استيقظ حامد في الصباح الباكر كعادته فراعه ماراى كان البيت على غير هيئته، اناس مجتمعون تعلو الفرحة وجوه بعضهم وتكسو الحيرة وجوها اخرى تقدمت اليه جدته بتحية الصباح وعلى شفتيها ابتسامة غامضة تكاد تنطق عن حرج يعتمل بداخل الجدة لكنها تجهد النفس في اخفائه حتى لا يفطن الصبي لحفيقته . قالت وهي تشد على يد حفيدها الفطور جاهز وهناك من ينتظرك لتفطر معه على المائدة واقتادته حتى ادخلته الغرفة فطالعه وجه ابيه وقد جلست بالقرب منه امراة في الثلاثين من عمرها او تزيد قليلا، كانت ترتدي لباسا ابيضا ترسله على سجيته دون حزام، وبعد القاء التحية اعترى الطفل بعض ارتباك، وسرعان مادارت بمخيلته الكثير من الاحداث ، لم يكن يفهم منذ ايام مضت مايجري فقد كان يعيش حياة هادئة مع ابويه وبعض افراد عائلته من ابيه ، جدته وعمه وعمته ، وكانت الامور تسير على احسن مايرام وكانت السعادة تحف ارجاء البيت كله ، حتى انقلبت الامور بشكل مفاجىء حيث بدا الطفل يلحظ بعض التغير في سلوك ابيه نحو والدته لم يلبث ان انقلب الى شجار مستمر ، وكعادة حامد لم يكن يتدخل في شؤون ابويه الشخصية او قل انه لم يبلغ بعد السن التي تسمح له بالتدخل في امورهما ، ولذلك كان يقف كالملاحظ يرعى الامور من بعيد صامتا لا ينبس ببنت شفة ولا يستطيع تغيير مجريات الاحداث.
صور وخلفيات للقطط
افضل يوم لمصرع القط
وظل الامر كذلك حتى الليلة التي علا فيها صوت ابيه بالسباب والشتم ومن الحجرة التي كان ينام بها الطفل سمع صراخ امه تستنجد بمن في البيت فهرع فيمن هرع نحو مصدر الصراخ فاذا بالوالدين يمسك كل واحد منهما بتلابيب الاخر ويتبادلان الكلمات اللاذعة ، وعبثا حاول حامد التوسل لابيه عله يخلي سبيل والدته التي كان يمسك بخناقها لكن دون اية جدوى، وظل الصبي هكذا يذرف الدموع حتى انفض النزاع بفضل وساطة جدته ومن كان بالبيت من بقية افراد العائلة ، حيث غادرت الام بعد ذلك غرفتها لتبيت مع الجدة في حجرة نومها ، اما حامد المسكين فلم يتسلل النوم ليلتها الى ماقيه ، فقد قضى بقية ليلته جاحظ العينين مرخي الاذنين يحاول تحسس معاني الحدبث الذي يدور بين والدته وجدته عله يعي سبب الشجار.
وبعد اصاخة طويلة للسمع استطاع المسكين ان يتلقف بعض المفردات افهمته ان الحياة بين والديه قد وصلت الى طريق مسدود ، وان الطلاق والانفصال اصبحا الحل الوحيد لوضح حد لهذا الخلاف واي حل واي خلاف ؟ ان البيت الذي حفته السعادة لسنوات اصبح على وشك الانهيار او قل انه قد انهار وانتهى الامر.
هكذا قام الطفل النائم – اليقظان من فراشه صباح تلك الليلة المشؤومة ليرى امه تحمل حقيبتها وكل حاجياتها لتغادر البيت لتلتحق ببيت ذويها ، الى اين يا اماه ؟ يسال الطفل المكلوم فكانت الاجابة من والدته سيولا من العبرات تنساب فوق خديها وهي تحنو على وجه طفلها الوحيد المسكين تقبله وتوصيه بنفسه خيرا ، ذلك انها لا تدري متى ستراه ثانية بعد الان ، ولم يستوعب الطفل ساعتها معنى لما يحدث غير ان صوتا بداخله يهتف له بوضوح ان الام التي حملتك في بطنها خلقا من بعد خلق وسهرت عليك حتى بلغت سنك هذه اصبحت مظطرا بمفارقتها رغما عن انفك ، ذلك انها الان امراة مطلقة وانك بحكم الشرع والقانون اصبحت ملزما بالعيش مفردا مع ابيك فهو احق بتربيتك واجدر بايوائك حتى تبلغ اشدك وانت الان لم تعد كما كنت رضيعا او طفلا يحبو بل صرت صبيا يافعا خليق به ان يقفو اثر ابيه من ان يتعقب اذيال امه، وعبثا يحاول الطفل ثني امه عن الرحيل لكن هيهات ثم هيهات فالقضية كما يتضح للجميع اكبر منه بكثير واقوى من ان يتخذ بشانها القرار ، فالسبيل الوحيد اذن هو الاستسلام لقضاء الله وقدره والانسباق مع التيار عله يقذف به الى بر الامان وما هو ببالغه وكيف يتسنى له ذلك وكل شيء احكم من قبل عليم قدير.
