همس القوافي

قصائد الشاعر عبدالرحمن العشماوي , اشعار عبدالرحمن العشماوي

‏‫المقهى الكبير …

غياب أحبتي عني ، حضورُ
فهم عندي وإنْ بَعُدَ المسيرُ

أصافحهم بإحساسٍ عميقٍ
وفي قلبي لهم شوقٌ كبيرُ

أحييهم بأوزان القوافي
وأحرفها فينتشرالعبيرُ

وكيف يغيب من سكنوا قلوباً
فهم فيها الجداولُ والزهورُ

وهم فيهاالمنابع والسواقي
وهم فيهاالسعادةُ والحبورُ؟

تسائلني الحبيبة وهي أدرى
لماذا حزنك الطاغي يثور

تقول: أراك مبتسماً بَشوشا
فكيف يفيض بالألم الشعور

لديك من الرضا والحب كنزٌ
فحظّك منهما حظ وَفير

تسائلني فقلت لها دعيني
فإن جناح أمتنا كَسيرُ

يطير بأمتي شرقٌ وغرب
وأمتنا الجريحة لاتطير

يُغير على مبادئها الأعادي
وتجّارُ الحروبِ ، ولاتُغيرُ

ألستِ ترين عالَمنا كمقهى
كبيرٍ بابُه بابٌ صغيرُ

تجمّع فيه تجارٌ كبار
ملابسُهم لها سَمْتٌ مُثير

يُجهِّز فيه قهوتهم عميلٌ
ويَصنع شايَهم لصٌّ خطيرُ

ونادلتانِ واحدةٌ تغني
وأخرى بالكؤوس لهم تدورُ

وفي غَبَش الزوايا سوء فعل
وأخلاقٌ يحطمهاالفجور

هو المقهى وليس له فِناءٌ
وليس لفِعلِ مُنْكَرِه نَكيرُ

بناه على الهوى الشيطانُ لما
رأى الدنيا بغفلتها تدورُ

له عملاؤه من كلّ أرضٍ
وأكبرهم كأصغرهم حقير حقيرُ

عبدالرحمن بن صالح العشماوي*
الرياض 19-11-1435

‏‫كذلك يرتقي الشرفاءُ..

اللهم تقبل أبطال أحرار الشام في الشهداء …

ليسوا بأمواتٍ فهم أحياءُ
معنىً به يتميز الشهداءُ

رحلوا عن الدنيا رحيلَ بطولةٍ
فيها شموخٌ باذخٌ وإباءُ

خرجوا من الدنيا ومن شهواتها
وإلى بساتين الكرامة فاؤوا

هم جاهدوافي الشام جيشاًغاشماً
نعم الجهاد ونِعمت الأسماءُ

هم عند خالقهم أعزّ مكانةً
نالتْ بهم أحلامَها العَلْياءُ

فجراحهم ألَقٌ ونَزْفُ دمائهم
مِسكٌ به تتضوّع الأرجاءُ

ليسوا بأمواتٍ وكيف يموت من
رقّاه في رُتَب الجهاد فداءُ

الموتُ موتُ القلب في سكَراته
الموتُ أن يتخاذل الجبناءُ

الموت موتُ العقل في أوهامه
الموت أن يتآمر العملاءُ

الموت موت المارقين عن الهدى
بقلوبهم تتلاعب الأهواءُ

الموت موت الظالمين، قلوبهم
غُلْفٌ تُؤجّج حقدَها البغضاءُ

الموت موت منافقٍ ومحاربٍ
للحق ممن أفسدوا وأساؤوا

أما الشهيدُ فإنه في موته
حيٌّ كذلك يرتقي الشرفاءُ

عبدالرحمن العشماوي
الرياض 1435/11/16

(أنت ظلي)

أنت ظلي وأنت لي أصل ظلي
في حياتي وأنت بعضي وكلي

أنت حريتي وأنت انطلاقي
في حياتي وأنت قيدي وغلي

يا كثيري ويا قليلي وصمتي
وحديثي وأكثري وأقلي

أنت وردي وأنت ريحان عمري
وخزاماي في الحياة وفلي

أنت نبعي ودوحتي ورياضي
وجبالي وأنت سفحي وتلي

يا نسيمي ويا رياحي وبرقي
ورعودي وغيث عمري وطلي

جمع الله بيننا في صفاء
وهدانا الى المقام الأجل

عبدالرحمن العشماوي

منها وإليها ..

