روايات وقصص

على العنان رواية مذكرات فتاة شات

المقدمة:

النت….كان فتحة في سجن حياتي….دخلت منه كل الأضواء و الألوان….
عالم النت ذلك العالم الأفتراضي الذي يسير بمحاذاة عالمنا ولا يندمج به…..
لم يكن لي هكذا….كان هو حياتي…..سئمت من كلمة ممنوع…..
سئمت من لعب دور الفتاة التي لم تكلم شبابا من قبل…..بينما قلبها جائع للحب…..
تصوم ليفطر قبلها كل الفتيات بكل قصص الحب والغرام التي يتمنون….ثم تبقى هي كما هي…..
وتتزوج هؤلاء الفتيات….وتبقى هي……..لم اكن شيئا ولم يقدرني الناس لكن في عالم النت انا مختلفة….
استطيع ان اكون كما احب…..اقول ما اريد…..اكلم من اريد…..
في النت وجدت نفسي…..ولدت من جديد…..وماعاد عالمي الحقيقي يجذبني بما فيه…..
وفي النهاية جميع البنات يتساوون
هكذا كان تفكيري في البداية…..و من لم يعلمه الواقع يعلمه النت!!

الفصل الأول

الشمس الناعسة تستعد للنوم…..والسماء تلبس شيئا فشيئا ثوبها الداكن…..ساعة ما لا هي ليل ولا نهار….احس ان حياتي كلها مثل ساعة المغيب….هكذا اقول لنفسي وانا اطالع السماء من نافذة الباص الذي يقلني عائدة من عملي إلى منزلي…..الجو حار…وطبقات ملابسي الفضفاضة تجثم على انفاسي…..تجعل الحر ضعفين وجسدي برغم ارتدائي العباءات منذ زمن بعيد لم يعتد على الحرارة قط…..جسدي مثلي دوما متمرد…لا يرضى بشئ مجبر هو عليه….اجد محطتي فاسارع بالهبوط…..تركض بي قدماي وعيناي لا ترى البشر….مجرد وجوه بلا معاني بلا ارواح…..كلهم هواء عندي….عيناي اعتادت على الا تثبت على وجه احد…ولا في عيني احد….وحين اصل الى غرفتي وارد سلاما سريعا على والدتي المقيمة دوما امام التلفاز…..اغلق باب غرفتي واحس اني قد انهيت واجبي الثقيل….تتزاحم في داخلي الأفكار…..اخلع كل ثيابي واسارع باطلاق العنان لشعري بعد حمام بارد….اخلع الألوان الباهتة والملابس الفضفاضة لألبس نفسي الحقيقية….الألوان الحية ما بين الأحمر والأصفر الصريح….البس اخف ما لدي واقصر ما لدي…..اطالع وجهي بالمرآة….احاول ان اقنع نفسي اني جميلة…..اضع كل ما اقدر عليه من مساحيق…واضبط تسريحة شعري…..انظر لنفسي بالمرآة….وقد اصبحت شخصية مختلفة تماما….ثم تأتي اللحظة التي انتظرها كل يوم….اجلس على حاسوبي الخاص….واسارع بفتح ايميلي….وفتح صفحات الأنترنت الخاصة بالمنتديات التي اشارك بها……يبدأ هنا فقط يومي…اخلع قناعي الذي اقابل به الناس….واطلق العنان لشخصي لطبعي لروحي….اكون ما اريد ان اكون عليه بلا ضغوط بلا مبالغات….اكون هناك في ذلك العالم….تلك الفتاة الجميلة الرقيقة المرحة الممتعة دوما في حديثها…..اقرأ كل الرسائل وارد عليها واحدة تلو الأخرى…..اقرأ اخر الأخبار التي تزودني بها صديقاتي الوهميات…..هذة اعترفت بحبها لفلان…هذا ترك فلانة….<> هذا خارج للتو من علاقة طويلة ويحتاج لمواساة….هذا كتب قصيدة في القسم الأدبي حاول جاهدا اخفاء شخص التي كتب لها ولكننا جميعا نعرف انها فلانة…..اقرأ الأخبار واشعر بكل انفاسي تتسارع….اظهر اون لاين للكل…..ويبدأ حديثي مع هذة وتلك وتلك…..تضحك حروفي وملامحي متجهمة….اطلق النكات والممازحات…..اريد ان اظهر لهذة سعيدة وهادئة….لكي لا تفكر اني احترق حسدا لها على خطبتها…..ما اسهل هذا فهي لا ترى ملامحي…..اقرأ رسائل الشباب….هذا يشتاق لي….وهذا يتسآل لما لم احضر…اتذكر اني اعطيته موعد وانا في عملي حتى اجعله ينتظر….تناسيت رسالته لم يكن لي مزاج للحديث مع رجل اليوم…..شئ ما فيّ محتجز في ذكرى حاولت الهرب منها طوال العمل فلم افلح….حاولت الهرب منها هنا فلم افلح….لم يكن يومي للتلاهي…كان يومي لنسيان الدنيا وتذكري له وحده….يحرقني جرح قلبي ويصارعني حبي واحتياج قلبي ليعيش ولو دقائق

في ذكريات يوم كان فيه سعيد معه…..وما إن اترك قلبي يستسلم للذكريات….حتى يعتصر صدري…..اشعر بالدنيا ضيقة….احاول الهرب في افاق النت االواسعة…احدث كل من اعرف اسمع اخبار العشق واخبار القلوب….انصح دون ان تطرف عيني….امزح في صالة الشات مع هذة وابكي في صالة الشات مع اخرى…..اسمع القصص واؤلف احداثا ومازالت تلك الذكرى تحرقني…..افتح صندوقي الوارد في منتدايا الرئيسي فأجد رسالة من العضوة (سمراء)…..تلك الصغيرة التي لم تكمل عامها الثاني والعشرون والتي تصغرني بثلاثة اعوام….تحب الحديث معي فهي مستجدة في عالم النت…مستجدة في المنتدى….قمت بالترحيب بها في قسم الترحيب فتمسكت بي وسارت خلفي في كل موضوع انزله او ارد عليه حتى بادرتها برسالة فردت عليها وصار هذا اول ما تفعله حين تدخل منتدى (اهل الشاطئ)…..كانت تحكي لي عنها وعن حياتها وعن ولعها بالنت هذا الطريق الجديد الذي يلون يومها بالوان لم تكن تعرفها………..
تعبت من مراسلة الفتاة كل يوم على المنتدى…..ولكني احببتها وارتحت لها فمن النادر مقابلة من هم سذج بهذا الشكل على الشبكة العنكوبتية…..(سمراء) صافية القلب مرحة وبريئة تحب غيرها بدون سبب او شرط وتتمنى الخير للجميع….قلت في ذاتي انها لن تكمل شهرا اخر على النت حتى تتغير كليا وتصبح مثلنا…..اصحاب الوجوه السبع….والقلوب العشر…..والأبتسامات الوهمية….ودموع التماسيح….. <> قررت ان ارسل لها عنوان ايملي مع شرح وافي كيف يمكنها ان تضيفني وتحدثني مباشرة حتى لا تتعبني بالأسئلة فهي مازالت جديدة…..وفعلا في خلال ساعة واحدة كانت قد دخلت وتابعت الارشادات وضافتني…واخيرا حدثت تلك الفتاة…..

