اذاعة عن السخرية والاستهزاء , مقدمة اذاعة عن السخرية والاستهزاء
الحمد لله الذي خلق الجنة للمؤمنين، وأعد النار للكافرين، الحمد لله كما ينبغي لألوهيته وربوبيته ورحمانيته، هو الأول وهو الآخر، والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت، لك الحمد، أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت مالك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد ملء السموات والأرض ومن فيهن. وصل اللهم على محمد النبي الرسول. أما بعد:
يطيب لنا اللقاء بكم في هذا الجو الجميل، من هذا اليوم ( ) الموافق ( ) من شهر ( ) لعام ( )، ونحن معكم اليوم للحديث عن موضوع خطير عنوانه “السخرية والاستهزاء” ونقصد به رمي الآخرين بعبارات لا يحبونها، بل يكرهونها.
نبدأ بالقرآن الكريم:
القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 10- 12].
ونثني بالحديث الشريف:
الحديث
عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق” رواه مسلم.
وندعوكم إلى الإنصات لهذه الكلمة:
السخرية والاستهزاء بالغير
آفة خطيرة تعصف بكثير منا، ويستمرئها كثير من المسلمين والمسلمات، ألا وهي السخرية والاستهزاء بالغير.اتفق العلماء على تحريم السخرية والاستهزاء لقول الله – عز وجل -: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
السخرية، معناها: أن تستهين وتحتقر الغير؛ فإذا استهنت بالغير واحتقرته، ونبهت على عيوبه وذكرت نقائصه؛ فهذا هو المعنى الأساس للسخرية والاستهزاء. قد يستهزئ بالآخر أو بالآخرين، إن كانوا رجالاً أو نساءً، ممكن عن طريق المحاكاة، يعني: التقليد في الفعل وفي القول، يعني: إنسان يقلد إنسانًا، يحاكيه في أفعاله وأقواله، أو بإشارة معينة، أو بإيماءة معينة، أو بتلميح معين، فيفهم من يرى هذا أن فلانًا يستهزئ بفلان.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: “حاكيت إنسانًا”، يعني: قلدت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “والله ما أحب أني حاكيت إنسانًا ولي كذا وكذا” رواه الإمام أحمد. وفي تفسير قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، ذكر بعض أهل العلم أن الصغيرة هي: التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة: القهقهة بذلك. يعني: أن تبتسم ابتسامة مستهزئًا بمؤمن؛ هذا من الصغيرة التي لا يغادرها الكتاب الذي سوف يتعلق في رقبة كل واحد منا، والكبيرة: أن تقهقه بذلك.
وكان هؤلاء المجرمون الذين قال رب العباد سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 14، 15]. حتى أن بعض المنافقين، وبعض البعيدين عن رحمة الله، والعياذ بالله رب العالمين، وصفهم الله عز وجل، وقال: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 58]. وكان رب العباد سبحانه وتعالى يطيب قلب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 10] وقال له: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]، وقال عز وجل في سورة الأحقاف: ﴿ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾.
قضية الاستهزاء موجودة على مر الزمن، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ » وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ » وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴾ [المطففين: 29 – 31]، هؤلاء الناس الذين يستهزئ الواحد منهم، أو الجماعة منهم بمؤمن أو مؤمنة؛ فحسابهم عند الله عسير، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب على المبتلى بهذه الآفة الخطيرة. ولذلك ورد عن الحسن البصري – رحمه الله -، أنه قال: “إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة، فيقال: هلمّ هلمّ، (أي: تعال تعال) فيجيء بكربه وغمه (لأنه في جهنم والعياذ بالله)، فإذا أتاه أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر فيقال: هلمّ هلمّ، فيجيء بكربه وغمه، فإذا أتاه أغلق دونه، فما يزال كذلك، حتى أن الرجل ليفتح له الباب، فيقال له: هلمّ هلمّ، فلا يأتيه”.
هل تعلم أن الاستهزاء بالمسلم من كبائر الذنوب:
الاستهزاء بالمسلم من كبائر الذنوب
هل تعلم أن الاستهزاء بالمسلم من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ [الحجرات: 11].
