همس القوافي

شعر نزار قباني عن الحب

نزار قباني

نزار بن توفيق القباني، دبلوماسي وشاعر سوري مُعاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة دِمشقية عَريقة، حيث يعتبر من أشهر شعراء العصر الحديث الّذين برزوا وعُرفوا بقصائدهم الغزليّة الرائعة، درس الحقوق في الجامعة السورية وتخرج منها عام 1945.
كان والده شخصاً محباً للشعر، وكان تاجراً معروفاً في حيه، حيث عمل في الحركة الوطنية التي لعبت دوراً بارزاً في الحياة السياسية في سورية، فورث نزار من أبيه هذا الحس المرهف وهذا العشق للشعر.
أصدر نزار أول دواوينه في عام 1944 وكان بعنوان “قالت لي السمراء”، وعمل في السلك الدبلوماسي متنقلاً بين مجموعة من العواصم العربية والأجنبية. تزوج نزار مرتين الأولى ابنة عمه واسمها زهراء وأنجب منها هدباء وتوفيق، والثانية كانت عراقية وتدعى بلقيس وأنجب منها كلاً من عمر وزنيب.
واجه نزار الكثير من المآسي في حياته، حيث توفي ابنه توفيق وهو في السابعة عشرة من عمره، إثر مرض أصاب قلبه، فتأثر نزار كثيراً لوفاته، فرثاه في إحدى قصائده بعنوان “إلى الأمير الدمشقي”، كما أثر مقتل زوجته بلقيس إثر انفجار انتحاري حدث في السفارة العراقية الموجودة في بيروت تاثيراً سلبياً، حيث انقلبت حياته رأساً على عقب، فرثاها في قصيدة أسماها باسمها “بلقيس”.
بعد وفاة زوجته بلقيس استقر نزار في لندن، حيث كتب فيها الكثير من القصائد السياسية الجريئة، خلال فترة التسعينات ومنها “متى يعلنون وفاة العرب”، و”المهرولون”. وفاته المنية في في لندن عام 1998، تاركاً وراءه إرثاً عريقاً من شعر الحب والسياسة والثورة. (1)

شعر نزار قباني عن الحب

من أشعار نزار قباني في الحب اخترنا لكم ما يأتي:

أعنف حب عشته

تلومني الدنيا إذا أحببتهُ

كأني .. أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُ

كأنني على خدودِ الوردِ قد رسمتهُ

كأنني أنا التي ..

للطيرِ في السماءِ قد علّمتهُ

وفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُ

وفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ

كأنني .. أنا التي

كالقمرِ الجميلِ في السماءِ

قد علّقتُه

تلومُني الدنيا إذا

سمّيتُ منْ أحبُّ .. أو ذكرتُهُ

كأنني أنا الهوى

وأمُّهُ .. وأختُهُ

من حيثُ ما انتظرتهُ

مختلفٌ عن كلِّ ما عرفتهُ

مختلفٌ عن كلِّ ما قرأتهُ

وكلِّ ما سمعتهُ

لو كنتُ أدري

أنهُ نوعٌ منَ الإدمانِ .. ما أدمنتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ

بابٌ كثيرُ الريحِ.. ما فتحتهُ

لو كنتُ أدري أنهُ

عودٌ من الكبريتِ.. ما أشعلتهُ

هذا الهوى .. أعنفُ حبٍّ عشتهُ

فليتني حينَ أتاني فاتحاً

يديهِ لي .. رددْتُهُ

وليتني من قبلِ أن يقتلَني .. قتلتُهُ

هذا الهوى الذي أراهُ في الليلِ

أراهُ .. في ثوبي

وفي عطري .. وفي أساوري

أراهُ .. مرسوماً على وجهِ يدي

أراهُ منقوشاً على مشاعري

لو أخبروني أنهُ

طفلٌ كثيرُ اللهوِ والضوضاءِ ما أدخلتهُ

وأنهُ سيكسرُ الزجاجَ في قلبي لما تركتهُ

لو أخبروني أنهُ

سيضرمُ النيرانَ في دقائق

ويقلبُ الأشياءَ في دقائق

ويصبغُ الجدرانَ بالأحمرِ والأزرقِ في دقائق

لكنتُ قد طردتهُ

يا أيّها الغالي الذي

أرضيتُ عني الله .. إذْ أحببتهُ

أروعُ حبٍّ عشتهُ

فليتني حينَ أتاني زائراً

بالوردِ قد طوّقتهُ

وليتني حينَ أتاني باكياً

فتحتُ أبوابي لهُ .. وبستهُ

تناقضات ن.ق

وما بين حُبٍّ وحُبٍّ.. أُحبُّكِ أنتِ..

وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني..

وواحدةٍ سوف تأتي..

أُفتِّشُ عنكِ هنا.. وهناكْ..

كأنَّ الزمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ..

كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ..