قالت لي ان اسمها الحقيقي (ايمان)….اذكر انها علقت على اسمي حين اخبرتها ان اسمي (حبيبة) ولشدة اعجابها بي اخبرتني انه اجمل اسم سمعته…..كانت خجولة في بداية الحديث ومنبهرة بتكنولوجيا الشات والحديث المباشر وتلقي الرد فهي معتادة على الرسائل كما انها وكما ذكرت لي من قبل لم يسبق لها ان استعملت النت….حاولت ان تجاملني وتثني علي وعلى مواضيعي وارائي فتبسمت بيني وبين نفسي…..شئ ما يجعلني احب تلك الفتاة….ربما لأنها ترسمني بين حروفها حين كنت بسنها….ربما لأني كنت بنفس سذاجتها او اكثر….لكن هذا الكهف المسمى بالنت….علمني ان الظلام لا يخفي ورودا وجنانا….بل وحوش وانياب…..تأسفت لحالها فربما يتألم قلبها اكثر مني……كلما حدثتني وراقبت طريقتها وتسرعها وصدقها المتناهي وثقتها الزائدة بي رغم عدم معرفتها لي….كل ما عرفت انها ستقع يوما على قلبها……

منذ ذلك اليوم صرنا نتحدث بشكل يومي….وما هي إلا اسبوع واحد كنت قد عرفت انها ادق تفاصيل حياتها…..واستطعت ان ارسم لها صورة من قبل حتى ان اراها ولم يدهشني انها كانت مطابقة لواقعها…..صرنا نتحدث بكل شئ واي شئ….عرفت انها تخرجت للتو من كلية العلوم…..وعرفت مني اني تخرجت من كلية التجارة باللغة الأنجليزية (تجارة انجلش كما نسميها بالمصري) حدثتني طويلا عن اسرتها عن احلامها عن صديقاتها اقربائها….كنت اتركها تتكلم كثيرا….واراقب فيها تلك العفوية والحب اللا متناهي والفرح والتفاؤل بالحياة…. اتلمس فيها

كل شئ فقدته حين انغمست كليا في هذا العالم الموحش…..تأثرت بها واني اعترف……فقد جعلتني اصاب بالحنين…..الحنين الذي حاولت طويلا الهرب منه….وتساءلت لما اختارتني انا كصديقة؟…..ألتشمت بي ضميري؟…..ام لتذكرني بما نسيته من نفسي…..او تناسيته…..لست ادري

فتاتان في عمر الحب…..كان لابد لنا ان نتطرق للحب….حكت لي عن تجارب مراهقتها المضحكة…..ولكني بادرتها بسؤال هز اعمق نقطة داخل روحها….حين قلت لها :
– اخبريني يا ايمان عن العضو (فارس الحب)
تثاقلت اصابعها ثم اهتزت على حروف ليست بحروف الأجابة ثم كتبت بعد دقيقة :
– ماذا به (فارس الحب)؟
– (ايمان)!!…..انتي صديقتي المقربة….اعرف انك تفهمين ما اقصد…..انه يلاحقك…. ويعشق التواجد في مواضيعك والرد على ردودك والتعليق عليها ويزيد من اعجابه بآراءك…..اخبريني هل يراسلك؟
– معك حق……(فارس الحب) انسان رائع جدا في منتهى الذوق…حين دخلت المنتدى اول مرة وقرأت له ورددت على موضوعه قام بدعوتي على كل مواضيعه وقال لي ان رايي اهم راي يحب ان يتطلع عليه…..ومن وقتها صرنا مقربين….
– حبايب؟؟؟
– لا لا…..ليس هكذا…..هههههههههههههههه ماذا تقولين يا (حبيبة)…..
– وهل الحب عيب يا (ايمان)؟
– لا ليس عيبا طبعا…..لكن انا….ليس بيني وبينه شئ من هذا هو انسان محترم وطيب القلب…..
– إلم تفكري ابدا انه ربما يكون يفكر بأمور كهذة حين يراسلك؟
– الواقع لن اكذب عليكِ….فلقد قرأت مثل هذة التلميحات في رسائله ولكني كنت اكذب نفسي فربما اتوهم شيئا

– هل هذا يعني انك تريدنه ان يحبك…؟؟….
– (وجه خجول)….انتي تعرفيني يا (حبيبة)…صراحة انا اتمنى ان يكون معجب بي….وسافرح كثيرا ان كان يحس بشئ من هذا نحوي
– لما ستفرحين تحديدا؟
– لأنه…..(وجه خجول)…لأنه…..لأنه يعجبني……انتي ما رايك فيه؟
– انا لا استطيع ابدا ان اقول لك رايي فيه فانا لم اقابله شخصيا….
– ولا انا…ولكن ما رايك فيه كعضو من خلال تعاملك معه ومشاهدتك لمواضيعه وآراءاه
– حبيبتي (ايمان)….يقولون الحب اعمى….انتي معجبة به فلو اخبرتك شئ عنه مختلف عن صورته بداخلك فستتصرفين وكأنك لم تسمعي هذا شئ طبيعي…
– لا لا ارجوكِ….قلي كل شئ انا اثق برايك مئة بالمئة…..قلي لي كل شئ بصراحة…..
– حبيبتي…..انت منبهرة برجل يهتم بك لم تريه ابدا….هذة تجربتك الأولى مع النت…وهو اول الرجال الذين يقابلوكِ فيها…..انصحك بشدة الا تنجرفي معه….ولا تكوني ودودة معه….كوني حذرة جدا….اما عن رايي الشخصي فيه…..فهو شاب مثله مثل الكثيرين جدا جدا على النت….يعشق القلوب المعلقة بطعم الحروف…..يعشق تذوقها واختطاف قطمة منها دون ان ينهيها…..اقرأي بقية صفحات مواضيعه وانظري من يرد عليه…اقرأي الرسائل في ملفه الشخصي….شاهدي اصدقاءه الذين قام باضافتهم…..ستجدين ان جميعهم بلا استثناء من الفتيات وكلهم بسنك او اصغر…..هذة النوعية من الأعضاء معروفة….يحب ان يكون دون جوان المنتدى….
– ……………..معقول؟
شعرت بصدمتها…..حزنت لأجلها….لكن من الأفضل ان اصدمها انا ببضع كلمات تطعن قلبها….افضل من سوسة حب تنخرها من داخلها حتى الأعماق وتجعلها خاوية مثلي اي رياح تقتلعها من جذور ايامها…..

