أفضل شعراء العرب
الشّعر والشّعراء
يعتبر الشّعر أحد الفنون العربيّة، ويعدّ من الوسائل التي تُستخدم لإرسال رسالة لشخص ما بوصف دقيقٍ وموزون، ويعتمد فن الشّعر على القافية، وتختلف الأوزان الشعريّة باختلاف القصيدة وموضوعها، وقد امتد الشّعر منذ العصر الجاهلي إلى يومنا هذا، وكان الهدف من الشّعر هو مدح العائلة الحاكمة، وهجاء الأعداء، ووصف الحال، وشعر الغزل العذري.
أهم الشعراء العرب
كل مرحلة زمنيّة في التّاريخ العربي لها تلك المجموعة من الشّعراء التي تتميّز بها، وعليه، سنذكر هنا أهم وأشهرا الشّعراء اعتماداً على الفترة التي اشوا فيها.
العصر الجاهلي
أشهر الشّعراء الذين عُرفوا في العصر الجاهلي هم أصحاب المعلّقات، وهم امرؤ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سُلمى، لبيد بن ربيعة، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شدّاد، الحارث بن حلزة اليشكري، إلى جانب العديد من الشّعراء النّوابغ مثل أميّة بن الصّلت، والمُثقّب العبدي، والاعشى، وغيرهم، إضافةً إلى شعراء الصّعاليك.
شعراء المُعلّقات
نذكر من شعراء المعلّقات امرئ القيس، لأهميّته وأهميّة شعره بين شعراء العصر القجيم والحديث.
امرؤ القيس
شاعر و فارس عربي، قال عنه الأصمعي أن أبا عبيد سئل في خير الشعراء فقال :”امرؤ القيس إذا ركب، والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب “. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى من الشعراء والتي تشمل كل من: زهير بن أبي سلمى، والنّابغة الذبيانيّ، والأعشى، من أصحاب المعلقات السّبعة المشهورة، يُعدّ من أكثر شعراء عصره خروجاً عن التّقليد النّمطي في الشّعر، سبّاقاً إلى العديد من المعاني والصور، وهو أوّل من شبّه النّساء بالظّبيان البيض.
اشتهر امرؤ القيس في بداية حياته باللّهو والتّرف، وشرب الخمر، والتّسكع مع الصّعاليك، وكان من الشّعراء الذي يخطّون شعرهم عن مفاحش النّساء، وبالرّغم من أنّ ديانته كانت الوثنيّة إلّا أنّه لم يتعلق بها كباقي الوثنيين، وقد مرّ امرؤ القيس بالكثير من البلاد، وتوفّي في أنقره بعد تعرضه لمرض الجدري، فلم تكن حياة امرؤ القيس طويلة السّنين، لكنّها كانت طويلة استناداً إلى تراكم الإحداث، وكثرة الشّعر، ونوعيّة الإبداع.
لقد ترك خلفه سجلّاً حافلاً من ذكريات الشّباب، وبطولات الفرسان، وديوان شعر ضمّ عدداً من القصائد التي جُسّدت في تاريخه. وعلى الرّغم من حجم الدّيوان الصّغير إلّا أنّه احتوى على ما يقارب مئة قصيدة ومقطوعة، اعتبرها القدماء مثالاً يُقاس عليه، والمرجع الفصل في التّفوق أو التّخلف، ولذلك، فقد اهتمّ القدماء بشعره، وأقبلوا عليه نقداً ودراسة وتقليداً. (1)
ومن أجمل ما قاله امرؤ القيس هي معلّقته التي مطلعها:
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ
فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ
لما نسجتْها من جَنُوب وشمالِ
ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها
وقيعانها كأنه حبَّ فلفل
كأني غَداة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا
لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ حنظلِ
وُقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ
يقُولون لا تهلكْ أسى ً وتجمّل
وإنَّ شفائي عبرة ٌ مهراقة ٌ
فهلْ عند رَسمٍ دارِسٍ من مُعوَّلِ
الصّعاليك
لغةً: هو الفقير الذي لا مال له، أمّا التّاريخ الأدبي فإنّ الصّعاليك جماعة من شواذ العرب اعتمدوا الغزو على البدو والحَضَر في تأمين مصدر الحياة، فيُسرعون في النّهب، لذلك نجد شعرهم مليء بصيحات الجزع، والفقر. يمتاز الصّعاليك بالشّجاعة، والصّبر وسرعة العَدْو. ولو رجعنا إلى أخبار الصّعاليك نجدهم أفقر النّاس، فكل صعلوك هو فقير، حتّى عروة بن الورد الدي كان يعتبر سيّد الصّعاليك، وهو من كانوا يلجؤون إليه إذا ضاقت بهم سبل الحياة.
