أعراض ودلائل تبين أن الشخص مسحور
السحر
يتَّفِقُ العُلَماءُ على وُجودِ السِّحرِ كأَثرٍ يَتعرَّضُ لهُ الآدميُّ في حياتِهِ وفي تيسيرِ أمورهِ حتى إنَّهُ قد يَنصَرِف عن أمورٍ مُحبَّبةٍ لهُ كزوجَتِهِ بلا تَدبيرٍ منه ولا تفسيرٍ، فهو بسبب السحر مَسلوب الإرادَةِ، عَديمُ المسؤوليَّةِ، ضَعيفُ التَّركيزِ لِما وَقَعَ عليهِ من أثرِ السِّحر.
يُجمِعُ العلمُ ويتَّفِقُ على واقعيَّةِ الأثرِ وصِدقه، ويَنقَسِمُ العُلَماءُ في تأييدِ فكرةِ السِّحرِ كحقيقةٍ عِلميَّةٍ تُكتَسبُ بالتَّعلُّمِ والخبرةِ بينَ مؤيدٍ موضِّحٍ ومُعارضٍ مُبرِّرٍ؛ فَيستَشهِدُ الفَريقُ الأوَّلُ بحادِثةِ سحرِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وبآياتِ السِّحر المذكورَةِ لفظاً وحقاً في غيرِ موضِعٍ من القرآن الكريمِ وفي سورةِ البَقرةِ على وجهِ الخُصوص، فيما يرى المُعارضونَ بأنَّ السِّحرَ لا يَتعدَّى حالةً من التَّشويشِ والتأثيرِ والخِفَّةِ دونَ تغيير الحقيقةِ أو المادَّة.[١]
تَبرُزُ حُجَّةُ المؤيّدين لفكرة السحر في الآتي:
- الاستشهاد في الآيةِ القرآنيَّة: (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)[٢] والتي أُنزِلَت لِتبرِّئ نبيَّ اللهِ سُليمانَ عليهِ السَّلامُ من الكُفر المُتمثِّلِ في السِّحر، ذلك لأنَّ اليَهودَ أرادوا أن يَنالوا من رَسولِ الله مُحمَّد عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لمَّا ذَكَرَ سُليمانَ فيمن ذَكرَ من الأنبياءِ والمُرسلينَ عليهم الصَّلاة والسَّلامُ فقال اليَهودُ: انظروا إلى مُـحمَّد يَخـلطُ الـحقّ بـالبـاطِل، يَذكُر سُلـيـمانَ مع الأَنبـياء، وإنـَّما كانَ ساحراً يَركبُ الرِّيح، فأنزَلَ الله الآيةَ تبرِئةً لِنبيِّهِ سُليمانَ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ وتِبياناً للحقِّ؛ والحقيقَةُ أنَّ الشياطينَ زَمَنَ سُليمانَ كانت تَستَمِعُ الوَحيَ من السَّماءِ فَتَزيدُ فيهِ أضعافاً مِن كَذِبِهم حتَّى تشرَّبها النَّاسُ وجَعلوها في قراطيسَ يتعلَّمونها، فاطَّلَعَ على ذلكَ سليمانُ فجمَع القراطيسَ وأخفاها تحتَ كُرسيِّه، فلمَّا ماتَ استخرجتها الشياطينُ بأيدي النَّاس زاعمينَ أنَّها كنوزُ سُليمانَ التي ظَهرَ فيها وما كانت قوَّتهُ بِسواها وإنَّهُ كانَ يُخفيها حسداً أن لا يَرِثها أحدٌ بعده، فجاءَت الآيةُ الكَريمةُ مُبيِّنةً للحقِّ كاشِفةً زورَ اليهودِ ومَكرَ الشَّياطين.[٣][٤][٥]
- الاستشهاد بالحديثِ النَّبويِّ المشهور بحديث السِّحر؛ إذ سَحرَ الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلام يهوديٌّ من يهودِ بني زُريقٍ اسمه لبيدُ ابن الأعصَم، فأعمَلَ السِّحرُ في رَسولِ اللهِ حتى جاءَهُ مَلَكانِ أحدُهُما عندَ رأسِهِ والآخرُ عند رِجليهِ فأفتَياهُ في حالِهِ وفي مَكانِ سِحرِه، فاستخرَجهُ نَفرٌ من الصَّحابةِ فكانَ فيهِ شِفاءُ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام.[١][٦]
علامات تُبيّن أنّ الشخص مسحور
تظهر على الشخص المسحور مجموعة من الأعراض والدَّلائل والعلامات، منها:[٧][٨]
- الإعراضُ عن العِباداتِ بالمُجمَلِ والنُّفور من ذكرِ الله واستثقالُ الطَّاعاتِ.
- الامتِناعُ عن الخيرِ والعَونِ والإعراضُ عن مجالِسِ العِلمِ والنُّفور مِنها، وضيقُ الصَّدرِ من النُّصحِ والكلامِ المُتعلِّقِ بأمورِ الدِّين.
- تِكرارُ الأحلامِ المُفزِعةِ والكوابيس.
- أَعراضٌ بَدَنيَّةٌ؛ كارتِفاعِ حرارةِ الجَسَدِ، وبرودَة الأطرافِ، والصُّداعُ الدَّائِمُ أو المُتكرِّر.
