقل ذاكرها من حال إلى حال ، ومن رحمة إلى رحمة ومن مغفرة إلى مغفرة ومن درجة إلى درجة ، مادام نداها يمتزج برحيق الذاكر ، ومادامت حروفها تنــطلق من شــفتي الحــــاضر { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب }.
فالتكرار المستمر يؤدي إلى إدراك حدسي لتأثيرات الاهتزازات الدقيقة على الجسم والعقل ، وقد ثبت علمياً أن تكرار الترانيم يجعلنا هادئين ومسترخين ، ويجعلنا نتغلب بسرعة على أفكار القلق والسلبية ، وبعضها تهدف إلى إيقاظ المرح والنشوة في الجسم ، والبعض الآخر للتنوير أو الوعي أو للمساعدة في تطوير استقرار ذهني وزيادة القدرة الداخلية. ( منقول للفائدة )ش