يقسم الصّعاليك إلى ثلاثة اقسام:
- فئة خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لا تتماشى مع الأعراف، مثل حاجز الأزدي، وقيس الحداديّة.
- فئة أبناء الحبشيّات داكني البشرة ممّن نبذهم آباءهم ولم يلحقوهم بأنسابهم الصّحيحة، مثل السّليك بن السّلكة، وتأبّط شرّاً، والشَّنفَرى.
- فئة احترفت الصّعلكة وحولتها إلى ما يفوق الفروسية بأعمالهم الإيجابية، مثل عروة بن الورد. (2)
ومن هؤلاء الصّعاليك نعرّف هنا بعروة بن الورد، أمير الصّعاليك.
عروة بن الورد
هو عروة بن الورد المنتمي إلى قبيلة عبس، كان أبوه سبباً في نشوء حرب بين قبيلتي عبس وفزّارة، أمّا أمّه من فخذ نهد من قضاعة، وتعتبر بذلك أقل منزلة من أبيه. لُقّب بأبي الصّعاليك وأميرهم، تميّز بشخصّية فريدة مزجت بين طباع الشّاعر والفارس . وكانت دعوته الصّعلكة نوعاً من نشر العدالة الاجتماعيّة، فالظّلم والاضطهاد الذي عانى منه على يد والده بسبب منزلة أمّه دفعه إلى أن يصبح رئيس الصّعاليك، فصار يغزو أصحاب الثّروات البخلاء ليوزّع الغنائم بين الصّعاليك الآخرين والفقراء.
انعكست النّزعة الشعبيّة على شعره، فتجده خالياً من الصّنعة، أقرب إلى البديهة السّريعة، لغته سهلة واضحة، ألفاظه دقيقة موسيقيّة. برع عروة في استخدام الحوار ليُدلّل على أرائه، كما لجأ إلى استخدم التّناقضات لإبراز الموقف العام من القصيدة. يُعتبر شعر عروة شهادة تاريخية عن حركة الصّعلكة باعتبارها احتجاجاً اجتماعيّاً واقتصاديّاً، بعيداً الغزو لغرض زيادة الثّروة المادّية. (3)
من أبرز قصائده أقلّي عليّ اللّوم ، عيّرني قومي، شيخوخة الصّعلوك، إذا قيل يا ابن الورد، الفقر شر، العيش على موائد الناّس، الواحد والكُثُر، ويقول:
أقِلِّي عَلَيَّ اللِّوْمَ يا ابْنَة َ مُنْذِرِ ونامِي
فإنْ لم تَشْتَهي النَّومَ فاسْهَرِي
ذَرِيني ونَفسي أُمَّ حَسَّانَ، إنّني
بها قبل أن لا أملك البيع مشتري
أحاديثُ تَبْقَى والفَتى غيرُ خالدٍ
إذا هو أمسى هامة فوق صير
تُجَاوِبُ أحْجَارَ الكِنَاسِ وتَشْتَكِي
إلى كلِّ معروفٍ تراهُ ومُنْكَرِ
ذَرِيني أُطَوِّفْ فِي البلادِ لعلَّنِي
أخَلِّيكِ أو أغْنِيكِ عن سُوءِ مَحْضَرِ
فإن فاز سهم للمنيّة لم أكن
جَزُوعاً، وهَلْ عن ذاكِ من مُتَأخَّرِ
وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد
لكم خلف أدبار البيوت ومنظر
عصر صدر الإسلام
هذه الفترة التي اشتملت عصر الرّسول عليه السّلام والخلفاء الرّاشدين، فعندما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية، تعرّف العرب على رسالة جديدة لم يألفوها، ونجد أنّ مكانة الشّعر والشّعراء قد تراجعت خاصّةً بعد دخول الشّعراء الإسلامَ، وتطويعاً للشّعر من النّظام الإسلامي حاول الشّعراء نظم القصائد التي تتجلّى فيها الصّفات الإسلاميّة، إلّا أنهم تستّروا بالعباءة الجاهليّة، فخرج الشّعر جاهليّ البناء في معظمه حتّى بعد أن استمدّ المعاني الإسلاميّة. تعدّد الشّعراء في هذه الفترة بين الرّجال والنّساء، ومنهم شاعر الرّسول عليه السّلام حسّان بن ثابت، سكينة بنت الحسين، الخنساء، كعب بن زهير، ابن قيس الرّقيات، قيس بن الملوّح، المقنّع الكندي، وغيرهم. (4) ونسهب الحديث هنا عن حسّان بن ثابت.
