همس القوافي

قصائد لشعر غزل للحبيب

أجمل أشعار الحبّ

هل تعرف ما هو الحب؟ إنّه شعور غريب تجاه شخص مُحدّد يجعل قلبك يدقّ لمجرّد التّفكير به، وتشعر أنك بحاجة له، فتسامحه على أخطائه التي لم ترها من الأصل. وهذا الحبّ يضمّ مزيجاً غريباً من الأحاسيس؛ فهو اشتياقٌ ولوعة، وغرام وعشق وهيام. فالعاشق حين يحبّ يسامح ويعطي ويفكّر بعمق. وقد سجّل التّاريخ وحفظ قصص حبٍّ لوّعت مُحبّيها، فجعلتهم يتغنّون بحبّهم، ويضحّون من أجله ويبذلون الرّخيص والنّفيس في سبيله، فتعدّدت الأساليب؛ ففي أثينا جعلوا (كيوبيد) إلهاً للحبّ، وقال فولتير عن الحبّ بأنّه ظاهرة إنسانيّة، وقال إيمرسون إنّ كل المُتَع الأخرى لا يستحق آلامها إلّا الحبّ، ولهذا، سُطّرت القصائد، ونُثرت القصص، وصُوّرت الأفلام، وكُتبت الأغاني، وقيلت الأشعار. أمّا الشّعراء فقد أبدعوا في شعرهم في وصف الحب: حالاته، ومشاعره، فسجّلوها في شعرهم فكان حُبّاً عذريّاً طاهراً، أو حبّاً مُبتذلاً. والآتي دعونا نسرد بعض أجمل أشعار الحب.

