همس القوافي

قصيدة الشهادة

الشهادة

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “والذي نفس مُحمّد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل” صحيح مسلم، تمنّى الرسول عليه السلام نيْل الشهادة وهو خير البشر، والأنبياء أجمعين، لما لها من فضلٍ وأجٍر عند الله سبحانه وتعالى. الشهادة مراتب ولكن أعلى أنواع الشهادة هي الاستشهاد في سبيل الله تعالى، وقد بيّن الله فضلها بقوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)،[١] فالشهيد الذي ضحّى في حياته وجاهد في سبيل الله يتبوأ في الدار الآخرة أعلى مراتب الجنة، وله أن يشفع لسبعين من أهله، ويُغفر له ذنبه، ويُعتق من النّار، ويلبس على رأسه تاج الوقار، كما أنّ الشهيد لا ينقطع أجر عمله الصالح إلى يوم القيامة فيُنميّه الله له ويُضاعفه.

قصائد في الشهادة

إليكم بعض القصائد الشعرية عن الشهيد وفضل مكانته.

الشهيد

يا شهيـداً أنـت حـيٌّ

ما مضى دهرٌ وكانـا
ذِكْرُكَ الفـوّاحُ يبقـى

ما حيينـا فـي دِمانـا
أنـت بـدرٌ سـاطـعٌ

ما غابَ يوماً عن سمانا
قد بذلتَ النفسَ تشري

بالـذي بِعـتَ الجنانـا
هانَتِ الدُّنيا و كانـتْ

دُرَّةٍ، كانـت جُمـانـا
فارتضيتَ اليومَ عدنـاً

خالـداً فيهـا مُصانـا
رَدِّدِي يا قـدسُ لحنـاً

عن شهيدٍ فـي رُبانـا
واكتُبي تاريـخَ شَهْـمٍ

راحَ كي يحمي حمانـا
يا فلسطينُ اْذكري مَـنْ

جَرَّعَ الباغـي الهوانـا
أَقْبَـلَ الفجـرُ فلـبَّـى

خاشعـاً ذاق الأمـانـا
قِبلْـةََ الرحمـنِ ولًـى

وَجْهَهُ، ثُـمَّ استعانـا
فاْمتطى خيلَ التحـدِّي

يقتلُ الصمـتَ الجبانـا
أَثْخَنَ الأعـداءَ طَعْنـاً

سَيْفُُهُ يهـوى الطِّعانـا
في سبيـلِ اللهِ يرمـي

رميـةً تُعليـهِ شأنـا
في جِنانِ الخلدِ يلقـى

ربَّهُ، فالوقـتُ حانـا
دثِّريـهِ يـا روابــي

توِّجـيـهِ الأُقحـوانـا
واذكري دوماً شهيـداً

قـد أبـى إلّا الجِنانـا
ربمـا نلـقـاهُ فيـهـا

فـنـراهُ وَيَـرَانـا.