– لا تردي على رسائله يا (ايمان)…استمعي لنصائحي فهذا الشخص لا يليق ان يكون صديقا لك…..انا ادرى منك ارجوكِ ثقي بي فانا في عالم النت منذ سنوات واعرف الناس امثاله….
– انا اثق بك تماما….انا فقط…..اراه انسان على خلق ودين….ودود وطيب القلب ومتفاني ومعطاء – اي تدين هذا؟…..أبسبب تلك الأدعية الدينية التي يضعها في توقيعه حتى يقرأها الناس فيأخذ ثوابهم….اصبح الدين الآن عند امثاله مثل الكبسولات…تأخذها ضد الأزمات…..حتى يفرجها ربك….الدين ليس هكذا….الدين معاملة لا يتجزأ….لو كان متدين بحق لما حدثك من الأساس ولمح لك بتلك التلميحات…..او لما كان خرج عن المواضيع العامة في رسائله معك واتجه إلى الخاصة….
– ولكن كيف عرفتي؟…..
– هههههههههههههههه….عزيزتي….اسألي الخبيرة…أتحبين ان اخبرك فيما حدثك؟
– لهذة الدرجة تعرفينهم؟….ألهذة الدرجة هذة التصرفات تحدث كثيرا في النت؟
– انها لغة النت حبيبتي….. فقط استمعي لنصيحتي…..
كما توقعتُ تماما فحين توقفت (ايمان) عن الرد بنفس الحماسة السابقة على رسائل ذلك الشاب المكشوف النوايا (فارس الحب)….حتى ازداد هو اصرارا واذلالا معها…..وازدادت هي حيرة وخوف….وصارت تراسله دون اخباري واقرأ فعلتها في سطورها….كانت تلك مرتها الأولى التي يحادثها فيها شاب بهذا الأهتمام وهذا العنفوان….كما انها لا تراه…فالنت يعطي للناس صورة من حروفهم اجمل بكثير من حقيقتهم…تجعل اي شخص وكأنه افضل رجال الأرض……كل الوجوه على النت في البداية كالملائكة…..لا يوجد ما هو افضل واكثر ذوقا وتضحية….في حين اننا لو ركزنا في كل واحد فيهم…سنجد انه قناع واحد يتداولوه فيما بينهم….يظهرنا في وحدة عربية وطنية جميلة….شباب وفتيات متدين متساعد يحث على الأدعية….. يحب ان يفعل الخير…لا يفكر سوى في بناء المجتمع….في حين انهم جميعا فارغون من اعماقهم…..لا يفكرون سوى بانفسهم….كيف تظهر فلانة كيف تظهر فلانة اكثر شعبية من علانة….عن طريق عدد الردود على مواضيعها…..كيف توقع فلانة بفلان الذي يبدو انه احب علانة….حتى تخطفه منها فتنتصر عليها….بينما تقع علانة كسيرة القلب في يد الصياد صاحب الريق المعسول السام….الذي يسمم عقلها بانه مختلف عن من جرحها وأنه ابدا لن يخونها….امر مضحك….

كل شئ تركناه في الواقع من اناس مريضة النفوس نجدها على النت بشكل اسوء مليون مرة مع وسائل مساعدة على الخداع لا حصر لها……فصار النت مكان مستتر للعشاق….يكفل لهم حرية الحب دون مراقبة احد…ودون ايذاء سمعة احد….فما أنت في النهاية على النت سوى اسم وهمي تختاره لنفسك إن تلطخ بالقاذورات يمكنك ان ترميه وتسمي نفسك بغيره…..اضحك ملئ قلبي حين اقرأ التناقضات في البشر بين حروفهم وافكارهم وما يسعون حقا اليه….تلك التي تسعى لنصح هذا وذاك…وتحاول ان تظهر بصورة الفتاة المتدينة العاقلة…وهي تسمي نفسها (فاتنة) او (امورة) او او…..اسم يفتح الشهية للحب…..يدعو الصياد باصبع شهوة…..وليست هذة فقط نموذج التناقض….فهناك نكات ولا اروع….في اسماء الأعضاء فقط….فهناك من يسمي نفسه رجل بحق….رجل ونص….اسماء مضحكة يظن انه بها اقنعنا برجولته…..او اسماء بلا معنى محدد او اسماء شخصيات سنيمائية…..اسماء الفتيات التي تدل على مدى جمالهن وانوثتهن ورقتهن…حتى غرورهن…يعترفن به في اسماءهن….والأسماء التي لا يمكن ان تعرف منها ما اذا كان صاحبها ذكر ام انثى تلك التي تعبر عن حالة او فعل مثل (ذبحني فراقه…..ما انساك….فديت الغالي…..شوقك ماله دوا)……

ظلت (ايمان) في صراع بين نفسها التواقة للحظات السعادة والحب وبين رأيي الذي يناصره ضميرها…حتى جاءتني مستغيثة بأن (فارس الحب) قد ارسل لها رسالة لا تعرف كيف ترد عليها…ارسلت لي نص الرسالة :
غاليتي (سمراء)…..
حروف اسمك تكتبها اصابعي كثيرا بيني وبين نفسي…..قد تتفاجئين بكلامي ولكني انا نفسي ضبطت نفسي متلبسا بالتفكير المتواصل فيكِ….لم اعد اعرف ماذا جرى لي منذ عرفتك….شعرت بذلك من اول مرة رايتك فيها ولم ارد ان اخبرك حتى لا افقدك افضل الموت على هذا……انتي صديقتي الغالية فأتمنى ان تنصحيني وتخبريني من انا….هل انا فارس الحب ام ضحية الحب….ام فارس السمراء…..تلك التي رودتني عن قلبي فاستسلمت….انت وحدك تعلمين…..فارجو ان تردي علي باسرع وقت…..

