أهميّة التعليم في حياة الإنسان
أهميّة التعليم في حياة الإنسان
يحتاج الإنسان خلال حياته إلى عناصر مادية قادرة على إبقائه على قيد الحياة كالغذاء، والشراب، وإلى عناصر قادرة على جعله فاعلاً في الحياة كالتعليم، والإبداع. ولعلَّ أهمية الفاعلية في الحياة تساوي بل تفوق أهمية الحياة لمجرد التواجد لأكبر فترة ممكنة فوق الأرض؛ فالإنسان لن يستمتع بالحياة ما دام خاملاً؛ إذ إنّ الخمول يدمره، ويدمر من حوله، ويدمر مجتمعه وأمته.
التعليم هو أحد أهم عناصر الحياة التي تعطي للإنسان معنى لوجوده؛ فالتعليم هو عملية اكتساب المهارات، والخبرات، والمعلومات التي يحتاج إليها الإنسان ليكون قادراً على الإبداع، وخلق الجديد، والإضافة إلى الإنسانية وإلى التراكم المعرفي الذي ابتدأ منذ آدم ولا يزال مستمراً إلى أن يأخذ الله تعالى الأرض ومن عليها.
التعليم هو أحد أهم أهداف الرسالات السماوية كلِّها؛ فالأنبياء والرسل جاؤوا معلِّمين للإنسانية بالدرجة الأولى، فقد استطاعوا بتوفيق الله تعالى لهم أولاً، وبمجهوداتهم الجبارة ثانياً أن يوصلوا الإنسانية إلى مرحلة يكون الناس فيها قادرين على الاعتماد على ذواتهم، وهذا يظهر بشكل واضح من خلال آخر ما نزل من القرآن الكريم وهو قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فبمجرد اعتماد الإنسان على ما أرسله الله تعالى إليه من شرائع، وعلى ذاته، فإنه يكون قادراً ومؤهلاً على استلام مهمَّة الخلافة في الأرض بشكل كامل، هذه المهمة التي كانت هدفاً من أهداف وجود الإنسان.
التعليم هو أساس فهم الكون ومن فيه، وما فيه؛ فبه استطاع الإنسان أن يشاهد الأرض من خارجها، وأن يلمس سطح القمر، وأن يعرف الكون بتفاصيله وقياساته التي لا يتصوَّرها عقل دون أن يصل بنفسه إلى ما هو أبعد من القمر. التعليم هو الذي جعل الإنسان يغوص في أعماق الأرض ويتنقل بين أدق الكائنات علَّه يهدئ من نيران مواجعه الأنطولوجية، ويصل إلى الله تلك الحقيقة المطلقة الواضحة وضوح الشمس في وسط النهار.
التعليم يساوي بين الناس ويآخي بينهم، ويلغي أية فوارق دينية، أو إثنية، أو لغوية، ويعلي من قيم الإنسانية، والعدل، والمساواة، والمحبة؛ فكلَّما كان الإنسان عالماً أكثر، كلما أضفى الله عليه نوراً وجلالاً من عنده، وجعله أكثر تواضعاً وبالتالي أكثر قبولاً واستحساناً لدى الناس، وما رحلة العالم المسلم ابن فضلان إلى القارة الأوروبية إلا أكبر مثال على ذلك.
التعليم في بلداننا العربية اليوم ليس نوعياً، إذ يعتمد على الكم أكثر من النوعيّة، وهذا أمر سبّب للعرب ويلات ونكبات، فما أن ينهي الطالب مرحلة دراسته فإنّه ينسى كل ما درسه، وكأنّه لم يقض زهرة عمره وهو يكدّ في المدارس، والكليات، والجامعات. كما أنّ التعليم يجب أن يكون بحسب رغبة الفرد لا بحسب رغبة المجتمع، فالتخصصات كلها متساوية في القيمة ما دام المتخصِّص مبدعاً؛ فقيمة ابن سينا هي ذاتها قيمة ابن خلدون، هي ذاتها قيمة أبي حامد الغزالي، هي ذاتها قيمة الشافعي، هي ذاتها قيمة الفارابي، هي ذاتها قيمة ابن الهيثم. فكل هؤلاء النجوم لهم مراتب علمية متساوية غير مبنية لا على تخصص ولا على أي شيء آخر؛ فنحن لم نسمع يوماً ما أحداً من المنصفين يقول أنّ الشافعي قيمته أعلى من قيمة ابن الهيثم، لأنّ الشافعي كان متخصصاً في العلوم الشرعية، أما ابن الهيثم فقد كان متخصصاً في الفيزياء أو العكس، فالنظرة الطبقية المبنية على التخصص هي نظرة سلبية طارئة على مجتمعاتنا العربية، فنحن لم نعهد هذا الأمر حتى وقت قريب جداً.