ومضى اسبوع واسبوع ، والحالة على ما هي عليه صمت رهيب وحزن قاتم يخيمان على ارجاء البيت وكل من فيه ، والكل يحاول ويسعى الى التخفيف من الم وكابة الطفل الكليم عله يستعيد نشاطه وحيويته وبستقبل ايامه كما كان يفعل من قبل ، ولكن حامدا لم يزدد الا انطواء وغموضا لم يتحدث لسانه الا للضرورة ، لكن عينيه كانت تقول اكثر من شيء وعبثا حاول والده ان يلاطفه بعد الصدمة التي المت به ولكن محاولاته كانت تبوء في كل مرة بالفشل فيرتد عنه حسيرا وهو كظيم حتى استياس منه ومن محاباته وايقن ان لا مناص من مجابهته بالامر الواقع ومصارحته بما عقد عليه النية.
وبكل ما اوتي من حزم ورباطة جأش تقدم الاب نحو ابنه ذات مساء كاشفا له عن طويته وعزمه على الزواج من امراة أخرى قال الوالد بعظمة لسانه انها ستكون اما رؤوما لابنه حامد وانها ستعوضه عن حنان والدته التي انجبته ، وظل الطفل المسكين مطاطا الراس لا يفوه ببنت شفة وكلمات ابيه تنزل على اذنيه كالسياط حتى ظن ابوه وهو يرى سكوته ان حجته كانت دامغة وانه استطاع بحذاقته ان يقنع طفله برجاحة ما عزم عليه ، ولكن تقديره كان واهيا اذ حسب ان اصرة الامومة هي من قبيل الامور التي تباع وتشترى وان الالم الذي لا يزال يعتصر قلب الصبي ويدمي فؤاده بعد فراقه لوالدته وحرمانه من حضنها ودفء حنانها وحبها لمن البساطة بحيث يمكن لكلام في برودة وقساوة ما حاء يتلوه ابوه على مسامعه ان يضمد جراحه ويشفي ما تنوء به حواشيه واعضاءه من حسرة والام.
قالت جدته بصوت مختنق وهي لا تزال واقفة الى جانبه بالحجرة التي اقتادته اليها منذ قليل : سلم على والدك ومن معه ثم توارت الى الخارج بسرعة وايات من الدمع تلوح في عينيها وتكاد تسربل لولا انها استنجدت ببقية صبر وغادرت الحجرة على التو كي لا ينكشف ضعفها امام هذا الموقف الصعب والمؤثر الذي يواجهه الصبي لاول مرة في حياته.
وطفق الطفل حامد واقفا كالصخرة لا يتحرك امام هذا المشهد الغريب عنه ، كان جسما امام والده المراة التي تقبع بجانبه وروحا هناك مع والدته وجدته بالحجرة المجاورة ، وبينما هو في شروده اذ به ينتبه على صوت والده يشير اليه بالجلوس ويطلب منه ان يقبل يد المراة الجالسة بجانبه ، وفي حركة عصبية يتناول حامد المسكين يد المراة ولا يدري لعارض ما تتقلص شفتيه وتتشنج اعضاؤه ولا يشعر وهو يلثم يدها الا بتقزز لم يحمله سوى على كراهية هذه السيدة التي يتساءل حتى الان من هي ومن ستصبح بالنسبة اليه ؟ لكن والده لم يمله وكأنه به رؤوف لا يححتمل ان يتركه فريسة للتساؤل يعلن له في هدوء وغبطة ان المراة التي تجلس قربه زوجته الجديدة وان ابنه البار حامد ما عليه الا ان يعتبرها امه الثانية فيعاملها معاملة والدته التي انجبته بكل حب واحترام ، كل ذلك يجري والطفل قائم في مكانه يتلقى السياط تهوي على اذنيه فتجد الطريق مفتوحا معبدا نحو قلبه وفؤاده الكليم فاذا بها دموع تطفو على مقلتيه فتنساب سيولا من الدموع تغسل وجنتيه واذا هو يغادر الحجرة لا يلوي على شيء حتى يرتمي في حجر جدته منتحبا تكاد انفاسه تنقطع من سدة البكاء.
وتتوالى الزيارات تلو الاخرى والتهاني بالزفاف الجديد ، وينتهي اسبوع واسبوع لينفض البيت من الزوار ، ولتبدا معركة حامد الجديدة كما اذنت بها اول صفعة يتلقاها على خده من امه الثانية وقد عقدت العزم هلى ان توقف الصبي عند حده ولما يخط الخطوة الاولى نحوها مؤمنة كل الايمان موقنة كل اليقين بانه ليس هناك يوم افضل لمصرع القط من يوم ولادته.