الثقافة
هي تهذيب النفس و صقلها ، و هي عبارة عن مجموعة من السلوكيات و الضوابط المتبعة ، لتقويم السلوك للفرد أو المجتمع ، عن طريق الخوض في المعارف و العقائد و الفنون و الثقافات المختلفة ، و التي تهدف بمجملها إلى تقويم السلوك .
و يظهر المعنى الحقيقي للثقافة في السلوكيات ، عن طريق الاعتقادات المتّبعة ، و الأفكار المدروسة البناءة ، و التذوق العالي لمختلف الفنون و الثقافات ، و سرعة البديهة في اتخاذ القرارات الصائبة ، و حسن التعبير ، و حب المشاركة و احترام الرأي و الرأي الآخر ، حينها نطلق عليها ( ثقافة عالية المستوى ) .
ظهر هذا المفهوم تحديداً في أوروبا في نهايات القرن الثامن عشر و بدايات القرن التاسع عشر ، لتحسين مستوى االأفراد و العمل على إصلاحهم ، و أصبح فيما بعد يهدف تطوير هذا المفهوم ، إلى تطوير و تحسين و تعديل المهارات الإيجابية للإنسان ، من خلال التربية و التعليم .
و بحلول القرن العشرين ، أصبح هذا المفهوم المبدأ الأساسي في علم ( الأنتربولوجيا ) ، ليحوي في معناه تفسيرين رئيسيين هما :
1- تطور القدرة الإنسانيّة و نبوغها ، و التعبير ملخص تجاربها في هذا المجال بطريقةٍ رمزيّة ، و التصرف بعدها بطرق إبداعيّة و خلاّقة .
2- تفسير التباين البشري ، كلٌ حسب خبرته و تجاربه ، وفقاً للبقعة الجغرافيّة التي يسكنها ، و ردود الفعل الإيجابية في مواجهة الكوارث و الحروب ، كالعمل على التنمية و البناء ، و ابتكار علوم جديدة ، و هذا ما حدث إبّان الحرب العالميّة الثانية ، فقد تعزز مفهوم الثقافة في خلق و تطوير عدد من التخصصات و العلوم ، كعلم النفس التنظيمي ، و علم الإجتماع ، و الإدارة و الأبحاث الثقافيّة .
قام الشاعر و الكاتب الإنجليزي ( ماثيو آرنولد ) – هو من أنصار الحركة الإنسانيّة الكلاسيكيّة – بوضع تعريف آخر و إضافات إخرى لمصطلح الثقافة ، حيث استخدم هذا المصطلح للإشارةِ إلى ( دماثة الخلق ) ، و ظهر مفهوم ” Bildung ” الألماني و الذي يعني بأن أهم أهداف الثقافة هي الوصول إلى غاية الكمال من خلال التعرف على أفضل و آخر ما توصّل إليه العالم من أفكارٍ وأقوال تهدف إلى تنمية و سعة الإطلاع للفرد .
و ملخص الموضوع ، فإن الثقافة بشكل عام تهدف إلى الوصول لعدة نقاط ، هي :
1. التنميّة الفكريّة و الروحيّة و الجماليّة للإنسان .
2. و اتخاذ هذا الأمر كسلوك معيشي في حياة الجماعات .
3. و أن تكون جميع سلوكيات الفرد و الجماعة مبنية على أساسِ فكرٍ و فنٍ راقٍ و وهذا جوهر الثقافة للفرد و من ثم المجتمع .
من هنا ظهر التناقض ، فقد تباينت ثقافات الشعوب ، و ظهرت مجتمعات متمدنة و أخرى غير متمدنة ، و هذا ما جعل بعض الشعوب أكثر تحضراً من غيرها ، و بعض الأفراد أكثر تقافةً من غيرهم ، و هذ السبب الذي جعل بعض العلماء كـ ” هربرت سبنسر ” و ” لويس هنري مورغان ” ، في وضع نظرياتهم ( الداروينيّة الإجتماعيّة ) و ( نظرية التطور الثقافي ) ، و يعود هذا التناقض الثقافي إلى الصراعات بين الشعوب والأفراد ، و الطبقات الإجتماعيّة المختلفة فيما بينها .
و قام ( إدوارد تايلور ) بإعادة صياغة مفهوم الثقافة على أنها مجموعة من الأنشطة المتميزة لكافة المجتمعات البشريّة على اختلافها . و هذا التعريف مهّد الطريق إلى مفهوم الثقافة الحديثة .
أما الألماني ( ايمانويل كنت ) فكان له تعريفه الخاص تحت مبدأ مفهوم ( التنوير ) حيث قال بأنها خروج الإنسان من مرحلة عدم النضج و التي تكبده الكثير من العناء . و أكّد بأن هذا النضوج لا يأتي من حالة الجهل و عدم الفهم و السعي إلى المعرفة ، و لكن العناء يأتي من الجهل و عدم الشجاعة في سبر أغوار الأمور ، و العمل على التفكير بمنطق و بشكل مستقل ، بدون الاعتماد على ما تمّ تلقينه للفرد من مبادئ في الصغر ، قد تكون خاطئة ، و هي على الأغلب كذلك .
و في النهاية ، هذا موجز لتعريف مصطلح الثقافة و بعض من مراحل تطوره ، و العقبات التي تواجه تطور هذا المفهوم .
كرأي شخصي ، فأنا مع الألماني ( إيمانويل كنت ) في تعريفه المبسط للتنوير ، و الثقافة ، و كنتُ أسعى لإضافة تعريفه لملخصي عن الثقافة ، و ذلك كوني فرداً يعيش في عالم يخلو نوعاً ما من التمدّن ، و ما زال يحمل أفكاراً متوارثة بدون العمل على تغييرها أو تطويرها أو حتى تعديلها ، و الأهم ، و برغم التطوّر الكبير لهذا المفهوم ، إلا أننا مازلنا نطبّق تلك المبادئ التي تبلغ من العمر عشرات بل مئات الأعوام ، و لهذا مازالت الصراعات الثقافيّة في مجتمعاتنا تمزقها على مستوى الأفراد و الجماعات ، تنقصنا روح الشجاعة على تطوير أنفسنا و تثقيفها .
– المراجع :
- ويكبيديا ، الموسوعة الحرّة .