- شرودُ الانتباهِ وضعفُ التَّركيزِ.
- شُخوصُ البَصرِ وزيغُ النَّظرِ والذُّهولُ وانشغالُ الفِكر.
- شُحوبُ الجَسَدِ واغتِرابهُ عن ظاهِرهِ المألوف.
- التوهُّمُ وعَدمُ التثبُّتِ واختلاطُ الحكمِ في الأحداثِ والأوقات.
- الإجهادُ النَّفسيُّ والاستعدادِ الدَّائِمِ للغضبِ واختِلاقِ المشكلات.
- امتناع الرَّجل عن زوجته واعتزال جماعها.
- التَّشتَّتُ والانكِسار وانسِحابِ الشَّخصيَّةِ للعزلةِ والمللِ والفوضويةِ.
علاج السحر
باعتبار السِّحرِ داءٌ يُصيبُ الأبدانَ وضربٌ من الأسقامِ التي تَختَلط أعراضها فيمن حَمَلها بين العلاماتِ الجَسديَّةِ المحسوسةَ والأذى النَّفسي والذّهني، فإنَّه يلزمُ للمطبوبِ به بذلَ الجُهدِ للتَّداوي والاستشفاءِ ودفع الأذى والاعتلالِ بما أمكَنَ من وسائلِ التَّداوي المشروعة، من طرق علاج السحر:
- التَداوي من السِّحرِ بالسِّحر: إذ يستطيعُ المرء العارفُ بالسِّحرِ وعلومه إبطالَ مَفعولِ السِّحر المصنوع لشخصٍ معيَّن، ويَترتَّبُ على ذلك مخالفة شرعية وذنب عظيم من الكبائر.[٩]
- علاج السِّحرِ بالنَّشرة: والنَّشرةُ مَفهومٌ يُطلق على مُداواةِ السِّحرِ بالأعشابِ والعَقاقير والمَخاليطَ من ناحيةٍ، والمُداواةُ بالأذكارِ والأدعيةِ والرِّقى من ناحيةٍ أخرى، ويُستَعملُ المفهوم -نشرة – لكفاءةِ استطباباتهِ الماديَّةِ والرُّوحيَّةِ في حلِّ السِّحرِ وتخليصه.[١٠]
- إبطالُ السِّحرِ بتَتبُّعهِ واستخراجهِ وتفكيكه: وإبطالُ السِّحر باستخراجه من أنجحِ علاجاتِ السِّحرِ وأميزها؛ حيث يكونُ العِلاجُ بالتخلُّصِ التامِّ من المسبب الأصلي بحرقِه أو إتلافِه او غير ذلك من آلياتِ إبطاله فلا يبقى له أثر ولا لوجوده خطر.[١١]
- الحجامة: ويكونُ التداوي بالاحتجامِ نافعاً لِمن ظَهرت آثارُ السِّحرِ في موضعٍ من جَسَدهِ؛ فإنَّ الحجامةَ في الموضعِ تُفرغهُ من السُّمومِ التي اجتمعَت فيهِ نتيجةَ تفاعلاتِ الخَبثِ المُستخدَمِ في السِّحر مع العواملِ الطَّبيعيَّة.[٧][٨]
- التّمر والعجوة: ورَدت العجوةُ في أحاديثِ الرسولِ عليه الصَّلاة والسَّلام بِفضلها في علاجِ السمِّ والسِّحر (من تصبَّحَ كلَّ يومٍ سبعَ تمَراتٍ عجوةً ، لم يضرَّه في ذلك اليومِ سمٌّ ولا سحرٌ)[١٢]
المراجع
- ^ أ ب أَبِو عَبد الرَّحمَن مُقْبلُ بنُ هَادِي بنِ مُقْبِلِ بنِ قَائِدَةَ ( 1420 هـ – 1999 )، ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر وبيان بُعد محمد رشيد رضا عن السلفية (الطبعة الثانية)، صَنعاء – اليمن: دار الآثار للنشر والتوزيع، صفحة 5، جزء 1.
- ↑ سورة البقرة، آية: 102.
- ↑ “حكم السحر”، الدرر السنية- الموسوعة العقدية، اطّلع عليه بتاريخ 25/11/2016.
- ↑ أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن- تحقيق شاكر، صفحة 406، جزء 2.
- ↑ خالد الجريسي، الحذر من السحر، الرياض- المملكة العربية السعودية: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، صفحة 14.
- ↑ “شرح حديث سحَر رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ من بني زُرَيقٍ”، الدرر السنية- الموسوعة الحديثية، اطّلع عليه بتاريخ 25/11/2016.
- ^ أ ب خالد الجريسي، الحئر من السحر، الرياض- المملكة العربية السعودية: مؤسسة الجريسي للدعاية والأعلان، صفحة 192.
- ^ أ ب عواد المعتق، حقيقة السحر وحكمه في الكتاب والسنة، صفحة 192.
- ↑ خالد الجريسي، الحذر من السحر، صفحة 213-214.
- ↑ عواد المعتق (2002)، حقيقة السحر وحكمه في الكتاب والسنة، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 178.
- ↑ خالد الجريسي، الحذر من السحر، الرياض- المملكة العربية السعودية: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، صفحة 279.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 5445.