وصية شهيد فلسطيني

ُأمّاهُ لا تحزني إنْ جاءَكِ الخَبَرُ

أو قيلَ طالَ بِهِ يا أُمَّهُ السفَرُ
لا تُهرقي دمعَكِ الغالي إذا خَطَرَتْ

يا حبَّةَ القلبِ بعد الغيبةِ الفِكَرُ
قرِّي ونامي واملأي العينِ فرحتها

إنِّي هناك بدارِ الخُلدِ أنتظِرُ
لمّا سمعْتُ نداءَ الحقِّ يدعوَني

تسابقَ القلبُ والإحساسُ والبَصَرُ
فما وجَدْتُ سوى نفسي أقدِّمُها

للهِ، لم يُثنِها عن عزمِها الخطَرُ
كان الصباحُ جميلاً حينما انطَلَقَتْ

ساقايَ نحوَ العُلا يحدوهُما الظَّفَرُ
كأنَّ أنسامَهُ من جنَّةٍ عَبَقَتْ

روحي، وأعطارُهُ في الأُفْقِ تنتشِرُ
يا كم تمنَّيْتُ يا أُمّاهُ في صِغَري

نيلَ الشهادةِ، لم يُنعِمْ بها الصِّغَرُ
حتّى أفاءَ الذي نفسي بقبضتِهِ

بها عليَّ، وجودُ اللهِ يُذَّكَرُ
أرنو إلى الموتِ، إن الموتَ في شَمَمٍ

بطعنةِ الرّمحِ أو بالسيفِ يُعتَبَرُ
والموتُ فوقَ فِراشِ الذلِّ في فَزَعٍ

ذنبٌ لصاحِبِهِ، يا ليت يُغتَفَرُ
لمّا رأيتُ عدوَّ اللهِ في وطني

قد ضاقَ ذرعاً بِهِ المحراثُ والشَّجَرُ

وأَنَّتِ الروضَةُ الحسناءُ إذ عَبَثَتْ

كفُّ اللئيمِ بها، واستنجدَ الثمَرُ

ومسجدُ القدسِ يشكو غدرَ مُغتَصِبٍ

يدعو أيا مُسلماً مَنْ ليْ سينتَصِرُ؟
يشكو، فلم يستَجِبْ يوماً لصرختِه

إلا القليلُ، وجُلُّ الناسِ مُستَتِرُ
كأنَّما الأرضُ آذانٌ بها صَمَمٌ

وقلبُ سُكّانِها الجلمودُ والحَجَرُ
والعالمُ المُبتَلى بالصمتِ مُنشَغِلٌ

بالكأسِ، باللاعبِ المشهورِ يفتَخِرُ
يهزُّهُ حارسُ المرمى وطلعتُهُ

أو نجمةٌ زيَّنَتْ أعطافَها الدُّرَرُ
وتُذرَفُ الأدمُعُ الحرّى إذا مَرِضَتْ

أو أعلَنَتْ موتَها الأنباءُ والصُّوَرُ
يهتزُّ عالمنا لو قطةٌ ذُبِحَتْ

ولا يُحَرِكُهُ لو يُذبحُ البَشَرُ
من أجلِ ذاك أيا محبوبتي اْنطَلَقَتْ

روحي كقنبلةٍ في البغيِ تنفجِرُ
ولو مَلَكْتُ سوى الروحِ التي قُبِضَتْ

ألفاً، لفجرتُها في وجهِ من غَدَر
أجودُ بالنفسِ كي تبقى كرامتُنا

تاجاً على الرأس يا أُمّاهُ يزدَهِرُ
فباركي يا حياةَ القلبِ تضحيتي

ولا تُبالي، فإنَّ الموتَ ليْ قَدَرُ
نامي وقرِّي واملأي العينِ فرحتُها

إنِّي هناكَ بدارِ الخُلدِ أنتَظِرُ
هذي وصيَّةُ من أرْضَعْتِهِ شَمَماً

فلتقرئي ما بها إنْ تُسدَلِ السُّتُرُ.