ضحكت بصوت مرتفع حين قرأت الرسالة…..انه يذكرني بشخص عرفته….انه يعرف (ايمان) وقلبها الذي لن يصمد امام رسالة كهذة وستقع عند قدميه فورا…..فهو يمثل امامها دور العاشق الذي انتهى عالمه ولم يعد قادر على الأخفاء…خدعة قديمة لا اكاد اصدق انه مازال يستعملها وهو من المفترض انه خبير بعالم الفتيات…..حاولت اللعب قليلا….فسألت (ايمان) عن مدى ثقتها بي…..وحين اعلنت ثقتها التامة بي…..طلبت إليها الا ترد عليه لمدة ثلاثة ايام….وراهنتها انها حين تدخل بعد ثلاثة ايام ستجد على الأقل ثلاثة رسائل منه اخرى….وهذا ما حدث فعلا…اخر رسالة منها كان نصها :
ايتها السمراء الحبيبة
اين انت…..ارجوكِ ان تجيبيني….انا في غاية القلق عليك….لم استطع النوم ليلة امس وانا افكر انه ربما كان مكروه ما قد حصل لك…لكن ان كنت بخير وقد ساءك اعترافي العظيم….فأرجو ان لا تقلقي ولا تخافي…فأنا صديقك ولم اتغير ولن اتركك ابدا إلا اذا طلبت مني انت ان اتركك…..فقط ارسلي لي ولو رسالة فارغة لأعرف بها انك بخير ويطمئن قلبي…وإن كنت لا تريدين هذا القلب بين يديك…فلا بأس فأهم ما لدي هو ضحكتك…..وانسي كل شئ….انتظرك
يبدو انه لا يكترث بمسألة كرامته ولا يفكر ابدا بانها قد ترفض من هو مثله…انه يثق بسذاجتها اكثر مما يثق بسحره على النساء…..ويعلم انه كلما ضغط عليها بالحب كلما غرقت فيه اكثر…ولقد كان محقا فلقد بكت (ايمان) كما لم تبكي في حياتها هذة الأيام الثلاث….واعترفت لي انها ايضا تحبه وربما اكثر بكثير مما قال في رسالته…..وقالت الكثير من الكلام المضحك…..مثل انه هو الذي حلمت به طوال عمرها…وقد وجدت فيه كل ما تبحث عنه….لم اتمالك نفسي فرددت عليها بحدة :
– (ايمان)…انتي ساذجة…وهذا ما يحتاجه بالضبط ليستولي على قلبك…..لا تعطيه هذة الفرصة…انه يتظاهر بحبك ويكتب لك الرسائل انه قلق عليك وإنك ان كنت حتى ترفضين قلبه فأرسلي له رسالة فارغة….تمثيلية سخيفة ومكررة…
– وكيف تعرفين هذا؟….ماذا لو كان يحبني بالفعل…مثل ما انا احبه…ماذا لو كان مثلي انا وقعت في حبه….فلما لا يقع هو في حبي….
– اسمعيني حبيبتي الرجال ليسوا مثلنا…..انه لا يعرفك اصلا حتى يحبك…..من انت بالنسبة له؟…..كم رسالة ارسلتها له وكم رسالة ارسلها لك؟….عشرة عشرون؟….
– …..سبعة…..
– بالله عليكي….اتظنين انه يحبك؟…..انه حقا لا يهتم من انت…انه فقط يهتم بغروره المريض….يريدك ان تحبيه ايا كنت….انه لا يفكر بأي شئ قادم او مضى….يفكر باللحظة فقط التي ستسلمي له فيها قلبك…..وبعدها يتلذذ بك كما يشاء….قد يتظاهر بأنه ابتعد عن كل الفتيات سواك….قد يتظاهر بأنه يتعذب لبعدك عنه ولأنه لا يستطيع الوصول اليك…..بكلامه المعسول هذا وقلبك الرهيف سيحصل عنك على ما يشاء ماعليه سوى ان يطلب منك ماهو سئ لكِ ويلبسه ثوب الحب….فترينه كما تريدين ان تريه…..وبعدها لن تستفيدي شيئا…
– (حبيبة)…..انا اعرف انك خائفة علي ولكني لا افهم سر حقدك على الرجال بهذا الشكل……وكأنهم جميعا ذئاب…..من المستحيل ان يكون كل الرجال بشعون هكذا…..
– اعرف ذلك….لكن صدقيني من يستعمل هذة الطرق الملتوية فهو حقا ذئب…..
– ألم يسبق لك ان وقعتِ في الحب أبدا يا (حبيبة)؟؟؟….أنا مستغربة أنك لا تحسين بما احس به…..
شعرت بتلك النبضة القديمة في قلبي……وصحى الجرح الذي تمنيته ميتا….هل أحببت؟….ماذا كنت…وماذا اصبحت…كله بسبب الحب….ماذا جنيت…وماذا فقدت…..كله من الحب…..هذا القلب الذي يئن بداخلي بلا هوادة…..هذة المرارة التي تتلذذ بتآكلي من الداخل….سحقا للحب….فقد حنطني….ولم يبقي مني ذرة فرح إلا ودمرها من داخلها….هل أحببت؟؟؟
-أحببت؟؟؟
– نعم أحببت يا (ايمان)….ولن تصدقي إن قلت لك اني ادفع عمري القادم والماضي ثمنا ليعود قلبي خاليا هادئا بريئا كما هو قلبك الآن….انت لا تحسين بمدى الثروة التي بين يديك ولا تصدقين كم يدفع من اجلها ويكافح من اجلها الذئاب…..فطعم القلب الصافي كشربة من نهر الجنة….الأنسان لا يملك سوى قلب واحد يا (ايمان)….وهذا المدعو (بفارس الحب)….لا يستحق قطعا نبضة واحدة من قلبك….
– لماذا؟…..ماذا حدث لك من الحب؟….أليس الحب هو اجمل مافي الوجود؟
– الحب اجمل مافي الوجود حين يكون في صورته الصحيحة وحين تعطيه لرجل يستحقه….أما غير ذلك….فهو….طريق مسدود ستدفعين من احشاءك ثمنا للعودة لكل خطوة فيه….ولابد لك ان تخسري شيئا جميلا بداخلك…..
توقفت عن الكتابة لها لأني شعرت بسكاكين الذاكرة تطعن قلبي في اعماقه….وحاولت كثيرا (ايمان) ان تسالني تحاكيني…..وانا لا اجيب….حتى كتبت أخيرا دون أن ادري ما اقول….
– (إيمان)…..لقد كنت مخطوبة وفسخت خطبتي منذ خمسة شهور…..