قالـت: وهبتـُـكَ مـن حبّـي الــذي كـانـا
فكيـف تـصـرف عـنـي الـوَجْـهَ خُـذْلاَنَـا؟

وكـيـف تـمـلأ ليـلـي وحـشـةً وأســـى
وكـــان لـيـلـي بـنــور الـحــبِّ مـزدانــا؟

ألـم تـكـن تــزرع الأزهــار فــي طرقي
وكنت تمنـحـنـي شـوقــاً، وتـحـنـانـاً؟

وكـنـتَ تـرســم لـــي دربـــاَ فأسـلـكـه
وهــل أطـيـق لـمــن أهـــواه عصـيـانـا؟

جعلتَ شعرك لي طُعْمَـاً، فجئـتُ إلـى
رحــابِ شـعـرك أبـغـي مـنـك إحـسـانـاً

رسمتَ لي فوق عين الشمس خارطةً
وصُغْـتَ لـي مـن حنـيـن القـلـب أوزانــا

حـتـى ركـبــتُ جـــواد الـحــبِّ راحـلــةً
إلـــيـــكَ أقـــطـــع آكـــامـــاً، وكُـثْـبــانــا

حمّلتُ نفسي عناء الـدّرب، كـم بقيـتْ
ظَـمْـأى، وكــم بـقـيَ الـوجـدانُ ظمـآنـا

كم كنتُ أشكو جراحاتي، وكم رسمَتْ
عـيـنـاكَ لـــي أمـــلاً يـمـحـو شـكـاوانـا

قطـعـتُ كــل صِـلاتـي، لــم أدَعْ أحـــداً
يـرنــو إلـــيّ، ولـــم أسـتـجـدِ إنـسـانــا

رأيــتُ حـبَّـك يسـمـو بــي فـطـرْتُ بـــه
أبـنـي عـلـى شـرفـات الـنـجـم بنـيـانـا

فجّـرْتُ فـي كـل أرضٍ – بعـد أنْ أمـنـتْ
نفسـي إلـى قلبـك الخـفَّـاقِ – بركـانـا

إنــي وهـبــتُــكَ من حــبـي حـقـيـقـتَــه
فــمــا وَفــيْــتَ ولا أبــديـــتَ شـكــرانــا

يــا شـاعـري، كلّـمـا أخفَـيْـتُ خـاطــرة ً
مــــن الـحـنـيـن، أراد الـقـلــبُ إعــلانــا

إنـــي أحـبّــكَ ، أعْـلَـمْـتُ الـوجــودَ بـهــا
لــــو أنّ لـلـعـالــم الـمـسـحــور آذانـــــا

إنـــي أحـبّــكَ ، هـــذا مـــا أحـــسّ بـــه
ولا أطــيـــق لــهـــذا الــحـــبّ نـكــرانــا

إنــي أحـبّـكَ ، حـتـى لــو أرقْــتَ دمــي
ولــــو تـمـاديــتَ إعــراضــاً وهـجــرانــا !

إنــي أحـبّـكَ ، حـتـى لــو بنـيـتَ عـلـى
دربـيْ الحواجـزَ، أوْ لــم تــرضَ إذعـانـا !

صدقْـتُ يـا شاعـري، مــا كـنـتُ خائـنـةً
ولــــن أخــــونَ وإنْ أصـبـحــتَ خــوّانـــا

شـرّقْ وغـرِّبْ فـلـن تحـظـى بعاشـقـةٍ
مـثـلـي، تـــراكَ لـهــا أهــــلاً وأوطــانــا

أوّاه مـنـكــم تـصــبّــون الــغـــرامَ لــنـــا
صــبّــاً، وتــأَبَــوْنَ أن تــرعـــوا خـفـايـانــا

فقـلـتُ : لا تعجـلـي بالـلـوم يــا أمـلــي
ولا تُحـيـلـي هــــدوءَ الــحــبِّ طـوفـانــا

سلي الليالـي التـي أفنيتهُـا سـهـراً
أصـــوغُ مـــن زفـــراتِ الـقـلـب ألـحـانــا

تُخْبرْكِ أني على حالـي التـي سلفـت
ْمــا خـنـتُ عـهـداُ، ولا أبـدلــتُ مـاكـانـا

أنـتــنّ أوْفَـــى لـنــا مـنّــا لـكُــنّ، فـمــا
جــحــدتُ حــقــاً ولا أبــديــتُ كـفــرانــا

فـيـكــنّ لــلــودّ كــنــزٌ لا مـثـيــلَ لـــــه
و إنْ حجـبـتُـنّ هــــذا الـكـنــزَ أحـيـانــا !