شعر عن الشهيد

هتفتَ بهم ريح العلا فأجابوا

وإلى الوغى بعد التجهز ثابوا
ملكوا نفوسهمُ فباعوا واشتروا

في الله ما خافوا العدا أو هابوا
تركوا لنا العيش الذليل وغادروا

في عزةٍ ولهم بها إسهابُ
تلك الشبيبةُ والفخار يحوطهم

رفعوا لنا بعد الرّغامِ جنابُ
إن أصبحوا فالخصمُ يرهبهم وإن

جنَّ المساء فكلهم أوّابُ
ألقوا إلى الدنيا تحية عابرٍ

ومضوا إلى درب الإباءِ غِضابُ
نبحت كلاب العالمين ورائهم

وأمامهم كم يستميتُ ذئابُ
حملوا مدافعهم وخاضوا وانبروا

والموتُ يزأرُ والعرينُ خرابُ
هم علّموا الأجيال أنّ صلاحها

بجهادها والباقياتُ سرابُ
هم لقنوا خصم العقيدة درسهم

ولكم يجادل حوله المرتابُ
هم نجمة في أفقنا لمّا غداً

في ظلِّ حامية الصليبِ ترابُ
نبأٌ يهزُ كياننا ويزيحنا

ويحيل حالكة الظلامِ شهابُ
نبأٌ تزلزل ركنُ أمتنا لهُ

في حينِ قالوا قد مضى
ما عذر عيني وهي بعدُ شحيحةٌ

ما عذر صمتي والفؤادُ مذابُ
كم أسقطت يمناك من راياتهم

ولقد سقيتهمُ الهوانَ شرابُ
كم قدت خيلك والجنود بواسلٌ

والنصر في وعر الجهاد مشابُ
كم ليلةٍ صبحت فيها جَمعُهم

ولقد يُصبَّحُ للعدو عذابُ
يا الغالي ومثلك نادرٌ

ودّعتنا، والخائنون أصابوا
يفديك خلفك كل رعديدٍ إذا

ذكر الجهاد تخاذلوا وارتابوا
يفديك جيل اللهو في غفلاته

طرِباً يدنسُ أرضهُ الأغرابُ
لكن طريقك موحشٌ واجتزته

ورضيتَه فليفرح الأحبابُ
يارب إن سار الهمامُ وأظلمتْ

أوطاننا واستفحل الإجدابُ
فاجعل لنا من بعده مِن مِثِله

وارفع لنا في العالمين جنابُ
سقط الشهيدُ وأسدلت أحزاننا

ولنا على درب الجهاد شبابُ
فعش عيشاً هنيئاً في جنان

تجافيك المتـاعب والسقام
فيا ربّاه اجمعنا ســوياً

بفردوس يطيــب بها المقام
يشهدُ الأنبياءُ والأولياءُ

أنّكم متّمُ كي تعزّ كِلْمة الرحمن
أيّها القومُ نحنُ متنا فهيّا

نستمعْ ما يقول فينا الرِثاءُ
قد عجزنا حتى شكا العجزُ منّا

وبكينا حتى ازدرانا البكاءُ
وركعنا حتى اشمأز الركوعُ

ورجونا حتى استغاث الرجاءُ
وشكونا إلى طواغيتِ بيتٍ

أبيضٌ ملأ قلبهِ الظلماءُ
ولثمنا حذاء شارون حتى

صاح مهلاً قطعتموني الحِذاءُ
أيّها القوم نحن متنا ولكنْ

أنِفت أن تَضمّنا الغَبْراءُ
قل “لآيات” يا عروس العوالي

كل حسن لمقلتيك الفداء
حين يخصى الفحول صفوة قومي

تتصدى للمجرم الحسناء
تلثم الموت وهي تضحك بِشرًا

ومن الموت يهرب الزّعماء
فتحت بابها الجنان وحيّت

وتلتقط فاطمة الزهراء
قل لمن دبج الفتاوى رويداً

رب فتوى تضج منها السماءُ
حين يدعو الجهاد لا استفتاءُ

للفتاوى اليوم يومُ الجهاد والدماءُ.

يوم الشهيد

يومَ الشَهيد تحيةٌ وسلامُ

بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً

علمُ الحساب، وتفخر الأرقام
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم

تتعطَّرُ الأرَضونَ والأيام
بك يُبعَث ” الجيلُ ” المحتَّمُ بعثُه

وبك ” القيامةُ ” للطُغاة تُقام
وبك العُتاة سيُحشَرون ، وجوهُهُم

سودٌ ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام
صفاً إلى صف طعاماً لم تذُقْ