وقد أجمع العلماء على تحريم ذلك، وفي كونه كبيرة مجال للنظر، مع أنه قد روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى: ﴿ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [الكهف: 49]، قال: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك على حالة الاستهزاء. وهذا تصريح بأن ذلك من الكبائر، وقال الغزالي في قول ابن عباس: هذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من الجرائم والذنوب. واعلم أن معنى السخرية الاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك، كأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه، أو غلط، أو على صنعته، أو قبح في صورته، ونحو ذلك، وقد خرج البيهقي عن الحسن البصري – رحمه الله – عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “إن المستهزئين بالناس ليفتح لأحدهم باب الجنة، فيقال: هلم فيجئ بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر، فيقال: هلم هلم، فيجئ بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه، فما يزال كذلك، حتى أن الرجل ليفتح له الباب، فيقال: هلم هلم، فلا يأتيه من اليأس” انتهى.
وقال بعض أئمة التفسير في قوله تعالى: ﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11] من لقب أخاه وسخر منه؛ فهو فاسق. حكاه القرطبي.
ونستمع لهذه الفتوى الخطيرة:
حكم الاستهزاء بشعائر الدين
سُئل الشيخ ابن باز – رحمه الله – هذا السؤال: ظهر في كثير من المجتمعات الإسلامية الاستهزاء بشعائر الدين الظاهرة، كإعفاء اللحى، وتقصير الثياب، ونحوهما – فهل مثل هذا الاستهزاء بالدين الذي يخرج من الملة؟ وبماذا تنصحون من وقع في مثل هذا الأمر وفقكم الله؟.
الجواب: لا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته وبشرعه وأحكامه من جملة أنواع الكفر، لقول الله – عز وجل -: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66].
ويدخل في ذلك الاستهزاء بالتوحيد، أو بالصلاة، أو بالزكاة، أو الصيام، أو الحج، أو غير ذلك من أحكام الدين المتفق عليها.
أما الاستهزاء بمن يعفي لحيته، أو يقصر ثيابه ويحذر الإسبال، أو نحو ذلك من الأمور التي قد تخفى أحكامها، فهذا فيه تفصيل، والواجب الحذر من ذلك، ونصيحة من يعرف منه شيء من ذلك؛ حتى يتوب إلى الله سبحانه، ويلتزم بشرعه، ويحذر الاستهزاء بمن تمسك بالشرع في ذلك، طاعة لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وحذرًا من غضب الله وعقابه، والردة عن دينه، وهو لا يشعر، نسأل الله لنا وللمسلمين جميعًا العافية من كل سوء إنه خير مسؤول. والله ولي التوفيق.
ونختم بهذه الفقرة:
السخرية وجراثيم العُجب والكبر
إن السخرية لا تنبعث إلا من نفس ملوَّثة بجراثيم العُجْبِ والتكبُّر، فهي تعمل على إيذاء من حولها، بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقها المريضة. لقد استهان إبليس بآدم وسخر منه، قائلاً: أنا خير منه، فباء بالخسارة والخذلان، ولو أنه أمعن النظر في صفات آدم، لأدرك أنه يمتاز عليه بصفات كثيرة، إنها داء من أدواء الجاهلية، يجب تجنبه، والبعد عنه، وخصوصًا عند المشاحنة والخصومة، وهى من سمات الكفار والمنافقين، ومن شأنها أن تفكك عرى المجتمع. ويكفى أنها مخالفة صريحة لأمر الله عز وجل، ومبعدة من رضوانه سبحانه، تنسي الإنسان ذكر ربه، ونذير شؤم لصاحبها، ومن أسباب حلول العذاب بالساخرين.
إلى هنا نتمنى أن نكون قد أضفنا لكم شيئًا مفيدًا، ونصحًا حميدًا، للتخلص والحذر من داء السخرية والاستهزاء بالآخرين؛ وتذكروا بأن اللسان إذا عُوِّد على الكلام المهذب سوف يعتاد عليه، وإن عُوِّد على السخرية والاستهزاء سوف يكونان عادة له، فابحثوا عن الكلام الطيب، وابتعدوا عن السخرية والاستهزاء.