همس القوافي

أفضل شعراء العصر العباسي

العصر العباسي

قامت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأمويّة، حيث استقرّت الخلافة للعبّاسيين عام 132هـ وحتّى الغزو المغولي لبغداد وإسقاط الخلافة العباسيّة عام 656هـ.

عمد المؤرخون إلى تقسيم فترة حكم الخلافة العباسية إلى ثلاثة عصور هي: العصر العباسي الأول، الذي امتدّ من قيام الخلافة العباسية إلى بداية خلافة المتوكل عام 232هـ، والعصر العباسي الثاني الذي شمل الفترة بين خلافة المتوكّل إلى استقرار الدولة البويهية عام 334هـ، والعصر العباسي الثالث الذي امتدّ من بين فترة استقرار الدولة البويهية إلى سقوط بغداد ومعها سقوط الدولة العباسية عام 656هـ. (1)

الشعر في العصر العباسي

تطوّر الشعر تطّوراً واسعاً بسبب تغيّر الحياة وتنوّعها فاختلطت الثقافة العربية بغيرها من الثقافات، كما دخلت الألفاظ الجديدة الأجنبية على اللغة العربية نتيجةً لاختلاطها باللغات الأخرى، وخاصّةً الفارسية، والروميّة، والتركية. وبسبب ارتباط الشعر بالحياة، فقد تغيّر الشعر بطبيعة الحال تبعاً للتغيّر الذي طرأ على الحياة في العصر العباسي، فاتّسعت آفاق الشعراء، ونضج خيالهم، وتوسّعت موضوعاتهم وفنونهم الشعرية أيضاً، فظهرت أغراض شعرية جديدة، وتصرّف الشعراء بالمعاني والأساليب، وأكثروا من الإبداع في التشبيهات الأدبية، والألفاظ الرقيقة، واستعملوا الألفاظ الأعجمية، فابتعدت اللغة الشعرية عن الألفاظ التقليدية البدوية الفظّة، ومالت لتكون رقيقة سهلة المخارج وبسيطة الصياغة.

دخل التطّور الشعري على القصيدة العربي ليس من حيث المضمون فقط، بل في الشكل أيضاً، فخرجت القصيدة العربية على شكلها التقليديّ، فظهر المزدوج، والمُسمّط، والمربّع، والمُخمّس، كما ابتعدوا عن المقدمة الطلليّة واستحدثوها إلى مقدّمات أخرى بمواضيع جديدة، إلا أننا نجد بعضاً من الشعراء التزموا بالقواعد الشعرية القديمة ولم يخرجوا عليها. (2)

أهم شعراء العصر العباسي

برز في العصر العباسيّ العديد من الشعراء الكبار، من أشهرهم ما يأتي:

أبو فراس الحمداني

هو الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني، يرجع أصله إلى قبيلة تغلب، ولد عام 320 هـ، قُتل أبوه وهو في الثالثة من عمره، وبهذا، تربّى أبو فراس على يد أمّه وبرعايه ابن عمّه سيف الدولة الحمداني، الذي حالما أصبح حاكماً لحلب، اصطحبه معه لحترف الأدب والفروسيّة والعلم.

اشتهر مجلس سيف الدولة بالعلماء والشعراء، أمثال المتنبي، والفارابي، وغيرهم، إلا أنّه قرّب ابن عمّه منه، واصطحبه في غزواته، واستخلفه في أعماله المهمة، وانتهى الأمر أن قلّده إمارة منبج. عاش أبو فراس مرارة الأسر والغربة في القسطنطينية بعد ان غدر به أفراداً من حاشيته وأخذوه أسيراً، على أن يبادل الملك الروماني أبا فراس بابن أخته الذي كان أسيراً لدى سيف الدولة الحمداني.

تأخّر سيف الدولة في افتداء أبي فراس، فوصلت غربته في السجن ما يقارب السنوات السبع، وعليه، نراه يُخلّد مشاعره وحزنه في شعره، الذي عُرف باسم الروميّات، إذ يُفرغ فيها آلامه وحسرته على طول سجنه، متسلّحاً بالصبر والجَلَد، إلى أن تمّ فداءه. توفي أبو فراس الحمداني عام 357هـ عن عمر يناهز السابعة والثلاثين، تاركاً وراءه إرثاً شعريّاً في الديوان العربي. (3)

أبو الطيب المتنبي

أحمد بن الحسين الجعفي، والمعروف باسم أبو الطيب، عاش في الدولة العباسية إيّام ضعفها، وُلِد في الكوفة عام 303هـ، ونسبه يعود إلى قبيلة كندة في الكوفة. كان شديد الفخر بنفسه وأصله وعائلته، وهذا الأمر قد ظهر جليّاً في شعره.