حسّان بن ثابت
شاعر مخضرم، عاش في العصرين: الجاهلي وصدر الإسلام، عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام مثلها، نشأ في بيت جاه وشرف، يعود نسبه إلى بني النّجار أخوال عبد المطلب بن هاشم، جدّ النّبي محمد عليه السّلام، وقيل أنّ أباه كان أحد سادة قومه وأشرفهم، أنشد الشّعر قبل الإسلام، وبعد الإسلام لُقّب بشاعر الرّسول عليه السّلام. تزوّج من جارية قبطيّة اسمها سيرين وأنجبت منهُ ولدهُ عبد الرّحمن، ثمّ أسلمت وحسن إسلامها، وهي أخت ماريّة القبطيّة زوجة الرّسول عليه السّلام. سجّلت كتب الأدب والتّاريخ الكثير من أشعاره في هجاء الكفار، ومدح المسلمين، ورثاء شهدائهم وأمواتهم. (5) ومن جميل ما قاله من الشّعر نذكر:
صَلّى الإلهُ على الذِينَ تَتَابَعُوا
يَوْمَ الرّجِيعِ، فأُكْرِمُوا وأُثِيبوا
رأسُ الكتيبة ِ مرثدٌ وأميرهمْ
ابنُ البكيرِ أمامهمْ وخبيبُ
وابنٌ لطارق، وابنُ دثنة فيهمِ
وافاهُ ثمّ حمامهُ المكتوبُ
مَنَعَ المَقَادَة َ أنْ ينَالوا ظَهْرَهُ
حتّى يجالدَ، إنّهُ لنجيبُ
والعاصمُ المقتولُ عندَ رجيعهمْ
كسبَ المعالي، إنهُ لكسوبُ
العصر الأموي
ازدهر الشّعر في العصر الأمويّ واتسعت آفاقه، وتحسّنت أساليبه تبعاً لحالة العصر ومظاهره السّياسية والقَبَليّة، فقد ظهرت في الخلافات و الأحزاب السّياسية والقبليّة والمذهبيّة، وقد خاض في هذه الأحداث الشّعراء، وتعصّب كلّ شاعر إلى فئته يدافع عنه وينشرون أفكاره ومفاهيمه، فظهر شعر الغزل العفيف، والغزل الفاضح، والشّعر السّياسي، وشعر المدح والهجاء، والمدح.
اختلفت وجهات نظر كل حزب عن غيره، وعليه فقد انقسمت إلى أربعة أحزاب رئيسة: الحزب الأمويّ المناصر للدّولة، ولهم شعراؤهم وأُدباؤهم ، من أشهر هؤلاء الشّعراء الأخطل التّغلبي والفرزدق، وهم من عُرفوا باسم شعراء النّقائض. الحزب العلوي هو الحزب الثّاني الذين اتّهموا الأُموييّن اغتصاب الخلافة الإسلاميّة، ومن شعرائهم الكميت الأسدي. ثمّ الحزب الزّبيري، وهم أصحاب عبد الله بن الزّبير وأخيه مصعب بن الزبير، وهم يروا أنّ الخلافة يجب ان تُقتصر على قريش، ومن شعرائهم قيس بن عبد الله الرّقيات. أمّا آخر الأحزاب فهو الخوارج، وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب بسبب قبوله الصّلح في (صِفِّين)، ورأووا أنّ الخلافة حقٌّ لجميع المسلمين، وأنّها تكون للأصلح بين الجميع، ومن شعرائهم قطري بن الفجاءة، والطّرماح. (6) نتحدّث هنا أحد شعراء النّقاض، وهو الفرزدق.