ما يجرَعون من الهَوان طَعام
ويُحاصَرون فلا “وراءُ” يحتوي

ذَنباً، ولا شُرطاً يحوز “إمام”
وسيسألون مَن الذين تسخَّروا

هذي الجموعَ كأنها أنعام
ومَن استُبيح على يَديهم حقُّها هدراً

وديست حرمةٌ وذِمام

ومَن الذين عَدَوا عليه فشوَّهوا

وجهَ الحياة فكدَّروا وأَغاموا
خَلَصَ النعيمُ لهم، فهم من رقةٍ

وغضارةٍ بيضُ الوجوه وِسام
وصفا لهم فلَكُ الصِبا فتلألؤا

فيه كما تَتَلألأ الأجرام
يتدلَّلون على الزّمان كما اشتَهت

شهواتُها قُبُّ البطون وِحام
ومَداس أرجلهم ونَهْبُ نِعالهم

شَعبٌ مهيضُ الجانِحين مُضام
يُمسي ويُصبح يستظلُّ بِخِدنه

بَقَر الزَريب، ويرتَعي ويَنام
سيُحاسَبون، فإن عَرتْهم سَكْتَةٌ

من خيفةٍ فستنطِقُ الآثام
سيُنكِّسُ المتذبذبون رقابَهم

حتى كأنّ رؤوسَهم أقدام
يومَ الشهيد وما الخيالُ بسادر

بئسَ الخيالُ تقودُه الأوهام
الشعر يا يومَ الشهِيد تجارِبٌ

وبلاؤُها، لا لؤلؤٌ ونِظام
كَذِباً يُخيَّل أن بارقة المُنى

تنجابُ منها وحشةٌ وظَلام
أو أنَّ بالنَّزْر اليسير من الدما

سيُبَلُّ من عطَش الطُغاة أُوام
أو أنَّ مَتعوباً ستَسْعى نحوه

عما قريبٍ راحةٌ وجِمام
حُسبانُ ذلك للشهيد خِيانةٌ

وِلما تفَجّرَ من دمٍ إجرام
ولَتلك مَدعاة سيُنصَرُ عندها

عارُ النُكوص ويُخذَلُ الإِقدام
ولَذاك إِيهام يضلِّلُ أُمةً

وسلاحُ كل مضلِّلٍ إيهام
عَظُمت محاولةٌ وجَلَّ مرامُ

أفباليَسير من العَناء تُرام
يومَ الشهيد طريقُ كل مناضلٍ

وَعرٌ، ولا نُصُبٌ ولا أعلام
في كل مُنعَطَفٍ تَلوحُ بَليّة

وبكُلِّ مُفتَرقٍ يدِبُّ حِمام
وحياضُ مَوت تلتقى جَنَباتُها

وعلى الحياضِ من الوُفود زِحام
وقِباحُ أشباح لمُرتَعِدي الحَشَا

بَرمٌ بها، ولمُحرِبين هُيام
بك بعد مُحتَدِمِ النضالِ سينجَلي

ممّا ابتدأتَ من النِضالِ ختام
سيُجازُ شَهرٌ بالعَناء وآخَرٌ

ويُخاضُ عامٌ بالدماء وعام
ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ

وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام
ستَشور من رَهَج اللُهاث عجاجةٌ

ويَهُبُّ من وَهَجِ الشَّكاة قَتام
سيُعالَجُ الباغي بنَضْحٍ من دَمٍ

حتى تُسَكَّنَ شَهوةٌ وعُرام
لا بُدَّ من نارٍ يروح وَقودُها

منّا ومنه غارِبٌ وسَنام
وتُنير منها الخابطينَ دُروبَهم

من بعدِ ذلك جذوةٌ وضِرام
إذ ذاك يًُصبحُ بعد طُول مَتاهةٍ

بيد الشُعوب مقادةٌ وزِمام
تبّاً لدولةِ عاجزينَ تَوهَّموا

أنّ “الحكومةَ” بالسِياط تُدام
والوَيْلُ للماضينَ في أحلامِهم

إن فرَّ عن “حُلمٍ” يَروع منَام

وإذا تفجَّرَت الصدورُ بغيظها

حَنَقاً كما تتفجّر الألغام
وإذا بهم عَصْفاً أكيلاً يرتمي

وإذا بما ركنوا إليه رُكام
وإذا بما جَمَعَ الغُواةُ خُشارةٌ

وإذا عصارةُ كلِّ ذاك أثام
يومَ الشهيدِ لَسوف تُعقِبُ في غدٍ

يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام
ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه قَدَرٌ