يـا عطـر قلـبـي ويــا ســرّ الحنـيـن بــه
هل نتـركُ الهَـمّ يرعـى فـي خلايـانـا ؟

وهـل نسيِّـب فـي الأعـمـاق حسرتَـنـا
تبـنـي لأحزانـنـا فــي القـلـب أركـانـا ؟

قلـنـا، وقلـنـا، فـهــل زالـــت مواجـعُـنـا
وهـــل حلَـلْـنـا بـمــا قـلـنـا قـضـايـانـا ؟

كـنـا نــرى فــي مـرايـا الـحـبِّ أنفسَـنـا
فــهـــل أبــانـــتْ خـفـايـانــا مـرايــانــا ؟

جـيــلٌ مـــن الـحــبّ أفنـيـنـا بلهـفـتـنـا
أعــوامَــهُ، وسـكـبـنــا فــيـــه نـجــوانــا

سرناعلـى دربــه حـتـى مـضـى زمــن
ٌفـمــا وصـلـنـا، ولـــم تـسـلـمْ مطـايـانـا

أسـأتِ ظنَّـاً، وبـعـضُ الـظـنّ يــا أمـلـي
إثـــمٌ بـــه يـصـبــح الإنــســانُ حـيـرانــا

جـــرى علـيـنـا قـضــاء الله، فاحـتـرقـت
ْآمـالُـنــا وانــطـــوْت أســبـــابُ لُـقْـيَـانــا

أتــــى إلــــيّ نــذيــرٌ كــنــتُ أجـهــلُــه
مبـيّـنـاً بــعــض مــــا أخْـفَـيْــتِ تِـبْـيَـانـا

لا والـــذي جــعــل الأفــــلاكَ ســائــرةً
بــأمـــره، وقــضـــى لـلــعــدل مـيــزانــا

مـا سـرْتُ يومـاً علـى دربِ الـخـداع
ولابَـنَــيْــتُ حــولَـــكِ لــلإغـــراء حـيـطـانــا

قــد يـصـرف الـمـرءُ عــن أحبـابـه نـظـراً
والـشـوقُ يُـوقِـدُ فـــي جنـبـيـه نـيـرانـا

وقــد يُـريـكَ الفـتـى سُـلْــوانَ خـاطــره
ولــــو تـأمّـلْـتَـه، لــــم تــلــقَ سُـلْـوانــا

إنْ أَطْــفَــأَ الــقــربُ نـيـرانــاً مـؤجَــجــةً
فـربــمــا أشــعـــلَ الـنــيــرانَ أحـيــانــا

كـــم مـــن أمـــورٍ أردنــاهــا، ويمـنـعـنـا
منـهـا القـضـاءُ الـــذي يقـضـيـه مـولانــا

أدنـــى الـقـضــاءُ فـؤاديـنــا وأسـكـنـنـا
فــي مـنـزل الـحـبِّ حيـنـاً ثــم أقـصـانـا

آمـنـتُ بالله، أَمْـــرُ الـكــون فـــي يده
ونــحــن نـعــلــنُ تـسـلـيـمـاً وإذعــانـــا

عبدالرحمن العشماوي

‏‫ياربِّ عفوا ..

بيني و بينك جسر حبّ خالدٍ
و رؤى تحرك كلّ قلبٍ جامد

بيني و بينك ياعظيمُ تذلّل
و تَخَشُّع مني و دعوة ساجدِ

بيني و بينك مـن صلاتي سُلم
مازلتُ أمنحه عزيمة صاعد

أرقى بهِ عن هذه الدّنيا التي
تغوي ببهجتها فؤادَ العابدِ !

يارب عفواً إنّ ذنبي لم يزل
عبئاً يُعذّبني و يوهنُ ساعدي

أخطأتُ ياذا العفو حتّى صرتُ في
طـرقِ الأسى أمشي بذهنٍ شاردِ

أرنو إليكَ بمقلةٍ مكسورةٍ
فيها مـن العبراتِ أصدقَ شاهِد

يا ربّ أوهنَ قلبي الشاكي الأسى
ياربّ ماجت بـالأنينِ قصائدي

وجّهتُ نحوكَ يا مهيمنُ دعوةً
صَفّيتُها مما يشوبُ مقـاصِدي !