الفرزدق
من أبرز شعراء النّقائض، والمصطلح الأدبي هو لنمط شعري، نشأ في العصر الأموي بين ثلاثة من فحول الشّعراء هم: جرير، والفرزدق والأخطل. وهذا المعنى مأخوذ في الأصل من نقَض البناء إذا هَدَمَه، لُقِّب بالفرزدق، لضخامة وجهه وعبوسه. ولد في البصرة وأبدع في الشّعر يافعاً ومال إلى التّهتك فيه، غضب عليه زياد بن أبيه والي البصرة، فهرب بنفسه إلى المدينة، ولكن واليها مروان بن الحكم طرده. عاش حياته متنقّلاً بين الأمراء يمدح أحدهم ثمّ يهجوه ويعود ليمدحه. (7) ومن جميل شعره:
لَوْ أعْلَمُ الأيّامَ رَاجِعَةً لَنَا
بكَيتُ على أهْلِ القِرَى من مُجاشِعِ
بَكَيتُ على القَوْمِ الّذينَ هَوَتْ بهِمْ
دَعَائمُ مَجْدٍ كانَ ضَخمَ الدّسائِعِ
إذا ما بكى العَجْعاجُ هَيّجَ عَبْرَةً
لعَيْنَي حَزِينٍ شَجْوُهُ غَيرُ رَاجعِ
فإنْ أبْكِ قَوْمي، يا نَوَارُ، فإنّني
أرَى مَسْجِدَيهِمْ مِنهمُ كالبَلاقِعِ
خَلاءَينِ بَعدَ الحِلْمِ وَالجَهلِ فيهما
وَبَعْدَ عُبابيِّ النّدَى المُتَدافِعِ
فأصْبَحْتُ قَدْ كادَتْ بُيوتي يَنالُها
بحَيْثُ انتَهَى سَيلُ التِّلاعِ الدّوَافعِ
العصر العبّاسي
ازدهر الشّعر في هذا العصر وبلغ أقصى عظمته خاصّةً في العصر الهباسيّ الأول، فقد شجّع الخلفاء الشّعراء لنظم الشّعر بالعطايا والهبات، كما أن الاختلاط العرقيّ، وما نُقل من الأدب إلى العربيّة ساعد على دخول أساليب جديدة في الشّعر العربي، وفتح أذهان الشعراء على بوابات الإبداع في القول.
أمّا في العصر العباسي الثّاني فقد قوي الشّعر بالرّغم من ضعف الدّولة، فقد ضمّ بلاط سيف الدّولة الحمداني في حلب عدداً عظيماً من الشعراء، كما أنّ ابن العميد أحاط نفسه بالكثير منهم أيضاً، وعليه، فقد قوي الشّعر بازدياد الانقسامات السّياسية في الدولة. أخذ الشّعر بالضّعف في نهاية الدّولة العباسية بسبب انتشار اللغات الأعجميّة، وكثرة الشّعراء سيئي الشّعر، أضافة إلى الإغراق في الصّناعة اللّفظية. (8)
لعلّ من أشهر شعراء العصر العبّاسي هو المتنبّي، وأبو العلاء المعرّي، وأبو نواس، وأبو تمّام، وأبو فراس الحمداني، وبشّار بن برد، والأصمعي، والبحتريّ، وابن الرّومي، وابن الفارض. وسنتحدّث هنا عن الأصمعي.