خانتني دموعي وظللت ابكي….لم اقرأ كلمات (ايمان) او استفساراتها…..كنت اريد ان انزل هذا الثقل عن كاهلي واحكي لها كل شئ……مرت حياتي امام عيني…..هذة السنوات….ماذا كنت وماذا اصبحت…..وحبيبي يقف بوجه متجهم يحدق بي…عيناه تلومني…..يحرقني الذنب….اسقط في اغماءه من الذكريات….

يتبع……

يتبع!!!!الفصل الثاني

استلقيت على فراشي واغلقت عيني……اعادتني (ايمان) بكلامها وشخصها ثلاث سنوات إلى الوراء….ماذا حدث لي فبقيت هكذا….وماذا كنت ساصبح لو سلكت هذا الطريق وليس ذاك……لما سار كل هذا؟….هل العيب في أم في اهلي…..هل هو والدي؟…..اهو السبب….ذلك الضابط الصارم الحازم الذي لا يرى في النساء سوى التبعية…….صورته المعلقة في الصالون…..وهو يرتدي البذلة العسكرية….يحدق بمن في البيت بعين الرقابة……حتى من صورته…..ليسير كل شئ في البيت كما رسم له…..توابع…جميعا كنا له توابع….حتى اخواي الوحيدان….(خالد) اخي الكبير الذي قرر أن افضل طريقة للتخلص من سلطة والدي هو ان يكون نسخة منه طبق الأصل…..حتى أصبح مثله يبحث عن توابع…..يصدر الأوامر…..يترقب…..حتى انه اصبح ضابط مثله……حين تزوج تنفست انا وامي الصعداء…..وتبعه بعدها بسنة واحدة اخي (رمزي)…..فقد تزوج هو الآخر من زميلته بالجامعة……درس (رمزي) بجامعة في مدينة اخرى مما جعله يعيش خمس سنوات كلية الهندسة بعيدا عن جو هذا البيت الذي يشبه الثكنة…..وحين عاد لم يتحمل…..تزوج سريعا وسافر إلى احدى دول الخليج ليكون له ولأسرته مستقبل افضل….. <> اما امي…..فهي برأيي الشخصي كانت افضل شخصية يمكن أن تتزوج والدي…..انسانة بسيطة طيبة القلب لا تريد من الكون سوى ان تكون في بيت بابه مغلق عليها وان تحمل اسم رجل ويكون لها اولاد….اما غير ذلك فلا يهمها في شئ….عاشت لأجل هذا الهدف السطحي….وتوقفت طموحاتها عند هذا الحد…..لم تشاركنا اي من مشاكلنا…..لم تحاول ردعنا عن خطا او توجيهنا لصواب سوى بجملة عابرة…..او جملتها الشهيرة (لو علم والدك لقتلك)….وهذة الجملة كانت كافية لاعدامنا واقفين امامها……امي كانت بالنسبة لي انسانة هامشية….لوبكيت على صدرها لما سألتني عن السبب….ولو ضللت الطريق لما اعادتني للطريق الصحيح…..لأنها ربما كانت تجهل المبادئ التي ربانا عليها والدنا بالقوة…..ولم تكن تدري الحكمة منها فكانت تكتفي بالصمت او تكرار كلام والدي كالببغاء……بحكم وظيفة والدي كان يسافر اشهر طويلة بعيدا عن البيت ويعود ايضا اشهر طويلة…..فكان اخواي يعيشان حياة مختلفة بين هذة الفترة وتلك….فترة من الحرية المطلقة….وفترة من السجن مع الأشغال الشاقة…..