اختار المتنبي أغلب علاقاته لتكون من طبقة الأمراء والخلفاء ليمدحهم ويحصل منهم على المغانم والمرتبة العالية، إلا أنّ ما كان يشغله هو ان يكون والياً على إحدى ولايات الدولة العبّاسية، وعلى أثر هذه الرحلة الهادفة التي قام بها بين الأمراء، انتهى به الأمر في السجن. وقد ترك السجن أثراً سيئاً في نفسية المتنبي إلا أنّه لم يتخلَّ عن طموحه الذي قاده واوصله إلى سيف الدولة الحمداني.

شعر المتنبي أن سيف الدولة هو المفتاح الذي سيحقق له آماله، وعليه، نجد المتنبي وقد أصبح ذراع سيف الدولة الأيمن، يشاركه في غزواته، ويمدح خصاله، ويُدوّن انتصاراته وبطولاته في ساحة المعركة، إذ نجد أنّ سيف الدولة قد احتلّ ثلث مجمل شعر المتنبي. ومن خلال سيف الدولة استطاع المتنبي أن ينعم بعيش رغيد وحياة مريحة، الأمر الذي جعل الكثير من الشعراء يحيكون له المكائد ليسقط ، وبعد محاولات طويلة، نحجوا في إيقاع الخلاف بين المتنبي سيف الدولة، فرحل عن حلب وهو يعاتبه في شعره على تصديقهم.

اتجه المتنبي بعد خروجه من حلب إلى مصر، وهناك وصل إلى قصر كافور حاكم الدولة الإخشيدية، فأخذ يمدحه ويُعلي من شأنه، إلا أنّه كان شديد الصراحة في التعبير عن مراده بتولّي الولايه، فاستطاع أعداؤه الإيقاع به، فهرب من بطش كافور وهو يهجوه هجاءً لاذعاً. وخرج من مصر متّجهاً إلى بعداد، وهناك امتنع عن مدح عضد الدولة، فغضب عليه وأرسل أبا جهل الأسدي ليقتله، واستطاع المتنبي أن يهرب بعد أن تقاتلا، إلا أن غلامه عاتبه قائلاً: أتهرب وأنت القائل الخيل والليل والبيداء تعرفني…والسيف والرمح والقرطاس والقلم؟! فرد عليه المتنبي: قتلتني قتلك الله، فرجع المتنبي وقاتل حتى قُتل هو وغلامه، عن عمر قارب واحد وخمسين عاماً. (4)

أبو العلاء المعري

وُلد أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعرّي في معرَّة النعمان عام 363هـ وإليها يُنسب، تربّى في بيت علم وفضل؛ فجدّه كان قاضياً، ووالده شاعراً، أخواه شاعرَيْن أيضاً. أُصيب بمرض الجدري وهو في الثالثة من عمره، ففقد عينه إثر ذلك، ولم تلبث أن لحقت بها عينه الأخرى، إلا أنّ هذا الأمر لم يُفقده عزيمته، فاّتجه بكل قوّته ينهل من ينابيع العلم، ويتحدّى ظروفه الصعبة، فانصرف إلى الأدب العربي، وفنون اللغة، والحديث الشريف، والقرآن الكريم، وعلوم اللغة والنحو، وغيرها من العلوم.

تميّز بنبوغه وذكائه، وقدرته العالية على الحفظ، إذ كان قادراً على حفظ على يُروى عليه من مرة واحة، ولهذا انتقل إلى حلب ليتلقّى العلم من العلماء هناك، واتّجه بعدها إلى طرابلس لينهل من المكتبات ما استطاع، ثم وصل إلى أنطاكية. وتردّدت سمعته في البلاد ولمع نجمه، وأصبح من الشعراء والعلماء البارزين، مما أثار الحسّاد حواله، فأثاروا حوله عدداً م الفتن والتُّهم والإشاعات بالكفر والزّندقة، وقلبوا عله علماء الدين لكفره، إلا أنّه واجههم بالحزم والشّدة، ساخراً من جهلهم.