قيس ليلى

وأيّام لا نخشى على الّلهو ناهيا

تذكّرت ليلى والسنين الخواليا

بليلى فهالني ماكنت ناسيا

ويوم كظلّ الرّمح، قصرت ظلّه

بذات الغضيّ نزجي المطيّ النواحيا

بتمدين لاحت نار ليلى، وصحبتي

إذا جئتكم بالّليل لم أدرِ ما هيا

فيا ليل كم من حاجة لي مهمّة

وجدنا طوال الدّهر للحبّ شافيا

لحيّ الله أقواماً يقولون أننّا

قضى الله في ليلى، ولا قضى ليا

خليلي، لا والله لا أملك الذي

فهلا بشيءٍ غير ليلى ابتلاني

قضاها لغيري وابتلاني بحبّها

يكون كافياً لا عليّ ولا ليا

فيا ربّ سوّ الحب بيني وبينها

جميل بثينة

ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ

ودهراً تولى، يا بثينَ، يعودُ

فنبقى كما كنّا نكونُ، وأنتمُ

قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ

وما أنسَ، مِ الأشياء، لا أنسَ قولها

وقد قُرّبتْ نُضْوِي: أمصرَ تريدُ؟

ولا قولَها: لولا العيونُ التي ترى

لزُرتُكَ، فاعذُرْني، فدَتكَ جُدودُ

خليليّ، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ

ودمعي بما أخفيَ، الغداةً، شهيدُ

ألا قد أرى، واللهِ أنْ ربّ عبرة ٍ

إذا الدّار شطّتْ بيننا، ستَزيد

إذا قلتُ: ما بي يا بثينة ُ قاتِلي

من الحبّ، قالت: ثابتٌ، ويزيدُ

وإن قلتُ: رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ

تولّتْ وقالتْ: ذاكَ منكَ بعيد

فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً

ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ

جزتكَ الجواري، يا بثينَ، سلامة ً

إذا ما خليلٌ بانَ وهو حميد

وقلتُ لها، بيني وبينكِ، فاعلمي

من الله ميثاقٌ له وعُهود

وقد كان حُبّيكُمْ طريفاً وتالداً

وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ

وإنّ عَرُوضَ الوصلِ بيني وبينها

وإنْ سَهّلَتْهُ بالمنى، لكؤود

وأفنيتُ عُمري بانتظاريَ وَعدها

وأبليتُ فيها الدّهرَ وهو جديد

فليتَ وشاة َ الناسِ، بيني وبينها

يدوفُ لهم سُمّاً طماطمُ سُود

وليتهمُ، في كلّ مُمسًى وشارقٍ

تُضاعَفُ أكبالٌ لهم وقيود

ويحسَب نِسوانٌ من الجهلِ أنّني

إذا جئتُ، إياهنَّ كنتُ أريدُ

فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي

وفي الصّدْرِ بَوْنٌ بينهنّ بعيدُ

ألا ليتَ شعري، هلَ أبيتنّ ليلة ً

بوادي القُرى؟ إني إذَاً لَسعيد

وهل أهبِطَنْ أرضاً تظَلُّ رياحُها

لها بالثنايا القاوياتِ وئِيدُ؟

وهل ألقينْ سعدي من الدهرِ مرة ً

وما رثّ من حَبلِ الصّفاءِ جديدُ؟

وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ

وقد تُدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيد

وهل أزجرنْ حرفاً علاة ً شملة ً

بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ

على ظهرِ مرهوبٍ، كأنّ نشوزَهُ

إذا جاز هُلاّكُ الطريق، رُقُود

سبتني بعيني جؤذرٍ وسطَ ربربٍ

وصدرٌ كفاثورِ اللجينَ جيدُ

تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها

مُباهِية ٌ، طيَّ الوشاحِ، مَيود

إذا جئتُها، يوماً من الدهرِ، زائراً

تعرّضَ منفوضُ اليدينِ، صَدود

يصُدّ ويُغضي عن هواي، ويجتني

ذنوباً عليها، إنّه لعَنود

فأصرِمُها خَوفاً، كأني مُجانِبٌ

ويغفلُ عن مرة ً فنعودُ

ومن يُعطَ في الدنيا قريناً كمِثلِها

فذلكَ في عيشِ الحياةِ رشيدُ

يموتُ الْهوى مني إذا ما لقِيتُها

ويحيا، إذا فرقتها، فيعودُ

يقولون: جاهِدْ يا جميلُ، بغَزوة ٍ

وأيّ جهادٍ، غيرهنّ، أريدُ

لكلّ حديثِ بينهنّ بشاشة ُ

وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ

وأحسنُ أيامي، وأبهجُ عِيشَتي

إذا هِيّجَ بي يوماً وهُنّ قُعود

تذكّرتُ ليلى، فالفؤادُ عميدُ

وشطتْ نواها، فالمزارُ بعيدُ

علقتُ الهوى منها وليداً، فلم يزلْ

إلى اليومِ ينمي حبه ويزيدُ

فما ذُكِرَ الخُلاّنُ إلاّ ذكرتُها

ولا البُخلُ إلاّ قلتُ سوف تجود

إذا فكرتْ قالت: قد أدركتُ ودّهُ

وما ضرّني بُخلي، فكيف أجود

فلو تُكشَفُ الأحشاءُ صودِف تحتها

لبثنة َ حبُ طارفٌ وتليدُ

ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني

أُضاحكُ ذِكراكُمْ، وأنتِ صَلود؟

فهلْ ألقينْ فرداً بثينة َ ليلة ً

تجودُ لنا من وُدّها ونجود؟

ومن كان في حبي بُثينة َ يَمتري

فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ

كثيّر عزّة

خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا

قلوصيكما، ثم ابكيا حيث حلّت

ومسا تراباً كان قد مسّ جلدها

وبيتاً وظلّاً حيث باتت وظلّت

وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا

ولا موجعات القلب حتّى تولّت

أناديك ما حجّ الحجيج وكبّرت

بفيفا عزال رفقة وأهلّت

وما كبرت من فوق ركبة رفقةٍ

ومن ذي عزال أشعرت واستهلّت

تمنّيتها حتّى إذا ما رأيتها

رأيت المنايا شرعاّ قد أظلّت

فلا يحسب الواشون أنّ صبابتي

بعزّة كانت غمرة فتجلّت

فوالله ثم الله ما حلّ قلبها

ولا بعدها من خلّه حيث حلّت

عنتر عبلة

يا دار عبلة بالجوى تكلّمي

وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي

إن تغدفي دوني القناع فإنّني

طب بأخذ الفارس المستلئم

أثني عليّ بما عملت فإنّني

سَمِحٌ مخالطي إذا لم أظلم

هلّا سألت الخيل يا ابنة مالك

إن كنت جاهلةً بما لا تعلمي

ولقد ذكرتك والرّماح نواهل

منّي وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السّيوف لأنّها

لمعت كبــارق ثغرك المتبسّم

يدعون عنترة والرّماح كأنّها

أشطان بئر في لبان الأدهم

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبنانه حتى تسربل بالدّم

غادة السّمان

وتنمو بيننا يا طفل الرّياح

تلك الألفة الجائعة

وذلك الشّعور الكثيف الحادّ

الذي لا أجد له اسماً

ومن بعض أسمائه الحب

منذ عرفتك

عادت السّعادة تقطنني

لمجرد أنّنا نقطن كوكباً واحداً وتشرق علينا شمس واحدة

راع أنّني عرفتك

وأسميتك الفرح

وكل صباح أنهض من رمادي

وأستيقظ على صوتي وأنا اقول لك:

صباح الحبّ أيها الفرح

ولأنّي أحبّ

صار كل ما ألمسه بيدي

يستحيل ضوءاً

ولأنّي أحبك

أحبّ رجال العالم كله

وأحب أطفاله وأشجاره وبحاره وكائناته

وصياديه وأسماكه ومجرميه وجرحاه

وأصابع الأساتذة الملوثة بالطّباشير

ونوافذ المستشفيات العارية من السّتائر

لأنّي أحبّك

عاد الجنون يسكنني

والفرح يشتعل

في قارّات روحي المُنطفئة

لأنّي أحبّك

عادت الألوان إلى الدّنيا

بعد أن كانت سوداء ورماديّة

كالأفلام القديمة الصّامتة والمُهترئة

عاد الغناء إلى الحناجر والحقول

وعاد قلبي إلى الرّكض في الغابات

مُغنّياً ولاهثاً كغزال صغير مُتمرّد

في شخصيّتك ذات الأبعاد اللّامتناهية

رجل جديد لكلّ يوم

ولي معك في كل يوم حبّ جديد

وباستمرار

أخونك معك

وأمارس لذّة الخيانة بك.

كلّ شيء صار اسمك

صار صوتك

وحتى حينما أحاول الهرب منك

إلى براري النوم

ويتصادف أن يكون ساعدي

قرب أذني

أنصت لتكّات ساعتي

فهي تردّد اسمك

ثانية بثانية

ولم أقع في الحبّ

لقد مشيت إليه بخطى ثابتة

مفتوحة العينين حتّى أقصى مداهما

إنّي واقفة في الحبّ

لا واقعة في الحبّ

أريدك

بكامل وعيي

أو بما تبقّى منه بعد أن عرفتك

قرّرت أن أحبك

فعل إرادة

لا فعل هزيمة

وها أنا أجتاز نفسك المُسيّجة

بكل وعيي، أو جنوني

وأعرف سلفاً

في أي كوكب أضرم النّار

وأية عاصفة أطلق من صندوق الآثام

وأتوق إليك

تضيع حدودي في حدودك

ونعوم معاً فوق غيمة شفافة

وأناديك: يا أنا

وترحل داخل جسدي

كالألعاب النّارية

وحين تمضي

أروح أحصي فوق جسدي

آثار لمساتك

وأعدها بفرح

كسارق يُحصي غنائمه

مبارك كل جسد ضممته إليك

مباركة كل امرأة أحببتها قبلي

مباركة الشّفاه التي قبّلتها

والبطون التي حضنت أطفالك

مبارك كل ما تحلم به

وكل ما تنساه

لأجلك

ينمو العشب في الجبال

لأجلك

تتولّد الأمواج

ويرتسم البحر على الأفق

لأجلك

يضحك الأطفال في كل القرى النّائية

لأجلك

تتزيّن النّساء

لأجلك

اختُرِعت القُبلة.