اما أنا….طوال هذة السنوات كنت انسانة مهدرة…..بلا شخصية……اسمع منهم ما يجب ان اسمع….اما ما لا يجب ان اعرف فليس هناك سبيل في الكون ليوصله إلا عقلي……كان هناك الكثير من الغضب والرغبة في التمرد القابعة بداخلي…..طمستها اغلالي في بيت يحكمني فيه ثلاث رجال…..وليس واحد فقط…..لم أكن اعرف حقا كيف اصبح انثى….اجبرت منذ الصغر على حجاب لم افهم معناه……كنت اعتبره مجرد قماش يخنقني ولا يسمح لي بعمل التسريحات التي احبها في شعري لأكون مثل زميلاتي اللاتي في سني….وحين كبرت واصبح الحجاب موضة….اشكال والوان وابداعات في رسم قماش الحجاب فوق الرأس…..كان الفرمان التالي وهو ان ارتدي عباءات…وطُرح تصل إلي ما قبل سرتي!!…….كنت امقت ما يجب على ان ارتدي….كنت احس اني وسط زميلاتي دون ان اكون وسطهم….وكأني لست مثلهم….ما يفرحون به لا يمكنني أن افرح به…..الألوان الجميلة المتميزة…..الموضات المختلفة….. <>الرسومات الرقيقة فوق كل ثوب…..الورود التي يصنعوها على رؤسهم من قماش الطرح……كل شئ كان يبهرني….ولم يسمح لي إلا فقط بالمشاهدة…..طلاء الأظافر اللامع…..المكياج بمختلف انواعه….لم اشعر اني انثى…..ولأنعدام وجودي في البيت لم يكن بوسعي حتى ان اشعر اني رجل….كانت صديقاتي يظنون اني شديدة التدين في حين اني لم اكن كذلك على الأطلاق…فهو مجرد مظهر اجبرني والدي عليه….ولو اتيحت لي الفرصة لخلعته كاملا…..لم أكن استطيع ان اجد شيئا اتحدث فيه معهن….فكنت صامتة دوما اكتفي بالمشاهدة….زادت انطوائيتي كلما زاد اختلافي عنهم وتشدد اهلي علي….حتى انني نسيت كيف يكون الكلام….حين يوجه لي اي احد اي كلام….تتعثر الكلمات فوق لساني….وافقد صوتي بشكل غريب…..كنت اشعر بنظرة زميلاتي لي وكاني كائن فضائي من كوكب آخر….كنت اتمزق من شفقتهم علي…..وكان هذا كفيلا بقتل أي ثقة في النفس بداخلي….فمن يمكن ان يشعر بوجودي وسط هؤلاء البنات….من الرجل الذي يمكن ان يتطلع لي….وانا بهذا الشكل….مجردة من اي زينة…..لم اكن ابالي كثيرا حين كنت في المرحلة الثانوية….ولكن حين دخلت الكلية بدأت اشعر اني افقد انسانيتي بالوقت…..أن حياتي ليست ملكا لي بل هناك من يرسمها بالنيابة عني ولست ادري لما يجب علي أن انصاع…..حين جاءت لي كلية العلوم في مدينة اخرى وقد كنت آمل الالتحاق بها ففؤجئت أن هذا حلم غير وارد الحدوث لأن الثلاث رجال ببيتي لا يمكن أن يسمحوا لامرأتهم ان تذهب مدينة اخرى….فانتهى كل جهدي ومستقبلي على كلية الشعب كما يسموها…(كلية التجارة)….شعرت بحنق شديد حين دخلت من بوابتها اول مرة….لم اختارها ولم يكن في بالي يوما ان التحق بها…..ولكن من قال انه يمكنني الأختيار….شئ ما بدأ يفور بداخلي شيئا فشيئا حين دخلت عالم الجامعة….الرحلات التي كانت تضم زملائي ويضلون يحكون عنها بعدها باسبوع كل يوم وكل ساعة عن مدى المتعة التي تلقوها فيها….وينظرون إلي بعين الشفقة يقولون..(مؤسف انك لم تكوني معنا ضيعتِ نصف عمرك)….ضيعت نصف عمري…كانت تلك الجملة تؤرقني….اني اضيع عمري…..لم يسمح لي طوال سنين الكلية كاملة ان اذهب لأي رحلة…..ولا الخروج منفردة مع صديقاتي….او زيارة احداهن في بيتها….او الذهاب لأي مكان بعد انتهاء المحاضرات…..لم يكن مسموحا لي بأي شئ آدمي….فكنت كلما اُقترح علي اي شئ تنفر نفسي منه لأني واثقة ان والدي او اخوي لن يقبلا….

بدأ برعم قلبي يتفتح….وبدأت عيناي تتطلع إلى الجنس الآخر….الشباب….زملائي…..ولكني لاحظت اني بخلاف جميع زميلاتي…..لا يتطلع أي منهم إلي…..فلم يفكر في أي زميل….ولم يحاول التقرب مني اي زميل….ولم يتطلع لوجهي اي رجل مرتين…..وكلما كنت اسمع عن القصص الغرامية لكل واحدة من زميلاتي كنت اشعر شيئا فشيئا ان هناك خطأ ما في…..كنت اتألم كثيرا حين يعجبني زميل فأجده يعجب بزميلة اخري….وكان الأمر اكثر الما حين تتزين لتقابله….بينما ليس من حقي حتى أن اتزين لكي اثير انتباهه…..وكأني كاملة…عورة يجب اخفاءها لعل احدا لا يحس بوجودها….وكان لأهلي ما ارادوا….فأنا نفسي لم اكن احس بوجودي….. <>كنت اشعر ان حياتي كلها عبارة عن مشاهدتي لحياة الغير وهي تتقدم بينما انا واقفة في مكاني للمشاهدة فحسب…..كان الغضب يزداد اكثر واكثر بداخلي…كنت أحس اني على وشك الأنفجار في اي لحظة…..لكن (آية)….فقط هي من كانت تقف بجانبي…..

(آية) كانت ابنة لصديقة لوالدتي…..كانت فتاة ممتازة….عاقلة ومتدينة وطيبة القلب وحنونة للغاية….استطاعت ان تجعلني ارتبط بها كثيرا وافتح لها قلبي…كانت تتالم لحالي ولكنها ابدا لم تفشي اسراري…..كانت تحاول دوما مؤازرتي ومساعدتي…..كما انها كانت ترتدي العباءات ايضا…..كانت تخرج معي لتختاار لي على ذوقها…..كانت تحاول دوما ان تخرجني مما انا فيه عن طريق اخباري انها هي ايضا فيه…..ولكنها كانت تعرف الفرق الشاسع بين حرياتها وحرياتي…وبين اهلها واهلي….ولكنها كانت تحاول دوما ان تشابه بيني وبينها…..لم يكن كل هذا يهمني فمنذ عرفتها انطلق لساني معها…فقد كنت ارتاح لها كثيرا…حتى انها كانت الوحيدة التي يتركني اهلي ازورها في بيتها…..وكانت تتركني استعمل حاسوبها فأنا في بيتي لا استطيع الجلوس على الحاسوب اكثر من ساعة واحدة في اليوم بسبب اخوتي…..كما انها علمتني الكثير من برامجه وكيفية التمتع به…..كنت احب (آية ) كثيرا فلقد كانت بالنسبة لي نافذة للهواء في غرفة حياتي الخانقة…..وبقيت علاقتي معها تتوطد اكثر واكثر بعد تخرجي من الكلية……..

أتذكر تلك اللحظة التي عدت فيها من زفاف اخي الى البيت….حيث سافر والدي لعمله في الصباح التالي….ولم يعد احد من اخوي في البيت…..وبقيت انا وامي فجأة وحدنا…..شعرت بشعور غريب جدا……شعرت بفيض كبير من الحرية لست ادري ما افعل به….فقد اعتدت على كلمة ممنوع….على ان كل شئ غير مسموح…..اعتدت على الطاعة…..لكن كل زمرات التمرد بداخلي وصلت لأقصى الحدود…..البيت كله صار لي……وغرفتي والغرف الأخرى….وجهاز الكمبيوتر…..حياتي كلها تغيرت كليا حين تزوج شقيقاي……فلم تمانع والدتي من زيارة صديقاتي لي في بيتي…..صحيح لم يكن لي آن ذاك اصدقاء سوى (آية)…..ولكن حين جاءتني وجلسنا سويا في غرفتي نتحدث…..كانت من اجمل لحظات حياتي……اقترحت علي ان انقل جهاز الكمبيوتر إلى غرفتي فلم يعد احد يستعمله غيري…..وهذا ما فعلته بالضبط….. <>واخذت سلك النت من نافذتي…..اصبح بأمكاني استعمال الجهاز متى شئت وكيفما شئت….وليس هذا فحسب بل اصبح بإمكاني ارتداء ما شئت من الثياب في منزلي…..ووضع ما شئت من المكياج…..عمل كل شئ اريد…..حتى الخروج….لم تكن والدتي تمانع طالما هو في ساعات الشمس وليس ساعات القمر……وقررت أن اكسر الأغلال…..واصبح (حبيبة) اخري….