على الرغم من أنّه اعتكف في منزله في آخر حياته، إلا أنّه لم يكن في معزل عن الحياة الاجتماعية، فقد فتح باب ليدخل إليها من يحتاجه، وتحوّل بيته بذلك إلى منارة للعلم يقصدها طلّاب العلم والأدب من كافة الأرجاء، ووزّعه يومه بين التعليم والعبادة والتأمّل. اعتلّ المعري في آخر حياته، ووهن جسده إلى أن توفّي عام 449هـ عن عمر يناهز 86 عاماً. (5)

أبو نواس

الحسن بن هانئ الحكمي الدمشقي، المُلقّب بأبي نُوَاس، وعُرف بشاعر الخمر. ولد لأب عربي وأم فارسية، ولمّا توفي أبوه انتقلب به أمه إلى الأهواز، لترسله أمّه بعدها وهو في السادسة من عمره ليعمل في الكُتّاب. تلقّى العلم على يد خلف الأحمر، الذي لم يسمح له بقول الشعر إلا بعد أن يحفظ مجموعة من شعر العرب، وما أن يحفظ أبو نواس الشعر الموكل إليه، يأمره خلف الأحمر بنسيانها؛ حتى لا يختلط عليه ما يقوله من الشعر وما حفظه، وهذه من أرفع أساليب تعليم الشعر.

أصبح أبو نواس شاعراً عظيماً بوصوله سن الثلاثين من العمر، فألمّ بالأدب، وقواعد اللغة، والعلوم الإسلامية المتنوّعة: من قواعد القرآن، والحديث الشريف، والفقه. وقد طكح كغيره أن يصل إلى الأمراء والوُلاة ليمدحهم وينال عطاءَهم، إلا أننا نجد الخمر هو الموضوع الرئيس في ديواه الشعري.

أحبّ في البصرة جارية تدعى (جَنان)، وتغنّى بها في كثير من شعره، ثم ارتحل إلى بغداد ومدح هارون الرشيد وتقرّب منه، لكن ما لبث هارون أن حبسه بسبب مجون شعره، ليعفو عنه في النهاية بشفاعة البرامكة له. اتّجه إلى مصر ليمدح والي الخراج فيها، فتحسّنت حاله واستقرّ أمره.

بعد وفاة هارون الرشيد واستخلاف ابنه الأمين، عاد أبو نواسٍ إلى بغداد وتواصل معه، ليصبح نديم الأمين الأول، إلا أنّ سيرته وبذاءته جعلت منه حجّة لخصوم الأمين أن يثوروا عليه لمندامته شاعراً خليعاً كأبي نواس، فحبسه الأمين ردّاً على أعدائه. إلا أن العلاقة لم تنتهِ بينهما، إذ ما لبث الأمين أن توفّي، فرثاه أبو نواس بقصائد تكشف صدق عاطفته ومشاعره.

توفّي أبو نواسٍ عام 195هـ قبل دخول المأمون إلى بغداد، وقد أختلف المؤرّخون على تحديد مكان وفاته وسببها. (6)

ابن الرومي

أبو الحسن، علي بن العباس، ولد في بغداد عام 221هـ ، روميّ الأصل من أمّ فارسية، اهتمّ بالشعر منذ نعومة أظفاره. كانت حياته كئيبة ومرّة، تعكس المآسي والمصائب التي عاشها.

تنوّعت موضوعات شعره بين المديح، والهجاء، والرثاء، وكان ذا مكانة كبيرة بين شعراء عصره، إلا أنّه لم يكن محبوباً، وذلك بسبب كثرة المصائب التي عاشها من احتراق قريته ونفاد المحاصيل الزراعية، ومات بعدها معظم أفراد أسرته، وهم: والده، ووالدته، وأخيه، وخالته، ثم زوجته، وأولاده الثلاثة.

امتزجت الأغراض الشعرية لديه ببعضها البعض، فأدخل الفخر مع المدح، وربط المدح بالشكوى والأنين من مصاب الدنيا، وكان دائم الذكر للموت، شديد اللهجة عند الهجاء. إلا أنّه تميّز بالرثاء ووصف الطبيعة. توفي عام 283هـ مسموماً على يد وزير الإمام المعتضد خوفاً من أن يهجوه. (7)

المراجع

(1) بتصرّف عن مقالة دولة بني العباس، al-hakawati.net

(2) بتصرّف عن كتاب الموجز في الشعر العربي- دراسة في العصور المختلفة للشعر العربي، تأليف فالح الحجية، مراجعة وتقديم د.شوقي ضيف، منشورات مطبعة أوفسيت الميناء، 1985، ص185-186.

(3) بتصرّف عن ديوان أبي فراس الحمداني، شرح د. خليل الدويهي، دار الكتاب العربي- بيروت، 1994، ص7-13.

(4) بتصرّف عن ديوان المتنبي، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، 1983، ص5-6.

(5) بتصرّف عن مقالة أبو العلاء المعرّي، al-hakawati.la.utexas.edu

(6) بتصرّف عن ديوان أبي نواس، دار صادر- بيروت، ص5-6

(7) بتصرّف عن ديوان ابن الرومي، شرح الأستاذ أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، 2002، ص7-13.

زر الذهاب إلى الأعلى