وأنهض من رمادي لأحبك

كلّ صباح

أنهض من رمادي

لأحبّك أحبّك أحبّك

وأصرخ في وجه الشّرطة

كل الناس رجال شرطة حين يتعلق الأمر بنا

أصرخ: صباح الحبّ

صباح الحبّ أيها الفرح

أبو القاسم الشابّي

أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي

وَهُمُومِي، وَرَوْعَتِي، وَعَنَائي

وَنُحُولِي، وَأَدْمُعِي، وَعَذَابي

وَسُقَامي، وَلَوْعَتِي، وَشَقائي

أيها الحب أنت سرُّ وُجودي

وحياتي، وعِزَّتي، وإبائي

وشُعاعي ما بَيْنَ دَيجورِ دَهري

وأَليفي، وقُرّتي، وَرَجائي

يَا سُلافَ الفُؤَادِ يا سُمَّ نَفْسي

في حَيَاتي يَا شِدَّتي يَا رَخَائي

ألهيبٌ يثورٌ في روْضَة ِ النَّفَسِ، فيـ

ـ‍‍‍‍طغى، أم أنتَ نورُ السَّماءِ؟

أيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ

نَ كُؤُوساً، وَمَا اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي

فَبِحَقِّ الجَمَال، يَا أَيُّها الحُـ

ـبُّ حنانَيْكَ بي وهوِّن بَلائي

لَيْتَ شِعْري يَا أَيُّها الحُبُّ، قُلْ لي:

مِنْ ظَلاَمٍ خُلِقَتَ، أَمْ مِنْ ضِيَاءِ؟

إبراهيم ناجي

أحبكَ ما حييتُ وأنتَ حسبي

فجربْ أنت قلباً بعد قلبي

ويا أسفاً على صحراءِ عمرٍ

جفاها بعدك المطرُ الملبي

نهاري في لوافحِها سرابٌ

وليلي من أباطيلٍ وكذبِ

وفي أذنيَّ من شفتيكَ عتبٌ

إذا أنا ساعةً اضجعتُ جنبي

وتلك قوافلُ الأيامِ تترى

تمرّ عليّ سراباً بعد سربِ

عوابِسُ لا يطل سناك منها

ولم ألمحْ مطالعُه بركب

فإن غفلتْ عيونُ الحظِّ عنا

وصرت -ولم أكن أدري- بقربي

تبينِّي فتلك خيامُ حبّي

وإنّي موقدُ لك نار قلبي

إيليا أبو ماضي

اسألوها، أو فاسألوا مضناها

أيّ شيء قالت له عيناها ؟

فهو في نشوة و ما ذاق خمرا

نشوة الحبّ هذه إيّاها

ذاهل الطّرف شارد الفك

ولا يلمح حُسناً في الأرض إلاّ رآها

أللسّواقي لكي تحدّث عنها

والأقاحي لكي تذيع شذاها؟

وحفيف النّسيم في مسمع

الأوراق نجوى تبثّها شفتاها

يحسب الفجر قبسه من سناها

ونجوم السّماء بعض حلاها

وكذلك الهوى إذا حلّ في الأرواح

سارت في موكب من رؤاها

كان ينهى عن الهوى نفسه الظّمأى

فأمسى يلوم من ينهاها

لمس الحبّ قلبه فهو نار

تتلظّى و يستلذّ لظاها

كلّ نفس لم يشرق الحبّ فيها

هي نفس لم تدر ما معناها

بشار بن برد

يا حُبَّ إِنَّ دواءَ الحُبِّ مفْقُودُ

إِلاَّ لديْكِ، فهلْ ما رُمْتُ موْجُودُ

قالتْ: عَلَيْكَ بِمَنْ تَهْوَى، فَقُلْتَ لَهَا:

يَا حُبَّ فُوكِ الْهَوَى وَالْعَيْنُ وَالْجِيدُ

لا تَلْعَبِي بِحَيَاتِي وَاقْطَعِي أمَلي

صَبْراً عَلَى الْمَوْتِ، إِنَّ الْمَوْتَ مَوْرُودُ

رؤياك تدعو المنايا قبل موقتها

وإن تنيلي فنيل منك مخلود

أنْتِ الأَمْيِرَة ُ فِي رُوحِي وَفِي جَسَدِي

فابري وريشي بكفيك الأقاليد

لا تَسْبِقِي بِي حِمَامَ الْمَوْتِ وَانْتَظِري

يوماً كأن قد طوتني البيض والسود

قَدْ لاَمَني فِيكِ أَقْوَامٌ فَقُلْتُ لَهُمْ:

مَا ذَنْبُ مَنْ قَلْبُهُ حَرَّانُ مَجْهُودُ؟

ما كنت أول مجنونٍ بجارية

تسفهت لبّه والمرء صنديدُ

أغرى به اللّوم أذن غير سامعة ٍ

وأحور العين في سمطين رعديد

أحببت حبّي وما حبّي بمطلبي

مَنْ لَيْسَ لِي عِنْدَهُ إِلاَّ الْجَلاَمِيدُ

بئس العطيّة ُ من حبّي لنا حجرٌ

بل ليس لي حجرٌ منها ولا عود

تغدو ثقالاً وتمسي في مجاسدها

كأنّها صنمٌ في الحيّ معبود

نامت ولم ألق نوماً بعد رؤيتها

وهل ينام سخين العين معمود

يَا حُسْنَ حُبَّى إِذَا قَامَتْ لِجَارَتِهَا

وفي الرّواح هضيم الكشح أملودُ

كَأنَّها لَذَّة ُ الْفِتْيَانِ مُوفِيَة ً

وَسَكْرَة ُ الْمَوْتِ إِنْ لَمْ يُوفَ مَوْعُودُ

تؤتيك ما شئت من عهدٍ ومن عدة ٍ

فَالْوَعْدُ دَانٍ وَبَابُ النَّيْلِ مَسْدُودُ

قد صردت هامتي حبّي ببخلتها

ما خير عيش الفتى والكأس تصريد

إِنِّي لأَحْسُدُ مَوْلوداً مَشَى قَدَماً

وَبِي مِنِ الدَّاء مَا لَمْ يَلْقَ مَوْلُودُ

أَرَى الإِزَارَ عَلَى حبِّي فَأحْسُدُهُ

إِنَّ الإِزَارَ عَلَى مَا ضَمَّ مَحْسود

يَادَامَ كنْتِ لِحَاجَاتِي وَصَاحِبَتِي

حَتَّى اشْتَكَيْتُ وَغَالَ النَّوْمَ تَسْهِيد

قولي لحبّي فقد أحببت رؤيتها:

لَوْ كَانَ لِي مِنْكِ تَقْرِيبٌ وَتَبْعِيد

قَرَّتْ بِكِ الْعَيْنُ أوْ بِتنا عَلَى طَمَعٍ

مِنَ النَّوَالِ وَطَابَ اللَّهْو وَالْغِيد

لا خيْرَ فِي عِدَة ٍ لَيْسَتْ بِمنْجَزَة ٍ

فأنْجِزِي الْوَعْدَ إِنَّ الْجُودَ مَحْمود

ليس المحبّ ككمون بمزرعة ٍ

إِنْ فَاتَهَ الْمَاءُ أغْنَتْه الْمَوَاعِيد

إن لم تجودي بموعودٍ فلا تعدّي

ما أقبح الوعد حتى زانه الجود!

سألت حبي فما عادت على رجلٍ

لِسَانه عَنْ سؤَالِ النَّاسِ مَعْقود

كَأنَّه يَتَّقِي الْحَيَّاتِ فَاغِرَة ً

لا بَلْ كَأنِّي عِنِ الْمَعْروفِ مَجْدود

والحرّ يعطيك عفواً من فواضله

قَبْلَ السؤَالِ وَسَيْب الْعَبْدِ مَنْكود

محمود سامي البارودي

سكَرَت بخمر حديثك الألفاظ

وتكلّمت بضميــــرك الألحـــــــاظ

يا دمية لولا التقيّة لاستوت

في حبّها الفتــــّاك والوعّــــــاظ

نزار قباني

هو البحرُ يفصل بيني وبينَكِ

والموجُ، والريحُ، والزمهريرْ

هو الشِعْرُ يفصل بيني وبينكِ

فانتبهي للسقوط الكبيرْ

هو القَهْرُ يفصل بيني وبينكِ

فالحبُّ يرفُضُ هذي العلاقَةَ

بين المرابي وبين الأجيرْ

أحبُّكِ

هذا احتمالٌ ضعيفٌ ضعيفْ

فكلُّ الكلام به مثلُ هذا الكلام السخيفْ

أحبُّكِ كنتُ أحبُّكِ ثم كرهتُكِ

ثم عبدتُكِ ثم لعنتُكِ

ثم كَتبتُكِ ثم محوتُكِ

ثم لصقتُكِ ثم كسرتُكِ

ثم صنعتُكِ ثم هدمتُكِ

ثمَّ اعتبرتُكِ شمسَ الشّموسِ وغيّرتُ رأيي

فلا تعجبي لاختلاف فصولي

فكل الحدائقِ فيها الربيعُ وفيها الخريفْ

هو الثلجُ بيني وبينكِ

ماذا سنفعلُ؟

إنَّ الشتاءَ طويلٌ طويلْ

هو الشكُّ يقطعُ كلَّ الجُسُورِ

ويُقْفِلُ كلّ الدروبِ

ويُغْرِقُ كلَّ النخيلْ

أحبّكِ!

يا ليتني أستطيعُ استعادةَ

هذا الكلام الجميلْ

أُحبُّكِ

أين تُرى تذهبُ الكَلِماتْ؟

وكيف تجفُّ المشاعرُ والقُبُلاتْ

فما كان يمكنني قبل عامَيْنِ

أصبح ضرباً من المستحيلْ

وما كنتُ أكتبُهُ – تحت وهج الحرائقِ –

أصبحَ ضرباً من المستحيلْ

إن الضّبابَ كثيفٌ

وأنتِ أمامي ولستِ أمامي

ففي أي زاويةٍ يا تُرى تجلسينْ؟

أحاولُ لَمْسك من دون جدوى

فلا شفتاكِ يقينٌ ولا شفتايَ يقينْ

يداكِ جليديّتانِ زجاجيّتان محنّطتانِ

وأوراقُ أيلولَ تسقُط ذاتَ الشمال وذاتَ اليمينْ

ووجهُكِ يسقط في البحر شيئاً فشيئاً

كنصف هلالٍ حزينْ

تموتُ القصيدةُ من شدَّة البَرْدِ

من قِلّة الفحم والزيْتِ

تيبَسُ في القلب كلُّ زهور الحنينْ

فكيف سأقرأ شعري عليكِ؟

وأنتِ تنامينَ تحت غطاءٍ من الثلجِ

لا تقرأينَ ولا تسمعينْ

وكيف سأتلو صلاتي؟

إذا كنتِ بالشعر لا تؤمنينْ

وكيف أقدّمُ للكلمات اعتذاري؟

وكيف أُدافعُ عن زمن الياسمينْ؟

جبالٌ من الملح تفصل بيني وبينكِ

كيف سأكسر هذا الجليدْ؟

وبين سريرٍ يريدُ اعتقالي

وبين ضفيرة شعرٍ تكبِّلني بالحديدْ؟

أحبُّكِ كنت أُحبُّكِ حتّى التَنَاثُرِ حتى التّبعثُرْ

حتّى التبخّرِ حتى اقتحامِ الكواكبِ، حتّى

ارتكابِ القصيدة

أُحبُّكِ كنتُ قديماً أحبّكِ

لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ

أُحبُّكِ يا ليتني أستطيع الدّخولَ لوقت البنفسج

لكنَّ فصلَ الرّبيع بعيدْ

ويا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت القصيدة

لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد.

لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ

أُحبُّكِ يا ليتني أستطيع الدّخولَ لوقت البنفسج

لكنَّ فصلَ الربيع بعيدْ

ويا ليتني أستطيع الدّخولَ لوقت القصيدة

لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد

أحمد شوقي

أَريدُ سُلوَّكم والقلبُ يأْبَى

وعتبكُم وملءُ النفس عُتْبى

وأَهجركم فيهجرني رُقادي

ويُضوِيني الظلامُ أَسًى وكرْبا

واذكركم برؤية ِ كلِّ حُسْنٍ

فيصبو ناظري والقلب أصبى

وأَشكو من عذابي في هواكم

وأَجزيكم عن التّعذيبِ حُبّا

وأَعلمُ أَن دَأْبكُمُ جَفَائي

فما بالي جعلتُ الحبَّ دأْبا؟

ورُبَّ مُعاتِبٍ كالعيش يشكي

وملءُ النفس منه هَوًى وعُتْبى

أتَجزيني عن الزُّلْفَى نِفاراً؟

عَتَبَتكَ بالهوى وكفاك عَتبا

فكلّ ملاحة ٍ في النّاس ذنبٌ

إذا عُدّ النِّفارُ عليكَ ذنبا

أخذتُ هواك عن عيني وقلبي

فعيني قد دَعَتْ والقلبُ لَبّى

وأَنتَ من المحاسن في مِثال

فديتكَ قالَباً فيه وقَلْبا

أُحِبُّكَ حين تثني الجيدَ تِيهاً

وأَخشى أَن يصيرَ التِّيهُ دَأْبا

وقالوا: في البديل رضاً ورووحٌ

لقد رُمتُ البديلَ فرمتُ صَعبا

وراجعتُ الرّشادَ عَساي أَسلو

فما بالي مع السُّلوانِ أَصْبى؟

إذا ما الكأْسُ لم تُذْهِبْ همومي

فقد تَبَّتْ يدُ السّاقي وتَبّاً

على أَني أَعَفُّ من احتساها

وأَكرمُ مِنْ عَذَارَى الدّير شربا

ولي نفسٌ أُورَيها فتزهو

كزهر الورد نَدَّوْهُ فهبَّ

أُنسي الحاج

كلُّ قصيدةٍ هي بدايةُ الشعر

كلُّ حبٍّ هو بدايةُ السّماء.

تَجذري فيّ أنا الرّيح

اجعليني تراباً.

سأعذبكِ كما تُعذب الرّيحُ الشّجَرَ

وتمتصّينني كما يمتصُّ الشّجرُالتّراب.

وأنتِ الصّغيرة

كلُّ ما تريدينه

يُهدى إليكِ إلى الأبد.

مربوطاً إليكِ بألم الفرق بيننا

أنتَزعُكِ من نفسكِ

وتنتزعينني

نتخاطف إلى سكرة الجوهريّ

نتجدّد حتى نضيع

نتكرّر حتى نتلاشى

نغيبُ في الجنوح

في الفَقْد السّعيد

ونَلِجُ العَدَم الورديّ خالصَين من كلّ شائبة.

ليس أنتِ ما أُمسك

بل روح النشوة

وما إن توهّمتُ معرفةَ حدودي حتى حَمَلَتني أجنحةُ التأديب إلى الضّياع

لمنْ يدّعي التُّخمةَ، الجوعُ

ولمن يعلن السّأمَ، لدغةُ الهُيام

ولمن يصيح: لا، لا، ظهورٌ موجع لا يُرَدّ

في صحراء اليقين المظفَّر

ظهورٌ فجأةً كدُعابة

كمسيحةٍ عابثة

كدُرّاقةٍ مثلَّجة في صحراء اليقين،

ظهوركِ يَحني الرّأسَ بوزن البديهة المتجاهَلَة

فأقول له: نعم، نعم

وإلى الأمام من الشّرفة الأعلى

كلّما ارتميتُ مسافة حبّ

حرقتُ مسافةً من عمر موتكَ

كائناً من كنتَ

ترتفعُ

ترتفع جذوركِ في العودة

تمضي

واصلةً إلى الشّجرةِ الأولى

أيّتها الأمُّ الأولى

أيتها الحبيبةُ الأخيرة

يا حَريقَ القلب

يا ذَهَبَ السّطوح وشمسَ النوافذ

يا خيّالةَ البَرق المُبْصر وجهي

يا غزالتي وغابتي

يا غابةَ أشباح غَيرتي

يا غزالتي المتلفّتة وسط الفَرير لتقول لي: اقتربْ

فأقترب

أجتاز غابَ الوَعْر كالنّظرة

تتحوّل الصّحراء مفاجرَ مياه

وتصبحين غزالةَ أعماري كلّها

أفرّ منكِ فتنبتين في قلبي

وتفرّين منّي

فتعيدكِ إليّ مرآتكِ المُخبّأة تحت عتبة ذاكرتي.

يداكِ غصونُ الحرب

يداكِ يدا الثّأر اللّذيذ مني

يدا عينيكِ

يدا طفلةٍ تَرتكب

يداكِ ليلُ الرأس.

تُسكتينني كي لا يسمعونا

ويملأُ الخوفُ عينيكِ

مُدَلّهاً مختلجاً بالرعب

كطفلٍ وُلد الآن.

تنسحب الكلمات عن جسدكِ

كغطاءٍ ورديّ.

يَظهر عُريكِ في الغرفة

ظهورَ الكلمة الأوحد

بلا نهائيّةِ السّراب في قبضة اليد.

مَن يحميني غابَ النّهار

مَن يحميني ذَهَبَ اللّيل.

ليس أيَّ شوقٍ بل شوقُ العبور

ليس أيَّ أملٍ بل أملُ الهارب إلى نعيم التّلاشي.

فليبتعد شَبَحُ الخطأ

ولا يقتحْمنا باكراً

فيخطف ويطفىء

ويَقتل ما لا يموت

لكي يعيش بعد ذلك قتيلاً.

الحبّ هو خلاصي أيّها القمر

الحبّ هو شقائي

الحبّ هو موتي أيّها القمر.

لا أخرج من الظّلمة إلاّ لأحتمي بعريكِ ولا من النّور إلاّ لأسكر بظلمتك.

تربح عيناكِ في لعبة النّهار وتربحان في لعبة اللّيل.

تربحان تحت كلّ الأبراج وتربحان ضدّ كل الأمواج.

تربحان كما يربح الدِّين عندما يربح وعندما يَخْسر.

وآخذ معي وراءَ الجمر تذكارَ جمالكِ أبديّاً كالذاكرة المنسيّة،

يحتلّ كلَّ مكان وتستغربين

كيف يكبر الجميع ولا تكبرين.