لم أترك صديقة إلا وسألتها عن كل شئ كان ممنوعا عني من قبل…..في المكياج والألوان والملابس البيتية والداخلية وتسريحات الشعر والأهتمام بالبشرة وغيره وغيره…..وفي خلال شهرين….كنت انثى بمعنى الكلمة…..بمجرد ان استيقظ…..اضع مكياجا كاملا……كل ملابس البيت التي اشتريتها من جديد كانت تحمل طابع الحرية الذي اصبحت عليه……اغلقت درج الدولاب الأول على ملابسي القديمة….. <>وبقيت حتى اكره النظر إلى اللبس الواسع ذو الألوان الباهتة….مشكلتي كانت في ملابس الخروج….ولكن هذة بالذات لم يكن بامكاني تغييرها….كانت حريتي خاصة سرية…..لم يعرف أحد بها….من اسرتي جميعا سوى والدتي…..حتى حين كان يأتي احد لزيارتنا كنت ارجع إلى صورتي القديمة معهم…..واجلس ربع ساعة فقط….واعود إلى غرفتي….لأعيش حريتي كما اريد……لم تكن لي اي رغبة في البحث عن عمل او الخروج من المنزل لأنني كنت فعلا اقدر معنى هذة الحرية ولا اريد ان افوت لحظة منها…..

اثناء زيارة (آية) لي……علمتني كل شئ في جهاز الكمبيوتر….كيف استفيد وكيف ابحث على النت عن المعلومات……الأبحاث….الكتب….لم تعلمني سوى ما هو مفيد لي……سالتها عن كيفية عمل ايميل….فارتني الطريقة….وقامت بأضافة ايميلي الجيدد لديها….وارسلت ايميلي لجميع الأصدقاء المشتركين…..لكي نتمكن من التواصل……وكانت تلك بداية التصاقي بالحاسوب طول يومي…..اشتركت لي على الفيس بوك موقع اللاصدقاء الشهير……وارتني كيف احافظ على خصوصياتي ونهتني على ان اضيف رجل….وخصوصا لو كنت لا اعرفه…..وقامت بدعوة العديد من الأصدقاء ليضيفوني…….(آية) غيرت حياتي…..علمتني كيف اكون اجتماعية….او اجبرتني لست ادري….اعطتني العديد من الكتب….ارسلت لي العديد من اسماء المواقع المفيدة…..ساعدتني في كل شئ…..كانت (آية) لا ترى النت سوى في التواصل مع الأصدقاء الذين يصعب علينا مقابلتهم……واكتساب اكبر قدر من المعلومات والاستفادة……وقامت بالأشتراك بايميلي في العديد من المواقع المفيدة……واخيرا…اشتركت لي في منتدى اسلامي اسمه (منتديات عطا الأسلامية) لكي اعود له في حالة رغبتي بمعرفة اي شئ عن الدين وغيره…..واعطتني اسما مستعارا وهو (مُحبة لله)

كنت سعيدة جدا في البداية…..حيث يمكنني مراسلة صديقاتي….يمكنني ان اكتب ما يعجز لساني عن قوله…..يمكنني ان ارى كيف ابدو لطيفة وصافية….فأكتب فأكون كما اريد ان اكون……لم يعد التلعثم يزعجني فلا تعلثم في الكتابة…..لم يعد الخجل حاجز……شعرت فجأة انه يمكنني الحديث مع من اريد كما اريد دون أن اخاف ان يحكم علي او يتطلع إلى ثيابي اللي تبدو في عيني سخيفة اويشعر أحد حين اكلمه اني مختلفة او من عالم اخر….حين تكلمت على النت وبدأت افهم لغة النت من صديقاتي والكلمات ومعناها اصبحت اتكلم مثلهم…..اخيرا وجدت نفسي مثلهم…..كما تمنيت دوما……ما عدت تلك الفتاة الفضائية……كما اني حين اشتركت في هذا الموقع الأسلامي….وجدت طريقة اخرى للتعبير عن نفسي لم تكن موجودة لدي من قبل…..ففي ذلك المنتدى كان هناك العديد من الأقسام المختلفة….قسم للموضوعات العامة وقسم للنقاش…..وكان للكل حق ابداء الرأي في قضايا مختلفة…..شعرت بسعادة غامرة وبالحرية تسري في عروقي….دخلت وابديت رأيي في اول موضوع صادفني….كتبت ردي وانتظرت بجانبه…..حتى ارى كيف سيعلق عليه الناس….وللمرة الأولى كان رأيي ذات صوت مسموع….ناقشت معي صاحبة الموضوع رايي….ورد عليه بعده العديد من الأشخاص…..شعرت للحظة اني حققت اكبر حلم لي في حياتي….رأيي كان ذات قيمة…..وتم اعلانه على صفحة من صفحات الأنترنت كما انه تمت مناقشته واستحسانه والرد عليه ايضا…… <>شعرت ان عالم النت هذا هو العالم الذي يجب اان اعيش فيه….فلا احد فيه يقلل مني….بل لا احد يعرفني من الأساس….يمكنني ان اكون شجاعة فيه وذكية ومقنعة وصاحبة رأي…..يمكنني أن اكون فيه كما اشاء…..لم اترك قسما إلا ودخلت فيه….لم اترك موضوعا إلا ورددت عليه…..كان لدينا ايضا قسم لطرح مشكلات الأعضاء الشخصية والعائلية واحيانا العاطفية لكن بشكل رسمي…ومساعدة هؤلاء الأشخاص والرد عليها ونصحهم وتوجيههم للطريق الصحيح…..دخلت هناك وعرضت رأيي في بعض المشكلات فلاقت استحسانا كبيرا….لقد اصبح رأيي مسموعا….ومحبوبا……فلما يجدر بي ان افعل شئ آخر سوى الدخول لهذا العالم الجميل في يومي كله لأحقق ما اعجز عن تحقيقه في حياتي الشخصية…..