وما تَتَمخَّضُ الأيّام

ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه

إن حانَ حِينٌ واستتم تمام
أمراً كما قالَ البديهةَ قائلٌ

النورُ نورٌ والظَلامُ ظلام

أني لَيخنُقُني الأسَى ويهُّزُّني

ما لاحَ طفلٌ يحتَبي وغُلام
علماً بأن دِماءَهم ليست لهم

وبأنّها للجائعينَ طَعام
للنّاس بعد اليَومِ مِيلادُ الفَتى

ومَماتُه، ورَضاعةٌ وفِطام
يوم الشهيد بكل جارحةٍ مشَى

داءٌ تَعاوَرَه الزّمان عُقام
تَعِبَ الأساةُ به وجافَى

أهلَه، يأساً نِطاسيٌّ به عَلاّم

وتَعَسَّر الأبلالُ حتى تَنتَفى

منه الجذورُ، وتُقطَعَ الأَجذام
يوم الشهيد بك النُّفوس تفتَّحت

وَعياً، كما تَتَفَتَّحُ الأكمام
كادَ الضّعيف يشُكُّ في إيمانه

والصبرُ كاد يَشَلُّه استسلام
طاح البلاءُ بخائرٍ في مَعرَكٍ

أشِبٍ تطيشُ بهَوله الأحلام
وإنجاب عن مُتردّدينَ طِلاؤُهم

وانزاحَ عن متربصِّينَ لِثام
وأعضَّ قوم بالسكوت وأفصَحَتْ

عن غير ما عُرِفَت به أقوام
وتمسكَّ المتثبِّتون بجاحمٍ

جَمَراتُه تُشوى بها الأقدام
وتراكم الصبرُ الجميلُ بساحةٍ

من حولها تتراكمُ الآلام
شعب يُجاعُ وتُستَدرُّ ضروعُه

ولقد تُمارُ لتُحلَبَ الأغنام
وأُمِدَّ للمستهترين عنانُهم

في المُخزِيات فارْتَعوا وأساموا
وَتَعَطَّلَ الدستورُ عن أحكامه

من فَرطِ ما ألوَى به الحُكَام
فالوعيُ بَغيٌ، والتحرُّرُ سُبَّةٌ

والهَمْسُ جُرْمٌ، والكلامُ حَرام
ومُدافِعٌ عما يَدينُ مُخرِّبٌ

ومطالِبٌ بحقوقِه هدّام
ومشَى بأصلاب الجُموع يَهُزُّها

الجَهَلُ والإِدقاعُ والأسقام
وهَوَت كرامتٌ تولَّت أمرها

خِططٌ، تولَّى امَرها إحكام
فكرامةٌ يُهزَى بها وكرامةٌ

يُرثى لها، وكرامةٌ تُستام
وانصاعَ يغزُو أهلَه وديارَه

جيشٌ من المتعطلِّين لُهام
وتَصافَقَت حُجَزٌ على مُتحرِّرٍ

ومفكرٍ فتحطَّمت أقلام
ولكلِّ مُحتَطِبِ الخنا مَداحةٌ

ولكل مُمتدِح النثا شَتّام
ومعاتَبٍ والسَوط يُلهب ظهرهُ

ومعذَّبٍ بجراحه ويُلام
مما أشاعَ البَغيُ من إرهابه

فيها استُطيبَ الخَوفُ والإِحجام
ومطارَدون تعجَّلوا أيّامَهم

ومشرَّدون من المذلّةِ هاموا
ومشكِّكون وقد تعاصَت محنةٌ

صَلُّوا على شَرفِ الخلاص وصاموا
ولقد تَر تَرْقَ في العُيون تساؤلُ

وعلى الشِفاه تحيَّر استِفهام
أعفا القَطينُ فما به مُتَنَفَّسٌ

وَخلا العَرينُ فما به ضِرغام؟