ذَهَبُ عينيكِ يسري في عروقي.

لم يعد يعرفني إلاَّ العميان

لأنّهم يرون الحبّ.

ما أملكه فيكِ ليس جسدكِ

بل روحُ الإرادة الأولى

ليس جسدك

بل نواةُ الجَسد الأول

ليس روحكِ

بل روحُ الحقيقة قبل أن يغمرها ضباب العالم.

الشّمس تشرق في جسدكِ

وأنتِ بردانة

لأن الشّمس تَحرق

وكلّ ما يَحرق هو بارد من فرط القوّة.

كلّ قصيدةٍ هي قَلْبُ الحبّ

كلّ حبٍّ هو قلبُ الموت يخفق بأقصى الحياة.

كلّ قصيدةٍ هي آخرُ قصيدة

كلّ حبٍّ هو آخرُ الصّراخ

كلّ حبٍّ، يا خيّالةَ السّقوط في الأعماق، كلّ حبٍّ هو الموت حتى آخره،

وما أُمسكه فيكِ ليس جسدكِ

بل قَلْبُ الله

أعصره وأعصره

ليُخدّر قليلاً صراخُ نشوتِهِ الخاطفة

آلامَ مذبحتي الأبديّة.

العبّاس بن الأحنف

يا دارَ فوزٍ لقَد أورَثتِني دَنَفا

وزادَني بُعدُ داري عنكُمُ شغَفَا

حتى متى أنا مكروبٌ بذكرِكُمُ

أُمسِي وأُصبحُ صَبّاً هائماً دَنِفا

لا أستريحُ ولا أنساكمُ أبداً

ولا أرى كرْبَ هذا الحبِّ مُنكشِفا

ما ذُقتُ بعَدَكمُ عيشاً سُرِرْتُ به

ولا رأيتُ لكم عِدْلاً ولا خلفا

إنّي لأعجبُ من قلبٍ يحبُّكُمُ

وما رأى منكُمُ بِرّاً ولا لَطَفا

لوْلا شَقاوَة ُ جَدّي ما عرَفتُكُمُ

إنّ الشّقيَّ الذي يشقى بمن عرفا

ما زِلتُ بَعدَكُمُ أهذي بذكركمُ

كأنَّ ذكرَكمُ بالقلبِ قد رُصفا

ياليتَ شِعري وما في ليتَ من فرجٍ

هل مضى عائدٌ منكم وما سلفا

إصرِفْ فؤادَكَ يا عبّاسُ مُنصرفاً

عنها يكن عنكَ كَرْبُ الحبِّ منصرفا

لوكانَ ينساهمُ قلبي نسيتهمُ

لكنّ قَلبي لَهُمْ والله قد ألِفَا

أشكو إليكِ الذي بي يا مُعَذِّبَتي

وَما أُقاسِي وما أسطيعُ أن أصِفَا

يا هَمَّ نَفسي ويا سمعي ويا بَصري

حتى متى حبُّكمْ بالقلبِ قد كلِفا

ما كنتُ أعلمُ ماهمٌّ وما جزَعٌ

حتى شربتُ بكأسِ الحبّ مغترِفَا

ثارت حرارتها في الصّدر فاشتعلتْ

كأنّما هي نارٌ أُطعمتْ سَعَفا

طافَ الهَوَى بعِبادِ الله كُلّهِمُ

حتّى إذا مرَّ بي من بينهم وقفا

إذا جحدتُ الهوى يوماً لأدفنهُ

في الصّدر نمَّ عليّ الدّمعُ معترفا

لم ألقَ ذا صفة ٍ للحبِّ ينعتهُ

إلا وجدتُ الذي بي فوق ما وصفا

يُضحي فؤادي بهذا الحُبّ مُلتحماً

وَقْفاً ويُمسِي عليّ الحبُّ مُلتَحِفَا

ما ظَنُّكُمْ بفتى ً طالَتْ بَلِيّتُه

مُرَوَّعْ في الهوى لا يأمنُ التَّلفا

يا فوزُ كيف بكم والدّارُ قد شَحَطَتْ

بي عنكُمُ وخروجُ النّفسِ قد أزفا

قد قُلتُ لمَّا رَأيتُ الموْتَ يَقصِدُني

وكادَ يهتِفُ بي داعيهِ أوْ هَتَفَا:

أموتُ شَوْقاً ولا ألقاكُمُ أبَداً

يا حَسرَتا ثمّ يا شوْقا وَيا أسَفَا

الشّريف الرضيّ

يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ

لِـيَهنَكِ الـيَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ

الـمـاءُ عِـنـدَكِ مَـبـذولٌ لِـشارِبِهِ

وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي

هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ

بَــعـدَ الـرُقـادِ عَـرَفـناها بِـرَيّـاكِ

عبدالعزيز جويدة

أقـبلي كـالصّلاة رقـرقها النّسك

لا تَحسَبي أني أُحبُّكِ مثلما

تتصوَّرينَ مَشاعري فوقَ الورقْ

أنا شاعرٌ في كلِّ شيءٍ إنما

عندَ الكتابةِ عن هوانا ..

