الاحتلام والغُسُل
الاحتلام
يُعرف الاحتلام لغة بأنّه رؤيا الجماع في المنام، وهو أيضاً دلالة على الإدراك والبلوغ. أمّا اصطلاحاً كما عرّفه الفقهاء فهو ما يراه النائم من جماع، فيُسبّب في الغالب نزولاً للمني أو المذي، وهو وجه من أوجه الجنابة.[١]
وقد ورد ذكر الاحتلام في القرآن الكريم، وعدّه الله تعالى علامة من علامات الوعي والرّشد التي يصل إليها الطفل فيصبح راشداً، قال تعالى في كتابه العزيز: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).[٢]
الاحتلام والغُسُل
يتساوى كل من الرّجل والمرأة في الاحتلام، فهو أمر طبيعي لا يمكن للإنسان السيطرة عليه، ويجب على من يحتلم الغُسل، فقد ورد هذا الأمر في الكثير من الأحاديث النبوية الشّريفة عن الرّسول عليه السّلام حين قال: (سُئِلَ رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – عَنِ الرجُلِ يَجِدُ البَلَلَ ولا يَذْكُرُ احتِلامًا، قال: يَغْتَسِلُ. وَعَنِ الرجلِ يَرَى أنه قَدِ احتَلَمَ ولا يَجِدُ بَلَلًا، قال: لا غُسْلَ عليه. قالت أُمُّ سُلَيْمٍ: هل عَلَى المَرْأَةِ – تَرَى ذلك – غُسْلٌ؟ قال: نَعَمْ، إنَّ النساءَ شقائِقُ الرجالِ).[٣]
أما من احتلم ولم يجد منيّاً قد نزل، فلا غسل عليه، وهو أمر اتّفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة، واستدلّوا على ذلك بالحديث الشّريف الوارد عن الرّسول عليه السّلام: (جاءت أُمُّ سُلَيْمٍ، امْرأةُ أبي طلحةَ، إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالتْ: يا رسولَ الله، إنَّ الله لا يَسْتَحْيِي مِن الحقِّ، هل على المرأةِ من غُسلٍ إذا هي احْتَلَمَتْ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نعم، إذا رأتِ الماءَ).[٤]
الحكمة من الاحتلام
وضع الله تعالى الشهوة في التركيبة الإنسانية، وأمره بأن يُفرّغ هذه الطاقة بطرق سليمة صحيحة وهو الزواج، فبه تتحقّق مصالح الحياة الدّنيا من بناء الأسرة، وإعمار الدنيا بحسب تعاليم الله تعالى، ومن إحدى طرف تفريغ هذه الطاقة هو الاحتلام، فهي طريقة غريزية خارجة عن طاقة الفرد وسيطرته لتصريف القوة الجنسية، ولا يجب على الفرد إخراجها، فهي تخرج وحدها بشكل طبيعي، واستدل العلماء على مشروعيّتها بالحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يشِبَّ، وعن المعتوهِ حتَّى يعقِلَ)،[٥] فلو كان الاحتلام حراماً لما جعله الله تعالى علامة من علامات البلوغ، كما ذكره في الآية الكريمة: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).[٢]
سن الاحتلام
حُدّدت سن الاحتلام على عمر تسع سنين قمرية فما فوق لكل من الذكر والأنثى، أما ما يحصل قبل هذه السن فلا يُعتبر منيّاً، ولا يترتّب عليه ما يترتّب على المني من غُسل وطهارة، وذلك لعدم وصوله سنّ الرشد قبل هذه العمر.[٦]
الغُسُل
يُعرف الغسل بأنّه جريان الماء على الجسد بجميع أجزائه بطريقة مخصوصة، وله صفتان، هما:[٦]
- صفة كاملة: وتكون بأن يُسمّي المُغتسِل في أولها بقوله: بسم الله، وإن أضاف (الرحمن الرحيم) فهو جائز، ثم ينوي الغسل بالقلب سواء من الجنابة، أو لاستباحة ما يُستباح بالغسل: كالصلاة، وقراءة القرآن الكريم. يغسل فيها المسلم يديه، ثم يزيل بالماء ما على فرجه من أذى، ثم يتوضّأ كما يتوضّأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه العشر في الماء ويغرف منها كمّية يُخلّل فيها شعر رأسه ولحيته، ثم يحثي رأسه ثلاث مرّات، ثم يغدق الماء على جسده كاملاً بحيث يُمرّر يديه على بدنه قدر الإمكان، وينتقل بعدها لغسل قدميه، وهذه الطريقة هي التي نُقلت عن الرّسول عليه السّلام عن طريق عائشة وميمونة رضي الله عنهما.
- صفة جزئية: وتكون بأن ينوي الغُسل ثم يُفيض الماء على ما ظهر من بشرته مباشرة، ابتداءً بالشعر وانتهاءً إلى قدميه. وما زاد على ذلك فهي من السّنة.
شروط وجوب الغسل
يجب الغسل على المسلم والمسلمة في حالات عدّة، وهي:[٧]
- انقطاع سبب الغسل: ويكون مثلاً بانتهاء فترة النّفاس للمرأة، أو انقطاع الحيض عندها، وهو أمر يجب بسببه الغسل، وهو لما ورد في الحديث عن الرّسول عليه السّلام: (أنَّ فاطمةَ بنتَ أبي حُبَيْشٍ جاءَت رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَت: إنِّي امرأةٌ أُستَحاضُ فلا أطهرُ أفأدعُ الصَّلاةَ. قالَ: إنَّما ذلِكَ عِرقٌ وليسَت بالحيضَةِ، فإذا أقبلَتِ الحَيضةُ فدَعي الصَّلاةَ، وإذا أدبَرَت فاغسِلي عنكِ الدَّمَ ثمَّ صلِّي).[٨]
- النّية: فلا يصحّ أي عمل دون نيّة، ومكان النيّة في القلب، وورد في الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام حول أهميّة النيّة: (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى).[٩]
- الإسلام: فكيف لغير المسلم أن يؤدّي فرائص وسنن الإسلام وهو لا يؤمن به؟ قال تعالى في كتابه العزيز: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً).[١٠]
- العقل: فغير العاقل غير مُكلّف بالعبادات الإسلامية رفعاً للحرج وتخفيفاً للمشقّة، يقول الرّسول عليه السّلام في الحديث الشريف: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يشِبَّ، وعن المعتوهِ حتَّى يعقِلَ).[٥]
- توفّر الماء الطاهر: فلا يمكن للمسلم أن يتطهّر بماء آسن تغيّر لونه أو طعمه أو رائحته، وهو لما ورد في الحديث الشريف عن الرّسول عليه السّلام: (من عملَ عملا ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ).[١١]
المراجع
- ↑ أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة (26-1-2014)، “الرجل يجد البلة في منامه”، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة النور، آية: 59.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عائشة ام المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 419.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية، الصفحة أو الرقم: 282.
- ^ أ ب رواه البخاري، في العلل الكبير، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 226.
- ^ أ ب “أحكام الاحتلام والجنابة”، إسلام ويب، مركز الفتوى، 20-8-2006. بتصرّف.
- ↑ “باب ما يوجب الغسل”، إدارة الإفتاء لوزارة الأوقاف الكويتية. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 282 .
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2201.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 23.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1718.