الثورة الصناعية
قديماً كانت الصناعة تتم باليد وكانت يطلق عليها الحرفة اليدوية أو الصناعات التقليدية، وكان الصناع يستخدمون آلات وأدوات بسيطة تساعدهم على القيام بأعمالهم، ولكن الاعتماد الأكبر كان على اليد. ومع التقدم الزمني وما شهدته القرون الأخيرة من ثورات علمية هائلة رافقها اكتشاف موارد طبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والفحم والتي تشكل في مجموعها ما يعرف بالوقود، حلت الآلات تدريجياً مكان الأيدي البشرية في الصناعة مما ساعد على زيادة الكمية المنتجة في أسرع وقت فتم التقليل شيئاً قشيئاً من الأيدي العاملة البشرية في الصناعة لزيادة الأرباح وتقليل المصروفات على المصانع، وتنوعت المنتجات بشكل هائل لم يكن معروفاً ولم تشهده السنون السابقة ولا البشر على مدار حياتهم وهذه هي الثورة الصناعية.
بدأت الثورة الصناعية في الظهور قبل نحو ثلاثة قرون من الآن في إنجلترا بدايةً لتمتد إلى كامل أوروبا ثم إلى روسيا ثم إلى أنحاء العالم أجمع، حيث رافقتها عدة مظاهر منها الرخاء الاقتصادي وازدهار الحياة السياسية ، فلم تأتي الثورة الصناعية في إنجلترا من فراغ، فلقد ذهب الشعب الإنجليزي إلى التركيز على الزراعة وزيادة المحاصيل الزراعية في مختلف الأنواع مما حقق لهم وفرة في الأموال والرخاء الاقتصادي، وبسبب هذا الرخاء الذي حصل لهم بدأوا يميلون إلى العمل بالصناعة والانتقال إلى حياة أفضل وبالتالي أوضاع اقتصادية أفضل وأفضل. هذا بالإضافة إلى ما كان يأتي من أموال من المستعمرات البريطانية من مختلف أرجاء العالم ولما كانت تيسره البنوك من قروض للصناعة والمشاريع الصغيرة مما حفز على ثورة صناعية هائلة اجتاحت العالم.
من أبرز نتائج الثورة الصناعية وآثارها، ظهور اقتصاد عالمي جديد يعتمد على حرية الصناعة والعمل والإنتاج لجلب الأموال وتحصيلها وهو ما يعرف بالرأسمالي، مما أدى إلى زيادة الإنتاج وتحقيق مردود مالي ضخم عن طريق تقليل التكلفة إلى أقصى حد وزيادة الأرباح فازدهرت الحركة العمرانية في الدول الصناعية وانتشر التقدم العلمي والنهضة الحضارية فيها، وسيطرت على العالم سعياً منها لجلب خيرات العالم كالنفط والوقود والفحم والتي لا تستطيع الصناعة الاستمرار بدونها فانتشر الاستعمار والتدخل الأجنبي والحروب في مختلف دول العالم. هذا من الناحية الاقتصادية والسياسية، أما من الناحية الاجتماعية فقد قسمت المجتمعات إلى طبقتين رئيسيتين هما العمال وأصحاب رؤوس الأموال مما أشعل الثورات ونشر عمالة الأطفال وعمالة المرأة وزاد من اضطهادهما والسيطرة عليهما، فضاعت الكرامة الإنسانية في ظل سيطرة شريحة من المجتمع على المصادر المالية في الدولة وانعدام أدنى متطلبات الحياة عند الطبقة الأخرى.