الأصمعي
أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن الملك بن علي بن أصمع، لُقّب بالأصمعيّ نسبة إلى جدّه أصمع الأعلى. ولد في البصرة وعاش في بغداد أيّام حكم الرّشيد، ثمّ عاد إلى البصرة وتوفّي فيها. درس الحديث الشّريف، واللّغة وأحكامها وقواعدها، والشّعر، وأخبار العرب ونوادرهم حتّى صار إماماً في هذه العلوم. كان بحراً لا مثيل له في اللّغة. عرف عنه قوّة الحفظ، وكان صادقاً ملتزماً بالدّين الإسلامي وتعاليمه، وهذا ما جعله محلّاً لثقة الخلفاء حتّى عَهِد إليه الرّشيد مَهمّة تأديب ولديه الأمين والمأمون. له مؤلّفات مختلفة بين الشّعر والنّوادر مثل:كتب خلود الإنسان، خلق الإبل، الخيل، الشّاة، والأصمعيات، (9) وأشهر قصائده هي صوت صفير البلبل:
صـوتُ صَفــيرُ البـُلبـُلِ
هَيـّـجَ قلــــبي الثّمِـــــلِ
المــاءُ والزهــرُ معـا
مع زهـرِ لحـظِ المُقَــلِ
وأنتَ يا سيــــدَ لــي
وسيـــدي ومـــــولى لي
فكـــم فكـــم تـَيّمُ لـي
غُزيـّــلٍ عَقَيّـــــــقَلــــي
قطفتـهُ مـن وجنــةٍ
مـن لثـمِ وردِ الخجـــــلِ
فقـــال : لا لا . . لا لا لا
وقـد غــدا مُهــــرولِ
والخُـوذُ مالــت طربــاً
من فعــلِ هذاَ الرَجُـــلِ
فولولــت وولولـت
فلــي ولــي ، يـا ويــلا لي
فقلــتُ : لا تولــولي
وبيّني اللــــؤلــــؤ لـــــي
قالت له حينــا كــذا
انهـض وجِــد بالنُّقَـــــلِ
وفتيةٍ سقــوا نـَني
قهــوةٌ كالعســـــلَ لــــــي
شَممّـتُهـا بـأنـَفي
أزكــى مـن القَـرنفـــــــلِ
في وسطِ بستـانٍ حِلي
بالزهـرِ والسّرور لي
و العـود دن دن دنا لي
والطّبـل طب طبَ لـي
طب طَبِطَب،طب طَبِطَب
طب طَبِطَب،طب طابَ لي
والسّقف قـد سق سق لي
والرّقـصُ قد طابَ إلي
شـوى شتوى وشاهِ شو
على ورق سُفرجَـلِ
وغـــردَ الغمـِر يصيـح
ملَــلٍ فـــي ملَـــــــــــلِ
ولـو ترانـي راكــبٍ
علـى حمـــارٍ أهـــــزَلِ
يمشـــي علـى ثلاثــةٍ
كمشيــة العرَنجـِــــــلي
والنّـاس ترجـم جَمَــلِ
فـي السّــوقِ بالقُـلقُـلَلِ
والكــلُ كعـكع كَعـي كــع
خَلفـي ومـن حُويلَلي
لَكـن مشيـتُ هاربـــاً
مـن خَشيـت العَقَنقَــــلي
إلـى لقـــــــــــــــاءِ مـلـكٍ
مُعظــمٍ مُبجَــــــــــلِ
يأمـرُ لــي بخلعــةٍ
حمـــــراءُ كالـدم دَمَلــــــي
أجــرُ فيهــــــــا ماشيـــــاً
مُبَغـدِداً للذِيـَّـــــــــلِ
أنـا الأديب الألمعــي
مـن حـي أرض الموصــلِ
نظِمـتُ قِطعــاً زُخرِفَت
تُعجــِزُ الأدبُ لـــــــي
أقــول في مَطلعِهـــا
صــــــوتُ صَفـــيرُ البُـلبُـلِ
العصر الأندلسي
نظم الأندلسيون الشّعر في الأغراض التّقليدية العربيّة، كالغزل، والزّهد، والتّصوف، والمدح، والرّثاء، وتطوّر موضوع الرّثاء لديهم لينتقل من الأشخاص إلى رثاء المدن، وتأثّر الشّعر بأحداث العصر السّياسية، وتوسّع في وصف البيئة الأندلسيّة الخلّابة، واستحدثوا فنّ الموشّحات والأزجال.