من ذا يفُكّ الطّوقَ عـن عنقـي إذا
جُمِـعَ الأنام على صعيدٍ واحِدِ ؟

مالي سواكَ إذا تضاربتِ الرّؤى
حولَ الصّراطِ و جفَّ ماءُ الرّافدِ

عبدالرحمن بن صالح العشماوي

ولكنكم غائبون …

جنونٌ.. تقولون هذا جنون
ولكنكم أنتم الواهمون
أقول لكم أيها الغافلون

أقول لكم :
إن ضوء النجوم تدحرج في عتمة الليل..
حين هوى في محيط الغسق

أقول لكم :
إن ناصية البدر جُزَّت فكان الأرق
وإني رأيت الصباح انفلق
فكان الشفق

وأبصرت نهر الضياء جرى في السهول
وأصغيت, حين سمعت النهار يقول
وهرولت حين قرأت على مدخل الفجر:
((أهلاً بمن رغبوا في الدخول))
ولما وصلت..
توقفت حين رأيت من الباب قائد جيش المغول

لماذا توقفت حين وصلت
لماذا بكيت؟
لماذا اكتويت؟
سأخبركم عن معاناة صب رأى الفجر واجهةً
خلفها قبة من ظلام
وأبصر خلف الظلام ظلاماً
وخلف الركام الركام
وأدّى السلام
ولكن قائد جيش المغول أماط اللثام
وقام إليه.. وحرّك رشاشه حين قام
وقال: عليك الرصاص عليك الخصام

سأخبركم بالذي كاد يسلب عقلي..
ويسجنني في كهوف الظنون
ويغرقني في محيط الجنون
تبيَّن أن الذي كنت أحسبه قائداً للمغول

وكنت أقول
وأحلف أني أعي ماأقول
تبين لي أنه قائد الروم يحمل سيف الصليب
وأبصرت وجهاً يطل..
ووجهاً يغيب
وعلمني الهمّ ماتجهلون
رأيت الملاحم, أبصرت ذات القرون
لقد ضحك الحق لي أيها العابسون
فياليتكم تفهمون
تموت سنونٌ وتحيا سنون
وأنتم بأثواب أوهامكم ترفلون
حضورٌ بأجسادكم في المحافل..
يامسلمون
حضورٌ بأجسادكم أيها المسلمون
ولكنكم غائبون
إذا أُلقيت خطبة تضحكون
وإن أُلقيت نكتة تضحكون
وإن صفعتكم يد المعتدي
تضحكون!
وتبكي الكرامة يبكي الإباء
وينفلق الصخر تنفعل المومياء
وأنتم على حالكم تضحكون
فإنا إلى ربنا راجعون!

عبدالرحمن بن صالح العشماوي

‏‫لماذا لماذا؟؟!
لماذا نحارب من يحتسبْ . . ويدعو العباد إلى مايجبْ ؟

لماذا نضخّم أخطاءه . . وندعوه بالواهم المضطرب ؟

لماذا نسيء ظنوناً به . .ونرميه بالسهم لما يَثِبْ ؟

وما هو إلا المحبّ الذي . . يقاوم بحر المعاصي اللّجِبْ

… لماذا نحاصر من يحتسب . . ونبعده حينما يقترب ؟

يقاوم من أجلنا فاسقاً . . ومن يتعدى ومن يغتصب

إذا مارأى منكرا ظاهراً . . تَقصّدَ بالنّصح من يرتكب

ونافحَ عن أمن أوطانهِ
منافحةَ الناّصح المُحتسِبْ

فكيف نحطّم إحساسه . . وننسب أقواله للكذب؟

مُحبٌّ، أنُعرض عن حبه . . ونعطي المودة من لا ُيحبّْ ؟

أقول وفي مقلتي دمعة . . على سوء أحوالنا تنسكبْ :

متى يتّقي اللهَ إعلامُنا
ويَرجعُ من وَعْيه ما سُلِبْ ؟

إذا حاربت أمةٌ ناصحاً . . فسوف نرى حالها تَنقلِبْ

زر الذهاب إلى الأعلى