همس القوافي

قصائد تميم البرغوثي

تميم البرغوثي قصائد

يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني

يا قصيدةْ اْرمي حبالك وانشليني

يا حمامةْ بيضاْ فوق جناْحاتْها عالجنبينْ هلالَ اْحمرْ

وشايلة حبال تِلِفّ الكوكب البشري كإنه خُضار من البلكونة بتشِدُّه

وبياع الخضار ماسك ف إيده صَكَّ واهْبَة فيه حياتها ليهْ

تمن للأرض والخلق اللي فيها

تْشِدِّ في سَبَتِ الخضار ويشدِّ فيهْ

إرميه

بدال ما يشدَّكِ البياع لِعَنْدُه

كبَّري مخك سيبيهْ

واوعي، تسيبيني

يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني

وانشليني زي نَشَّال المواصلة الزحمة،

بالكلمة أو البسمة،

ولاغي الدنيا والهيها

وسهيها

وخديني من جيوبها الورانية الضيقة الضلمة

وحطيني ف إيديك واجري في أول محطة

وطيري بيا في الشوارع

واضحكي لما الأمم تلهث وراكي

بس خليني معاكي

واحفظيني

يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني

وانشليني من بحور مش هايجة خالص،

من بحور اسمنت أو من جَوَّ مِتْحَنَّطْ،

مَاكِتَّ نْجُومُه مِتْفَنَّطْ

كما الدومينو وزهر الطاولة،

غرقان، مش بقى في شبر مية زي ما بيقولوا، إنما غرقان في تفل الشاي

في نقطة مية نازلة من مكيف في قفا موظف بكرش اصلع بيحمد ربنا برضه

فِ دمعة عينيْ من ثلاثين سنة فْ عيني،

بقى وصولها لخدي معضلة عايزالها تسعين دولة ومعونة ومجلس أمن،

غرقانْ يا قصيدة في سكوتي وفي كلامي،

في حروبي مع زُرار كُمِّي

وسلامي عللي نفسي يموت ببطء قوي أمامي

مال ميزاني يا قصيدة فاوزنيني

يا قصيدة ارمي حبالك وانشليني

وانشليني، هاقلب التاريخ كإنه ساعة رملية واصيح:

شيلي هلالكْ واتبعيني

أصلُه في الأيام ديْ باتوا بيصلبوا الناس عَ الأهلة،

تكنولوجيا!

والبني آدم كمان بَقَىْ جسمه ممكن يِتْعِوِجْ أسهل كإنه جنين،

إذا ثَبِّتُّه يبقى هْلال،

وَاْنَاْ يا قصيدة راضي إنيْ أموت على هْلالِكْ

على القفلة في موَّالِكْ

على بسمِةْ مُجامْلَة لو سألت ازَّيَّ أحوالِكْ

وأرضيْ أموت، بلا قافية، عشان العيشة زي الخمسة صاغ

شغلتها بس ترخص الهرم اللي منقوش فوقها،

يا صرَّاف يا متحنتف با قول لك إيه بقى، ماتخليهالك، مش عايزها،

ويا قصيدة لولا إني مِسْتَعَرَّ من الحياةْ كنتَ ادِّيْهالِكْ

والنَّبي شيلي هلالك واتبعيني

أو تكوني انتي هلالي واتبعِكْ

يا عاليةْ جداً في السما وبتغمزيلي أَوَقَّعِكْ

تعبان انا المرَّة ديْ وحياتِكْ يا غالْية وقَّعيني

يا قصيدة وارفعيني أرفَعِكْ

راضي أموت لكن مَعِكْ

وان كنت يا عالية بَاخَرَّف في الكلامْ، صبرِكْ عَلَيَّا واسْمَعِيني

يا قصيدة اسْتَحمِليني

ياقصيدة ارمي حبالك وانشليني

واذكري مرَّة جَمَايْلي يا قصيدة

ولما اموت،

هاتي قَدُوم سِنُّه رقيق، وبحق ما كَتَبْتِكْ بذمَّة

ابقي سَمِّي يا قصيدة واكتبيني…

في القدس

مَرَرْنا عَلــى دارِ الحبيب فرَدَّنا

عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها

فَقُلْتُ لنفســي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ

فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها

تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ

إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها

وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها

تُـسَرُّ، ولا كُلُّ الغـِيابِ يُضِيرُها

فإن سـرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه

فليسَ بمأمـونٍ عليها سـرُورُها

متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً

فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها

في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في في طلاءِ البيتْ

في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها

في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ،

رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،

قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى

وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً

تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً

مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ

في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ

في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ

في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ!

وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماً

أَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم،! وتبصرُ غيرَهم

ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌ

أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ يا بُنَيَّ

حجابَ واقِعِها السميكَ لكي ترى فيها هَواكْ

في القدسِ كلًّ فتى سواكْ

وهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها

ما زِلتَ تَرْكُضُ إثْرَهَا مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِها

رفقاً بِنَفسكَ ساعةً إني أراكَ وَهَنْتْ

في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ

يا كاتبَ التاريخِ مَهْلاً،

فالمدينةُ دهرُها دهرانِ

دهر مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ

وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ

والقدس تعرف نفسها،

إسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُ

فكلُّ شيء في المدينةِ

ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ

في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ

حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِ

تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ

في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْ

في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِ أزرقُ،

فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ،

تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيها

تُدَلِّلُها وَتُدْنِيها

تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيها

إذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها

وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميها

ونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ

في القدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُ

كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْ

ونوافذٌ تعلو المساجدَ والكنائس،

أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُ بالألوانِ،

وَهْوَ يقول: “لا بل هكذا”،

فَتَقُولُ: “لا بل هكذا”،

حتى إذا طال الخلافُ تقاسما

فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْ

إن أرادَ دخولَها

فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ

في القدس مدرسةٌ لمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ،

باعوهُ بسوقِ نِخَاسَةٍ في أصفهانَ

لتاجرٍ من أهلِ بغدادٍ أتى حلباً فخافَ أميرُها من زُرْقَةٍ في عَيْنِهِ اليُسْرَى،

فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراً، فأصبحَ بعدَ بضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِ وصاحبَ السلطانْ

في القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ

واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ

وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: “لا تحفل بهم”

وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: “أرأيتْ!”

في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ،

كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمها وَجَدِيدَها،

والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ

في القدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةً

لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ

يا بْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ

في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،

ف! َتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ

في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِ والكتابُ ترابُها

الكل مرُّوا من هُنا

فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أومؤمنا

زر الذهاب إلى الأعلى