كان الغزل من أبرز المواضيع التي يبدأ بها الشّعراء القصائد، ويود ذلك إلى حكم العادة الموروثة من القواعد الجاهليّة والتي امتدّت على طول العصور الزمنيّة المختلفة، ولكثرة السّبايا شاع التّغزل بالنّصرانيات، ودخلت العناصر النّصرانية على مفاهيم الشّعر،مثل الصّلبان والرّهبان، والنُّساك. وفي الجانب الآخر، ظهر شعراء الزّهد الذين دعوا إلى الانصراف عن الحياة بالتّصوف، مثل محيي الدّين بن عربي.
من أشهر شعراء هذا العصر بين الموشّحات والتّصوف، أبو البقاء الرُّندي، لسان الدّين بن عربي، ابن حزم الأندلسي، ابن زيدون، وابن خفاجة، وولّادة بنت المستكفي التي سنتحدّث عنها هنا. (10)
ولّادة بنت المستكفي
أميرة أندلسيّة من بيت الخلافة، هي بنت المستكفي بالله الأمويّ، شاعرة ذات شعر قويّ وجريء، كانت عفيفة لم يُذكر عنها الفسوق رغم جرأتها التي ظهرت في شعرها، وهي من قلائل الشّاعرات الأندلسيات ممّن نظمن الشّعر وأبدعن فيه، امتازت بمجلسها الشّعري الذي كان يحضره الشّعراء والأدباء والأعيان لتداول مختلف الأغراض الأدبيّة والشّعريّة، وعُرفت بالكرم ولطافة المعشر، واحترام الشّعر والشعراء، وهذا الأمر كان سبباً لتناول الرّواة سيرتها المثيرة للجدل. لم يمنع كونها امرأة أن تهجو، فكانت كل ما يحتاجه الهجاء القليل من الجرأة التي تميّزت بها.
كتب التّاريخ عن حبّ ابن زيدون لها، ونظم فيها الكثير من الأشعار، ونافسه في حبها الوزير ابن عبدوس الذي كانت تكرهه الشّاعرة وتحبّ الأول. (11) ومن جميل ما قالته من الشّعر وهي تلوم ابن زيدون الذي التفت إلى جاريتها السّوداء:
لَو كنت تنصفُ في الهوى ما بيننا
لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّرِ
وَتركتَ غصناً مثمراً بجماله
وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنّني بدر السّما
لكن دهيت لشقوتي بالمشتري
عصر الدّول المتتابعة
وهي الفترة ما بعد انهيار الحكم في الأندلس وحتّى نشوء الدّولة العثمانيّة، وشملت أربعة عصور رئيسة: الزّنكي، الأيوبي، والمملوكي، والفاطمي. ضعفت ثقافة الشّعراء في هذه الفترة الزّمنية، وقلّت محفوظاتهم ومعلوماتهم، وأصبح الشّاعر يمتهن الشّعر، ويتّخذه هواية وتسلية، وقد انفصل الشّاعر عن المجتمع، وكان بين لغته ولغة النّاس فرق شاسع لا يفهمها العامّة، وطغت الرّكاكة واللّهجات العاميّة في الشّعر، كلّ هذا كان بسبب عدم تمكن الشّاعر من اللّغة، وافتقاره إلى معرفة أصولها وأسرارها.
كتب الشّعراء في الموضواعت التّقليدية، لكنّهم نشطوا في التّصوف بسبب الأوضاع السّياسية غير المستقرّة، ونرى أشهر الشّعراء في هذه الفترة مسلم بن الخضر التّنوخي، ابن عنين، ابن السّاعاتي، ابن نباتة، عائشة الباعونية، وابن الفارض الذي سنتحدّث عنه. (12)
ابن الفارض
ولد في القاهرة، ونشأ في بيت عفاف وتزهّد، بدأ ثقافته بالفقه الشّافعي، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم اتّجه إلى التّصوف، فاعتزل صحبة النّاس وانفرد للعبادة، بعد أن تُوفّي والده اتّجه إلى مكة وعاش فيها خمس عشرة سنة، فنضجت قريحته الشّعرية، واكتملت مواهبه الرّوحية. عندما عاد إلى مصر لقي احتفالاً عظيماً، وبقي فيها حتّى توفي في القاهرة.
