أولو العزم وكم عددهم
اصطفى الله تعالى من البشر أنبياء ورسلًا، أرسلهم برسالة التّوحيد إلى أقوامهم، وقد كان هؤلاء الرّسل والأنبياء مثالًا في البذل والصبر والتّضحية، حتّى بذل الكثير منهم دماءه رخيصةً في سبيل الثّبات على دعوة الله تعالى ومنهم زكريّا ويحيى عليهم السّلام، وقد تفاضل الرّسل والأنبياء فيما بينهم بلا شكّ كما يتفاضل سائر البشر فيما بينهم، بل كما يتفاضل الأنبياء فيما بينهم، وقد خاطب الله تعالى نبيّه الكريم في إحدى آيات القرآن الكريم وحثّه على الصّبر على أذى قومه كما صبر أولوا العزم من الرّسل فمن هم أولوا العزم من الأنبياء والرّسل ؟، وكم كان عددهم؟.
يعود أصل كلمة العزم لغةً إلى القصد وعقد القلب على إمضاء الأمر وحصول الهدف والغاية، لذلك يقال للرّجل صاحب الهمّة والنّشاط في سبيل تحقيقة هدفه صاحب العزيمة، وقد اعتبر كثيرٌ من العلماء أنبياء الله ورسله كلّهم أصحاب عزيمة وهمّه في سبيل الدّعوة والتّبليغ، ولكن هناك عددٌ من هؤلاء الرّسل قد اجتباهم الله تعالى وميّزهم، وإنّ حقيقة التّفضيل هذه قد ذكرها الله تعالى في كتابه حين قال جلّ من قال (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)، لذلك كان هناك خمسةٌ من الرّسل اعتبرهم العلماء من أفضل الأنبياء والمرسلين، وما تبوؤا تلك الدّرجة وما استأهلوا تلك الصّفة إلا بسبب ما قدّموه وما بلذوه وما تحمّلوه من أقوامهم، وقد ذكرهم العلماء بالتّفصيل وهم خاتم النّبيين سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام وأنبياء الله نوح وموسى وإبراهيم وعيسى عليه أفضل الصّلاة والتّسليم.
لو نظرت في سيرة كلّ نبيّ من أولي العزم لرأيت فيها ما يستأهل أن يكون صاحبها من أولي العزم من الرّسل، فقد صبر سيّدنا موسى عليه السّلام على قومه صبرًا عجيبًا، وقد أعياه بنو إسرائيل بالأسئلة والمطالب ومنها طلب رؤية الله جهرة، وأن يجعل لهم إلهًا كما للكافرين آلهة، وأن يخرج الله لهم ثمارًا معيّنه كان الله قد أنزل عليهم خيراً منها وهي المنّ والسلوى وغير ذلك من الأسئلة، وقد آذوا موسى أكثر من مرّةٍ ومن بينها اتهامه بالمرض والبرص في جسده بسبب حيائه، وكذلك الحال مع سيّدنا نوح عليه السّلام حيث بقي صابرًا يدعو قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، ونبي الله إبراهيم الذي أراد قومه يومًا أن يحرّقوه فنجّاه الله من ذلك، ونبيّ الله عيسى عليه السّلام الذي تحمّل الأذى الكثير، أمّا نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام فسيرته العطرة لا تسعها مجلداتٌ كبيرة، وقد كان مثالًا في الصّبر والتّحمل والثّبات على الدّعوة .