أحتَرِقْ

لا تَحسَبي أن الكتابةَ عن هوانا عَبَّرَتْ

هي ليسَ إلا بعضَ دُخَّانٍ قَلقْ

إن المشاعرَ لا تُقاسُ بنظرةٍ أو لمسةٍ

أو ما بهِ يومًا لسانٌ قد نَطَقْ

فرقٌ كبيرٌ بينَ ما نُخفي ونُعلِنُ

في العواطفِ، والعواصفِ، والأرَقْ

حتى السّكوتُ حبيبتي

لغَةٌ تُعبِّرُ في الهوى

فإذا سَكتْنا

فاعلمي أنَّا على وَشْكِ الغرقْ

أنا كلُّ ما سطَّرتُهُ مِن فِتنَةٍ

هو ليسَ إلا ذَرَّةً

مِن وَحيِ كَونٍ في جَوانحِنا خُلِقْ

كلُ الحساباتِ التي

في العشقِ تُفرَضُ دائمًا

حِيَلٌ تُقالُ وما لهُنَّ أساسْ

قد نَستطيعُ تتبُّعَ الزلزالِ،

نرصدُ قوَّتَهْ

لكنّنا لا نَستطيعُ بأيِّ حالٍ

نَرصدُ الإحساسْ

نبضُ القلوبِ، حنينُها،

أشواقُنا، آلامُنا

شيءٌ مُحالٌ في الوجودِ يُقاسْ

فقلوبُنا مثلُ اللآلئِ مُنيتي

وعلى القلوبِ تُخَيَّرُ الحُراسْ

فهناكَ قلبٌ مِن حَجرْ

وهناكَ قلبٌ قِطعةٌ مِن ماسْ

إيَّاكِ أن تتصوَّري

أن القلوبَ تَشابهَتْ

إلا إذا

يومًا تَشابَهَ شكلُ كلِّ الناسْ

فالعمرُ يُحسَبُ بالسنينِ حبيبَتي

لكننا في العشقِ نَحسُبُ

حُرقَةَ الأنفاسْ

لا تَحسَبي أن الكلامَ حبيبتي

لغةٌ تُدارُ بعالَمِ العُشاقْ

فالصّمتُ مِن لغةِ الهوى

وبها يَبوحُ العاشقُ المشتاقْ

بيني وبينَكِ أبحُرٌ، ومنازلٌ، وعوازِلٌ

لكنَّ إحساسي يُسافرُ

يَعبُرُ الآفاقْ

إنَّا معًا في كلِّ وقتٍ مُنيتي

ومعًا نُقاسي لوعةَ الأشواقْ

سنموتُ في يومٍ معًا محبوبتي

لكنَّ موتي لن يَكونَ فِراقْ

في سَكرَةِ الموتِ التي تَنتابُنا

قد تَعرفينَ حبيبتي

أنا كم أُعاني عندَما أشتاقْ

في كلِّ طَيفٍ يا حياتي ألمحُكْ

بالرَّغمِ مِن صَخَبِ الوجودِ،

وهذه الضوضاءْ

نَغَمًا جَميلاً يَستَبيحُ مَسامعي،

نَبعًا تَفجَّرَ أغرقَ الصّحراءْ

تأتي طيورُكِ كي تَحطَّ بأعيُني

وعلى شِفاهي تَعزفُ الأصداءْ

ما كنتُ أعرِفُ كيفَ إحساسٌ بَرَقْ

أو أنْ أُخاطِبَ زهرةً حسناءْ

حتى نَزَلتِ بكلِّ حبِّكِ داخلي

فنطقتُ باسمِكِ أوَّلَ الأسماءْ

طوفي علىَّ وزَمِّليني داخِلَكْ

أنا قادمٌ مِن ألفِ ألفِ شِتاءْ

رَجْعُ الصقيعِ بداخلي يَغتالُني

عَصْفُ الرّياحِ، مَرارةُ الأشياءْ

لا تُغلِقي الأبوابَ إني قادمٌ

طيفًا يَضُمُّكِ في كِيان كِياني

عجزي عنِ التّعبيرِ ليسَ جِنايةً

أغلى الحديثِ إذا مَنعتُ لساني

يا بُؤرةَ الضّوءِ النَّديَّةَ حاولي

لو مرَّةً أن تَسكني شِرياني

ذوبي بهِ

سيري بِدمِّي طفلةً

في داخلي البَدَنُ العليلُ الفاني

أرجوكِ لا تتمهَّلي، وتأمَّلي

كي تَرقُبي مِن داخلي بُركاني

وتَحسَّسِي في داخلي ظَمئي،

شعوري، وَحشَتي، حِرماني

كلُ الذي أخشاهُ في دنيا الهوى

هو أنَّ قلبَكِ مرَّةً يَنساني

أنا لي خِيارٌ واحدٌ

هو أن أظلَّ مُحاصرًا بينَ الفصولِ الأربعَةْ

شيءٌ بديعٌ أن أظلَّ محاصرًا

في قلبِ مُلهِمةٍ بِحقٍّ رائعَةْ

إن تُطلِقي يومًا سراحي فاعلمي

سيموتُ قلبي في الطريقِ ومَن معَهْ

أنا حينَ قررتُ القتالَ حبيبتي

قررتُ وحدي خوضَ أعنفِ مَعمعَةْ

وَجهًا لوجهٍ قد تلاقينا معًا

في نَظرةٍ

سَقطَتْ جميعُ الأقنعَةْ

أنا واثقٌ مِن أن هذي الحربَ لَكْ

بل واثقٌ مِن أن قلبي سوفَ يَلقَى مَصرعَهْ

هذي جيوشي قد أتتكِ حبيبتي

هُم يَرغبونَ

وأنتِ دومًا في الحروبِ حبيبتي

مُتمَنِّعَةْ

فإذا ابتسمتِ انهارَ كلُّ كِيانِنا

أنتِ التي في عرشِ قلبي دائمًا مُتربِّعَةْ

سَلَّمتُ يا عمري لَكِ

هذا اعترافٌ بالهزيمةِ مُسْبَقٌ

إنَّ الهزيمةَ لا مَحالةَ واقعَةْ

وأمامَ جندي كلِّهِمْ

قد جئتُ

أُعلنُ أنني مستسلمٌ

ولكِ

رَفَعتُ القُبَّعَةْ

لا تَحسُبي عُمري بما قد عشتُهُ

أو بالذي في الغدِّ قد أحياهْ

للعاشقينَ حياتُهم، أعمارُهم

فبكلِّ ثانِيَةٍ تَمُرُّ حياةْ

أنا كلما منكِ اقتربتُ أصابني

وَجَعٌ جميلٌ كيفَ لي أنساهْ

أنا كلما بَرَقَ الحنينُ بداخلي

أزوِي وحيدًا أرصدُ المرآةْ

يا هل تُرى هو ذا أنا أم أنني

بالعشقِ صِرتُ سِواهْ

مُتصوِّفًا في العشقِ جئتُكِ مُفعمًا

بالشّوقِ أصرخُ داخلي: اللهْ