أمّا شعر ابن الفارض فهو شعر تضيق بحوره وقوافيه عن اندفاع الحب وثورته من قلبه، وتقصر الألفاظ عن تصوير الحقيقت، وتراه يحاول أن يُحمّل اللّفظ كامل المعنى، فيملأه بوجوه البديع ويغالي في ذلك مغالاة قلّما وصل إليها شاعر، ثمّ يستند إلى التّصغير فيكثر منه،كما تراه يغالي في أساليب الوجدان من مناجاة ومناداة. (13) ومن جميل ما قاله ابن الفارض من الحبّ الإلهيّ:
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي،
روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي
لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي
ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ،
في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛
يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي
ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ
عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي
منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي،
والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي
لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلاتُضعْ
سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ
واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى
جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟
العصر العثماني
تراجع الأدب في الفترة العثمانية، فلم يكن هناك من يشّع الشّعراء أو الأدباء أو يعتبر اللغة العربيّة، وثمّ إغلاق ديوان الإنشاء، وسادت اللّغة التّركية والعامية واعتُبرت اللّغة الرّسمية للدّولة، فضعفت الكتابة الفنية، وزادت قيودها الفنيّة التي أضرّتها، وأصبحت ألفاظاً معنىً لها، وعجز الكتّاب عن الإتيان بأدب نابع من أعماق النّفس.(14)
من أشهر شعراء هذا العصر شناسي، ضياء باشا، عبدالحق حامد، نامق كمال، محمد عاكف، شمس الدين سامي، ومحمد فضولي الذي سنتحدّث عنه.
محمد فضولي
ولد في لعراق عند الحدود الإيرانيّة، يتقن ثلاث لغات: العربية والفارسيّة، والتركية، وترك آثاراً أدبية باللّغات الثلاث، عاش سنوات طويلة في بغداد في فترة التّنقلات السّياسية بين السّلطة العثمانية والصَّفَوية، وعندما انتهى أمر المدينة إلى يد السّلطان سليمان امتدحه فضوليّ في إحدى قصائده، فارتفعت مكانته، وصار من الأثرياء في المدينة. أُصيب بالطّاعون ومات بسببه، ودفن في مدينة كربلاء.
كان فضولي شيعي المذهب، أهدى أعماله الأولى للشّاه إسماعيل الصَّفَوي، ولا تزال عدّة دول تتنازع على شعره بوصفه أحد أبطال تراثها الشّعري، على الرّغم من أنّه مُنع من الدّخول إلى إسطنبول. (15)
العصر االحديث
جمع هذا العصر خلاصة الأساليب الشّعرية من العصور السّابقة جميعها، فنجد شاعراً ينظم الشّعر الحرّ بينما في مواضع أخرى ينظم الشّعر التقليدي. تجد عند قراءة الشّعر أنّ الشّاعر الحديث مشدود إلى أمّته يشارك في آلامها وأفراحها، كما أنّه يكاد يكون كلّ شاعر يتخصّص بنوع من الحوادث يُعرف بها، فهناك مفدي زكريا شاعر الثّورة الجزائرية، والشّابي ممثّل الكفاح التّونسي، والمهداوي ممثّل الكفاح اللّيبي، البارودي ممثّل الكفاح المصريّ قبل دخول الإنجليز، وغيرهم. (16)
أسماء شعراء العصر الحديث لا تُعدّ ولا تحصى، ولكل موضوع محدّد من الشّعر أعلامه، نذكر منهم: بدر شاكر السّياب، جبران خليل جبران، نزار قبّاني، أبي القاسم الشّابي، أدونيس، محمود درويش، نازك الملائكة، الأخطل الصّغير، فدوى طوقان، عمر أبو ريشة، أحمد مطر، مصطفى وهبي التّل، واحمد شوقي، وهو من سنتحدّث عنه.
