التخلص من كثرة التفكير
التفكير هو إعمال العقل، وهو يتكوَّن من مُجمل العمليات الذهنية التي يقوم بها عقل الشخص. التفكير هو ما يُمكِّن الإنسان من صُنعِ نموذجٍ للعالم الذي يعيش فيه، و يستخدم الإنسان تفكيره في الحصول على حلول لمشاكِلٍ تواجهه؛ أو تقييم موقف أو ظرف بناءاً على الخبرات التي اكتسبها هذا الشخص في حياته؛ وإضافة النتيجة إلى مخزون خبراته، فيحاول الإنسان أن يصل إلى حلٍّ عن طريق ما تعرَّض له من مواقف سابقة؛ أو أن يُجرِّب في موقفٍ جديدٍ لم يسبق أن تعرَّض له. وهناك تفكير يقوم على نشاط عقلي هادف ومركَّب؛ يتم توجيهه عن طريق وجود رغبة قوية في الحصول على إجابات أو حل مشكلات بطريقة جديدة لم تكن موجودة، ومن الأمثلة على ذلك ما يقومُ به العلماء والمُفكِّرون من محاولة الوصول إلى أمورٍ وحلولٍ جديدة تُفيد عالمنا.
إن التفكير بحدِّ ذاته هو أمرٌ مطلوب من الجميع؛ حتى يتطور الجنس البشري؛ وتنخفض المشاكل التي تواجه الإنسان في حياته اليومية. أما الإكثار من التفكير فهو عادة غير مُفيدة للإنسان، بل إنها قد تتجاوز هذا الحدِّ إلى أن تصل إلى المرض الذي يجب على الإنسان أن يتعالج منه. فعندما يبدأ الإنسان في التفكير في كل أمور حياته وبأدقِّ التفاصيل؛ يكون قد خطا أولى خطواته نحو عالَمٍ مجهولٍ قد لا يستطيع أن يخرج منه بسهولة، فيُسيطر هذا التفكير على معظم وقته، فيُصبِح معزولاً عن العالم ذهنياً؛ وتبدأ التفسيرات الغريبة والعجيبة لأحداث يومه بتشكيل عائق اجتماعي أمامه. فالشخص الذي يُكثِر التفكير في كلام أصدقائه معه ومعاني حركاتهم؛ سيقوم بتصرُّفاتٍ مبنية على هذا التفكير والنتائج التي ظهرت معه، وتكون هذه النتائج على الأغلب من نسجِ خياله ولكنه اقتنع بها لاقتناعه بسلامة تفكيره؛ فتكون النتيجة أن يخسر صداقتهم أو على الأقل أن يقوموا بعزله عن مجتمعهم. والإنسان الذي يُكثِر التفكير في أموره المالية والمخاطر في الإستثمار؛ فلن يُقدم على أي مغامرة تجارية مهما كانت درجو خطورتها متدنِّية. والشخص الكثير التفكير بالحوادث وأسباب حصولها؛ سيصل إلى مرحلة أنه لن يخرج من بيته خوفاً من حصول أحد هذه الحوادث معه.
النماذج على الإكثار من التفكير كثيرة جدا ولا تُحصى، فيجب على الإنسان الذي يُدرك أنه وصل إلى هذه المرحلة؛ أن يبحث عن طريقة يتوقَّفُ بها. اتخذ لنفسك إشارة أو علامة تضعها في مكانٍ بارزٍ أمامك دائماً، كأن تكون ملصق على الحقيقة؛ أو شاشة الإقفال لهاتفك، حيث يًذكِّرك هذا المُلصق بضرورة التوقف عن التفكير كلما رأيته، وعلى شاشة إقفال الهاتف سيكون تذكيراً كلما فتحته. تكلم مع أصدقائك المقرَّبين، فمن شأن الحديث معهم أن يريحك من التفكير في ذلك الوقت؛ كما أنهم سيكونون عوناً لك على التخلُّص من هذا المرض. عند شعورك بأنك بالغت في التفكير في أمرٍ ما، أخبر نفسك أن هذا الأمر بسيط ولا يستحق التفكير، حوِّل اهتمامك نحو شيءٍ آخر أكثر إنتاجية أو إيجابية، اخرج من المكان الذي كنتَ فيه إلى أي مكانٍ آخر، فتغيير المكان من شأنه أن يؤثر على التفكير؛ نظراً لأن المناظر ستتغير؛ وبالتالي سيتغير معها موضوع تفكيرك.
لا يوجد ما يُسمَّى بـ “نظرية المؤامرة”، الكون ليس مُصمَّماً لأذيتك أو الإنتقام منك، لا يوجد أي أمرٍ سلبي في حياتك سوى الذي توجِده أنت، فلا تتعلَّق بالسلبيات ودعها لتمضي، لأن كثرة التفكير فيها سيُبقيها في حياتك لتُسيطر عليها. إن المشكل التي تواجهها يومياً لم توجد لك وحدك دون سائر البشر، بل أنت واحد من ملايين يمرون بنفس التجربة في نفس الوقت، كن أفضل منهم وتعامل مع المشكلة في وقتها ودعها لتمضي، احتفظ بها لديك كخبرة اكتسبتها؛ وليس كأسلوب حياة تعيشه.