لم تأتي لي الجرأة ابدا على دخول موضوع صاحبه رجل……كان هناك شئ ما بداخلي يجعلني اشعر أني لن اتمكن من التعامل مع اي رجل سواءا في الواقع او على النت…..ذلك الحاجز بقي في داخلي ولم تتمكن هالة حرية النت من كسره…..ولكني قررت ذات يوم ان انزل موضوع بنفسي في المنتدى…..قمت بكتابة موضوع بطريقتي عن اختلاف لغات العرب….فكل واحد فينا يتحدث لغة مختلفة….ولكننا جميعا واحد…..وهذا يظهر واضحا في هذا المنتدى وتفاعل اعضاءه سويا مع اختلاف جنسياتهم….موضوعي لاقى نجاحا باهرا…..توالت صفحاته…..وقام رجال ونساء من مختلف الدول العربية بتسجيل اعجابهم به…..حتى جاء مشرف القسم العام……العضو (ديني اولا) وقام بتسجيل اعجابه الشديد بموضوعي…..ووجدت انه ايضا قام بتثبيت موضوعي هذا ليبقى دوما في مقدمة المواضيع……اول موضوع لي تم تثبيته هذا اكبر مما احلم به……كدت اجن من السعادة يومها واخبرت صديقتي (آية) بهذا الأنتصار…..ففرحت لأجلي….واستغربت فرحتي الغامرة…..

كنت اشعر في هذة اللحظة ان حياتي بدأت….وانني احقق اشياء كنت احلم دوما بتحقيقها…في الواقع لم يكن مسموحا لي حتى ان احلم بها…..لكن في هذا العالم الوهمي حققتها وحققت اكبر منها بكثير…..كنت اشعر شيئا فشيئا انه لا شئ في واقعي يجذبني لأعيشه فأنا فيه انسانة لا قيمة لها ولا وجود لها ولا احد يلاحظها……لكن في النت الكل يعرفني الكل يحترمني…..اسمي اصبح الناس يعرفونه….وينتظرونه في مواضيعهم….لم يعد يغريني عالمي بكل مافيه….بل أنني كنت اقضي وقتي بعيدا عن الحاسوب افكر في تلك اللحظة التي سأستعمله فيها لأفعل كذا وكذا وكذا……لم أكن اعلم ان هذا العالم سيدمرني ويدمر كل ماهو جميل بداخلي…..وكانت تلك البداية….حين وصلتني رسالة خاصة في المنتدى من آخر شخص توقعته ان يراسلني…..المشرف العام (ديني اولا)!!

قلبي كاد ينفجر كالقنبلة حين رأيت تلك الرسالة واسم هذا الرجل تحتها……وقفت قليلا وانتبهت لنفسي ولما اعيشه في تلك اللحظة التي كانت وقتها تاريخية….فلقد تلقيت اول رسالة من رجل في حياتي…..ترى ماذا يريد….لم استطع ان انتظر اكثر من ذلك فلما مجال للتفكير….ففتحت الرسالة فورا….
فتحت الرسالة باصابع مرتعشة……وقرأت:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختي (محبة لله)
لاحظت في الآونة الأخيرة تواجدك المستمر في اقسام المنتدى جميعا بلا استثناء…..ونشاطك الباهر وآراءك التي تستحق الثناء…..وأحببت ان اسجل هنا اعجابي الشديد بما تفعلين….فقد جاء موضوعك الأخير باسلوبك وبفكرك ليعبر عن مدى تميزك……اردت ان اقول لك اني معك لأقول لك إلى الأمام دوما…..فأنت لديك اسلوب شيق في عرض رأيك…وكنت اتساءل ان كان يمكنك كتابة موضوع فيه اجزاء تاريخية عن الوحدة الوطنية بين العرب….ودور الاسلام فيها…..سيكون هذا رائعا ويمكنك اطلاعي على كل جزء كتبتيه لنتباحث سويا ونتناقش فيه إن لم يكن لديك مانع وإن كان لديك الرغبة….فقد يحقق هذا الموضوع ضجة في المنتدى وتأخذين وسام صاحبة افضل موضوع….وسيسعدني أن تحصلي عليه اختي نتيجة لجهدك وابداعك……انا معك وانتظر ردك
اخوكي في الله (ديني اولا)

وقفت فجأة بعد قراءة الرسالة……كانت كل ملامحي تحمل انتصاري وانبهاري بما وصلت إليه وما اصبحت عليه…..كدت اقفز في مكاني فرحة….وضعت يدي على قلبي فوجدته يدق بجنون…..تسارعت انفاسي….سرت نحو المرآة….فرأيت وجهي احمر للغاية…..تساءلت بداخلي اكل هذا لأني قد اصبح صاحبة افضل موضوع واحصل على وسام ام لشهادة هذا الرجل اني مذهلة ام لأنها المرة الأولى التي اتحدث فيها مع رجل في حياتي……لم اتحدث معه بل هو من ارسل لي….هو من ارسل لي من نفسه….لأنه اعجب بكل ما فعلت…..انه يراني مجتهدة ومبدعة….لا اكاد اصدق……هذا رأيه اذا في…..بل ليس هذا فقط انه يشجعني….ويريد ان يساعدني في كتاب ةالموضوع ليضمن لي الفوز بالوسام…..ليس هذا فحسب بل انه ينتظر ردي…..سأرد عليه….سأرد عليه؟؟؟…..<>ماذا سأقول لرجل رائع كهذا….رجل طيب القلب حقا…..يجب ان يمتلئ المنتدى بأمثاله….بل يجب ان يصبح جميع الرجال مثله بهذا الذوق وهذة الثقة وهذة الشهامة……رجعت الى الحاسوب وفتحت ملفه تلقائيا…..اعجبتني الصورة الشخصية الجميلة التي يضعها لنفسه……حصان اسود يصهل…..قرأت المعلومات التي كتبها عن نفسه….لم يكتب سنه…..ولكنه مصري ومن نفس مدينتي….كما انه كتب هوايته….قراءة الكتب الأسلامية والأدبية…..شئ مذهل……شعرت باعجاب غامر بهذا الرجل وبكل ما يفعل….وجلست طوال هذة الليلة افكر في كيفية كتابة رد على هذة الرسالة….ولم استطع النوم….وقررت ان اكتب الرد في اليوم التالي….

زر الذهاب إلى الأعلى