أحمد شوقي
يعتبر الشّاعر المصريّ أحمد شوقي من أشهر الشّعراء العرب وقد لُقب بأمير الشّعراء، التحق شوقي بكُتاب الشيخ صالح عندما كان في سنّ الرّابعة من عمره، فقد تعلم القراءة، والكتابة ومبادئهما، وحفظ ما تيسّر من القرآن الكريم في ذلك الوقت، وعند دخوله مدرسة المبتديان الابتدائية أظهر شوقي ابداعته في حفظ دواوين الشّعر غيباً، ومن هنا بدأت مسيرته مع الشّعر الذي بدأ ينجلي بسلاسة على لسانه، عندما التحق بقسم التّرجمة أظهر المزيد من إبداعته الشعريّة التي لاحظها الشّيخ محمد البسيوني، ثم ذهب شوقي إلى فرنسا ليكمل تعليمه، وقد استطاع في ذلك الوقت أن يُنمّي فكره وإبداعاته، إلّا أنّه أُغرم بالشّعر العربي وخاصةً للمتنبي على غرار الشّعر الفرنسي الذي لم يرغب به كثيراً، ويعدّ راسينيا وموليير أكثر الشّعراء الفرنسيين تأثيراً به، وقد خطّ شعر شوقي بالمديح للأسرة الحاكمة في ذلك، ويعدّ ديوان الشّوقيات أشهر الدّواوين التي ألفها شوقي، وقد أقام العديد من المسارح الشعريّة الكثيرة في حياته. (17) ومن جميل ما قاله في الشّعر:
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ
أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا
يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً
يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي
جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ
إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ
لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
المراجع
(1) ديوان امرؤ القيس، ضبطه وصحّحه الأستاذ مصطفى عبدالشّافي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت-لبنان، الطبعة الخامسة 2204، ص3-25 بتصرّف.
(2) شعر الصّعاليك في حماسة أبي تمّام من منظور شُرّاحها، دراسة نقديّة، رسالة ماجستير، إعداد الطّالبة أحلام عبد العالي غالي الصّاعدي، إشراف الأستاذ الدّكتور حسن محمد باجودة، جامعة أم القرى السّعودية، قسم الدّراسات العليا، كلّية اللّغة العربيّة وآدابها، 2011م، ص14-19 بتصرّف.
(3) ديوان عروة بن الورد أمير الصّعاليك، دراسة وشرح وتحقيق أسماء أبو بكر محمد، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت-لبنان، 1998م، ص9-14 بتصرّف.
(4) دعوى ضعف الشّعر في عصر صدر الإسلام عند القدامى والمحدثين، إعداد الطالب عبدالله بن علي بن محمد القدادي الزّهراني، إشراف الدكتور محمد المجالي، جامعة مؤتة الأردنيّة، عمادة الدّراسات العليا، رسالة ماجستير 2007، ص34-50 بتصرّف
(5) ديوان حسّان بن ثابت الأنصاري، شرحه وكتب وامشه وقدّم له الأستاذ عبد أ.مهنّى، دار الكتب العلميّة، بيروت-لبنان، الطّبعة الثّانية 1994، ص8-15 بتصرّف.
(6) الأدب العربي في العصر الأموي، إحسان النّص، المجلّد الأول، ص625، بتصرّف.
(7) ديوان الفرزدق، ضبطه وشرحه وقدّم له علي ناطور، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 1987م، ص8-15 بتصرّف.
(8) الشّعر والشّعراء في العصر العباسيّ، د.مصطفى الشّكعة، دار العلم للملايين، بيروت-لبنان، الطّبعة السّادسة 1986، ص15–27 بتصرّف.
(9) بتصرّف عن مقالة الأصمعي شاعراً، /al-hakawati.la.utexas.edu
(10) بتصرّف عن مقالة الأدب العربي في العصر الأندلسي، marefa.org
(11) بتصرّف عن مقالة بين زمن ولادة بنت المستكفي وزمننا : دعوة للتأمل، ahewar.org
(12) بتصرّف عن مقالة الأدب العربي في عصر الدّول المتتابعة، harab-ency.com
(13) بتصرّف عن مقالة ابن الفارض الشّاعر الصّوفي المصريّ، diwanalarab.com
(14) بتصرّف عن مقالة الأدب والعلوم في العصر العثماني، ammanu.edu.jo
(15) بتصرّف عن مقالة نبذة عن الشّاعر محمد فضولي، aldiwanalarabi.com
(16) بتصرّف عن مقالة الأدب العربي في العصر الحديث، marefa.org
(17) بتصرّف عم مقالة أحمد شوقي، ektab.com