عجزي عنِ الكلماتِ ليسَ ترفُّعًا

لكنَّهُ عجزٌ يُفسِّرُ هولَ ما ألقاهْ

مَن لي أنا في الكونِ

غيرُ حبيبتي؟

مَن لي أنا يا حاسدينَ سِواها؟

أنا كلُّ إحساسٍ جميلٍ مَسَّني

ما كانَ إلا بعضَ بعضِ هواها

خَيَّرتُ قلبي عَشرَ مراتٍ وما

يَختارُ يومًا في الهوى إلاها

رِفقًا بها، وبقلبِها، وبحُبِّها

أخشى عليها مِن جنونِ أساها

هي نعمةُ اللهِ التي لو لستُ أملِكُ غيرَها

قَسَمًا بِربي ما طلبتُ سِواها

مَلَّكْتُها قلبي فتلكَ مَليكتي

أسعى، ويَسعى كي ننالَ رضاها

أنا لا أظُنُّ بأنها ماءٌ وطينٌ مثلُنا

هي قبضةٌ مِن نورِهِ سوَّاها

نامي بصدري أنتِ أروعُ طِفلةٍ

نامي بصدري وارصُدِي أحلامي

في كلِّ حُلمٍ تَسكُنينَ حبيبتي

في كلِّ حرفٍ أنتِ في أيامي

في كلِّ نبضٍ في فؤادي فاسكُني

في نِنِّ عيني، في نُخاعِ عِظامي

هَيَّا ارقُبيني حينَ أكتُبُ مُنيَتي

حتى تَرَيْ ما سِرُّ إلهامي؟

لو أنني أفنَى، ولا يَبقى أثَرْ

سيفوحُ طِيبُكِ مِن حُطامِ حُطامي

آمنتُ أن قصائدي خُلِقتْ

لأنكِ دائمًا بحياتي

هي بعضُ ما تركَ الحنينُ بداخلي

هي لحظةٌ فيها أُعانِقُ ذاتي

أنا لا أُطيقُ البعدَ عنكِ للحظةٍ

فإذا ابتعدتُ تَقارَبَتْ مأساتي

ما كنتُ يومًا في هواكِ محايدًا

صوتُ التّحيُّزِ في صدى كَلماتي

أُخفي عليهِم كيفَ يا محبوبتي؟

قمرُ الحنينِ يُطلُّ مِن نظراتي

أنا لستُ أعرِفُ كيفَ أختِمُ ما بدأْ

فهلِ الخِتامُ يكونُ بعدَ مماتي؟

الحصري القيراوني

يا ليل الصّب متى غده؟ أقيام السّاعة موعده

رقد السّمار فأرقه

أسفٌ للبين يُردّده

فبكاه النّجم ورقّ له

ممّا يرعاه ويرصده

كَلِف بغزال ذي هَيَف

خوف الواشين يشرّده

نصبت عيناي له شركاً

في النّوم فعزّ تصيّده

وكفى عجباً أنّي قَنص

للسّرب سباني أغيَدَه

صنم للفتنة مُنتصب

أهواه ولا أتعبّده

ينضو من مقلته سيفاً

وكأن نُعاساً يغمده

فيريق دم العُشّاق به

والويل لمن يتقلّده

كلا لا ذنب لمن قتلت

عيناه ولم تقتل يده

يا من جحدت عيناه دمي

وعلى خديّه تورّده

خدّاك قد اعترفا بدمي

فعلام جفونك تجحده

إني لأعيذك من قتلي

وأظنك لا تتعمّده

بالله هب المشتاق كرى

فلعلّ خيالك يُسعده

ما ضرّك لو داويت ضنىً

صبٌّ يدنيك وتبعده

لم يبقَ هواك له رمقاً

فليبك عليه عوّده

وغدا يقضي أو بعد غدٍ

هل من نظر يتزوّده؟

يا أهل الشّوق لنا شرق

بالدّمع يفيض مورده

يهوى المشتاق لقاءكمُ

وصروف الدّهر تبّعده

ما أحلى الوصل وأعذبه

لولا الأيام تنكّده

بالبين وبالهجران فيا لفؤادى

كيف تجلّده ؟؟

زاهي وهبي

أحبّك أكثر

غداً

حين تكبرين

ينحني ظهرك قليلاً

تجاعيد عينيك واضحة

كأوشام دهريّة

البياض مطلٌّ من ليل شعرك

العشب بين مفاصل ذكرياتك

النّمش في سفوح ظهرك

على مهل تنهضين من سرير الوقت

متكوّرة مثل نون الحنان.

ثمّة أدوية على المنضدة

سعال في الأروقة

زينة أقل

زياراتك إلى المُزيّن نادرة جداً

إلى الطّبيب أكثر

زجاج نظاراتك يزداد سماكة

غضبك سريع الذّوبان

بصيرتك أقوى من بصرك

الواحة في أعماقك أكثر نخيلاً

من الجسد

ما عشناه سويّاً أشدُّ بريقاً

من الذّهب

غداً،

حين تكبرين

سوف أحبّك أكثر

لن أفتقد رماح قامتكِ

صحبتك نخلة مثمرة

لن أطلب ماضياً مضى

كل رجوع يضمر خيبته

كل عودة مشوبة بالنّقصان

سوف أحبّ الشّقوق في باطن قدميك

وحماقاتك المستجدّة بعد الأربعين

أمسك كفّك على كورنيش المنارة

كمن يمسك موجة من مشيب البحر.

غداً،

يتخرّج ابنك البكر

أرافقك كمن يحتضن سحابة

أشدّ على يديك المورقتين فرحاً

منصتاً لحداء قلبك

للدّماء المسرعة إلى وجنتيك

تستعيدين عمراً مضى كإغفاءة عصر

أمس كان يحبو في مرمى حواسك السّبع

(الحنان حاسّتك الأولى)

عائداً بأجراس اللّهفة وفروض البراءة

يتهجّى اسمك بحروف من نسيم

وأنت عند العتبة

مشرئبّة كرأس الرّجاء الصّالح

كم سيّجت عمره بالنذور

وحيدة على حافة نومه

تتخيّلين هذه اللحظة

واقفاً بردائه الأسود

شهادته كآذان الفجر

مبتسماً صوبك كأوّل النّهار

زر الذهاب إلى الأعلى