أفوعدُ مُرتقِبِ “القيامةِ” خُلَّبٌ

وبريقُ منتظِر “النُشور” جَهام ؟
أو يكثُرُ الأبطالُ حين سِلاحُهم

بين الجْموع قَصيدةٌ وكَلام؟
فاذا اسحترَّ الخطبُ واحتَدمَ الأذى

ذابوا، فلا بطلٌ ولا مِقدم
أفلا تكون مغارةٌ؟ أو ما انتَهى

ما قَعْقَعَ الإِسراجُ والإِلجام؟
أعلى ضمير المخلصينَ غِشاوة

وعلى فَم المتحرِّرين لجام؟
حتى إذا قَذفَ الحمى بحُماتِه

ورَمَت بأشبالٍ لها الآجام
وتنافَسَ “الفادون” لم يتمنَّنوا

فضلاً، ولم يُبطرْهُمُ الأنعام
وجدوا عتاباً للبلاد فأعتَبوا

وملامةً لشبابها “فألاموا”
ومَشوا إليها يدعَمون صفوفَها

بصُدورهم، إذ عزَّهن دِعام
حَمَلوا الرصاص عَلى الصدور وأوغلوا

فعلى الصدور من الدِماء وِسام
تابَ الغَويُّ وثاب كل مشكِّكٍ

إنَّ الحمى من فوقه قَوّام
نَكِروا النفوسَ وفجَّروا أعراقَها

صَمْتاً، فلا صَخَبٌ، ولا إرزام
وأبَوا سِجامَ الدمع شيمةَ نائحٍ

فلهم دماءٌ يغتلينَ سِجام
ناموا وقد صانُوا الحمى ومعاشِرٌ

تَركوا الحِمى للطارئات وناموا
يومَ الشهيد وكلُّ يوم قادمٌ

ستُريهِ كيف الجودُ والإكرام
دالَ الزمانُ وبُدلتْ نُظُمٌ به

ولكل عصرٍ دولةٌ ونِظام
ومَضَى الحُداةُ “بحاتِمٍ” وبرهَطِه

وتبدَّلَت لمكارِمٍ أحكام
فهُمُ وقد حَلَبوا الصَريحَ أماجدٌ

وهُمُ وقد عقَروا الجَزور كرام
وهمُ لأنَّ الضيفَ ينزِلُ ساحَهم

للفقر في ساحاتِهم إلمام
وأتى زَمانٌ من مكارِمِ أهلِه

السَجْنُ، والتشريدُ، والإِعدام
والسَوط يحترِشُ الظهورَ ووقعُه

في سَمع محترِسٍ به أنغام
وكأنَّه “للمستغيث” إغاثةٌ

وكأنَّه “للجائعين ” إدام
جيل يرى أنَّ الضيافَة والقِرى

للطارئات الصبرُ والآلام
يَقرونَ جائعةَ البلاد نفوسَهم

فلها لحومٌ منهُمُ وعظام
ويُرونَ ضيفَهُمُ الكرامةَ تُزدَرى

والحقَّ يُغصَب، والديارَ تُضام
يتقامَرون على المنايا بينَهم

حُمْراً، فلا الأيسارُ والأزلام
لاهُمَّ عفَوكَ، لا الشجونُ

قليلةٌ عندي، ولا أنا أخرسٌ تَمتام
قلبٌ يذوبُ أسىً، وشعرٌ كلُّه

ضَرَمٌ، وبيتٌ كلُّه آلام
أخنَى بوحشتِه على جيرانِه

وهَفَا به، رُعباً، فطارَ حَمام
ويكادُ يشهَق بالعَويل بَلاطُه

ويَصيحُ بالألم الدفينِ رُخام
ودمٌ أريق على يَدَيَّ يهُزني

هَزَّ الذَبيح وقد عَلاه حُسام
وخبيئةٌ في الصدرِ نَفثُ دُخانها

حَرَجٌ، وكَبْتُ أُوارها إيلام
لاهُم ْما قَدْرُ البيان إذا انزوى عنه

الضميرُ، وعَقَّه الإِلهام
وإذا استَوَى فيه الثَّكولُ وغيرُهُ

والساهرونَ الليلَ والنُّوام
أكبرت شعري أنْ تُهينَ كريمَهُ

غُفْلٌ تضيق بها الرُّعاةُ سَوام
أو عائشونَ على الهوامشِ مثلَما

يَنفي فُضولَ الصورةِ الرِسّام
والممتلونَ كأنَّهم كلُّ الدُّنى

والفارِغونَ كأنَّهم أصنام
والصادِعونَ بما يَرى مُستعمِرٌ

فهُمُ متى يأمرْهُمُ خُدّام
والمُولَعونَ بفاجراتِ مطامعٍ

فلهمْ قُعُودٌ عندَها وقِيام
ماذا يحطِّمُ شاعرٌ من صاغِرٍ

أخنى الهوانُ عليه فهو حُطام
لكنْ بمختلطينَ في نيِّاتهم

شُبُهاً ، فلا وَضَحٌ ولا إبهام
من كل هاوٍ بُرجُه وكأنَّة

قَمَرٌ على كَبِدِ السَماءِ تَمام
يؤذيهِ أنَّ الشمس تطلُعُ فوقَه

أو لا يظلِّلَ وَجْنَتَيهِ غَمام
الليلُ عندَهمُ التَعِلَّةُ والمُنى

فاذا استطالَ فسَكرةٌ ومُدام
وإذا النهارُ بدا فكلُّ حديثِهِمْ

عنه بكيفَ تفسَّرُ الأحلام
حتى إذا حَميَتْ وغىً وأدارها

كأساً “إياسٌ” مرةً و “عصام”
وتلقَّفَتهمْ كالرَّحى أشداقُها

مَضْغاً هُمامٌ يَقتضيه هُمام
زَحَموا الصُّفوفَ “مشَيَّعين”

كأنَّهم	بين المواكبِ قادةٌ أعلام

ومَشَوا على جثَثِ الضَّحايا مثلَما

يمشي بمقتنص النَّعَامِ نَعام
ثم استدارُوا ينفُخون بطُونَهم

نَفْخَ الطُّبول، وأقعدوا وأقاموا
يومَ الشهيد وما تزال كعهدِها

هُوجٌ تدنِّسُ أُمةً ولئام
قَصَروا عن العليا فلم يتناوَشوا

ما احتازَ منها فارعونَ جِسام
وتقطَّعتْ بالمَكْرُمات حِبالُهم

وبما ابْتَنتْ هِممٌ فهُنَّ رِمام
وعناهُمُ أخذُ الكِرامِ عِنانَها

من بعد ما داروا عليه وحاموا
وتجاهَلوا أنْ ليس تربُ مسامحٍ

بدمائه نَهّازةٌ غَنّام
وبأنَّ أُمّاتِ المآثرِ برزَةٌ

عملاقة، وبأنهمْ أقزام
فهُمُ وقد ذَكَتِ الحزازةُ عندهم

“كوب” من الحقد الدفين وجام
يُسْقَونَ جذوتَها وفيما يجتلي

تِربُ النّدي لأُوارِها إضرام
حتّى إذا ألقى الكريمُ بوجهه

فتمايَزَ الإشراقُ والإِظلام
وتَضَوَّرتْ جُوعاً فلم تَرَ عنده

ما تأكُّلُ الأوغارُ والأوغام
ومشى الفَعال لهم صَريحاً لم يَشُبْ

آياتِه عَيٌّ، ولا إعجام
وتَخارَسوا وعَموا فملؤا عُيونِهِمْ

رَمَدٌ، وملُّ حُلوقِهم إفحام
لجأوا إلى “الأنساب” لو جَلَّى لهم

“نَسَب” ولو صَدَقَتْ لهم أرحام.

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية: 169-170.

زر الذهاب إلى الأعلى