فكيف أُفسِّرُ هذا الشعورَ الذي يعتريني

صباحَ مساءْ..

وكيف تمرّينَ بالبالِ، مثل الحمامةِ..

حينَ أكونُ بحَضْرة أحلى النساءْ؟.
وما بينَ وعديْنِ.. وامرأتينِ..

وبينَ قطارٍ يجيء وآخرَ يمضي..

هنالكَ خمسُ دقائقَ..

أدعوك ِ فيها لفنجان شايٍ قُبيلَ السَفَرْ..

هنالكَ خمسُ دقائقْ..

بها أطمئنُّ عليكِ قليلا..

وأشكو إليكِ همومي قليلا..

وأشتُمُ فيها الزمانَ قليلا..

هنالكَ خمسُ دقائقْ..

بها تقلبينَ حياتي قليلا..

فماذا تسمّينَ هذا التشتُّتَ..

هذا التمزُّقَ..

هذا العذابَ الطويلا الطويلا..

وكيف تكونُ الخيانةُ حلاًّ؟

وكيف يكونُ النفاقُ جميلا؟…
وبين كلام الهوي في جميع اللّغاتْ

هناكَ كلامٌ يقالُ لأجلكِ أنتِ..

وشِعْرٌ.. سيربطه الدارسونَ بعصركِ أنتِ..

وما بين وقتِ النبيذ ووقتِ الكتابة.. يوجد وقتٌ

يكونُ به البحرُ ممتلئاً بالسنابلْ

وما بين نُقْطَة حِبْرٍ..

ونُقْطَة حِبْرٍ..

هنالكَ وقتٌ..

ننامُ معاً فيه، بين الفواصلْ..
وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاءْ

هنالكَ فَصْلُ أُسَمِّيهِ فصلَ البكاءْ

تكون به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ..

وفي اللحظات التي تتشابهُ فيها جميعُ النساءْ

كما تتشابهُ كلُّ الحروف على الآلة الكاتبهْ

وتصبحُ فيها ممارسةُ الجنسِ..

ضرباً سريعاً على الآلة الكاتبَهْ

وفي اللحظاتِ التي لا مواقفَ فيها..

ولا عشقَ، لا كرهَ، لا برقَ، لا رعدَ، لا شعرَ، لا نثرَ،

لا شيءَ فيها..

أُسافرْ خلفكِ، أدخلُ كلَّ المطاراتِ، أسألُ كلَّ الفنادق

عنكِ، فقد يتصادفُ أنَّكِ فيها…
وفي لحظاتِ القنوطِ، الهبوطِ، السقوطِ، الفراغ، الخِواءْ.

وفي لحظات انتحار الأماني، وموتِ الرجاءْ

وفي لحظات التناقضِ،

حين تصير الحبيباتُ، والحبُّ ضدّي..

وتصبحُ فيها القصائدُ ضدّي..

وتصبحُ – حتى النهودُ التي بايعتْني على العرش- ضدّي

وفي اللحظات التي أتسكَّعُ فيها على طُرُق الحزن وحدي..

أُفكِّر فيكِ لبضع ثوانٍ..

فتغدو حياتي حديقةَ وردِ..
وفي اللحظاتِ القليلةِ..

حين يفاجئني الشعرُ دونَ انتظارْ

وتصبحُ فيها الدقائقُ حُبْلى بألفِ انفجارْ

وتصبحُ فيها الكتابةُ فِعْلَ انتحارْ..

تطيرينَ مثل الفراشة بين الدفاتر والإصْبَعَيْنْْ

فكيف أقاتلُ خمسينَ عاماً على جبهتينْ؟

وكيفَ أبعثر لحمي على قارَّتين؟

وكيفَ أُجَاملُ غيركِ؟

كيفَ أجالسُ غيركِ؟

كيفَ أُضاجعُ غيركِ؟ كيفْ..

وأنتِ مسافرةٌ في عُرُوق اليدينْ…
وبين الجميلات من كل جنْسٍ ولونِ.

وبين مئات الوجوه التي أقنعتْني .. وما أقنعتْني

وما بين جرحٍ أُفتّشُ عنهُ، وجرحٍ يُفتّشُ عنِّي..

أفكّرُ في عصرك الذهبيِّ..

وعصرِ المانوليا، وعصرِ الشموع، وعصرِ البَخُورْ

وأحلم في عصرِكِ الكانَ أعظمَ كلّ العصورْ

فماذا تسمّينَ هذا الشعور؟

وكيفَ أفسِّرُ هذا الحُضُورَ الغيابَ، وهذا الغيابَ الحُضُورْ

وكيفَ أكونُ هنا.. وأكونً هناكْ؟

وكيف يريدونني أن أراهُمْ..

وليس على الأرض أنثى سواكْ
أُحبُّكِ.. حين أكونُ حبيبَ سواكِ..

وأشربُ نَخْبَكِ حين تصاحبني امرأةٌ للعشاءْ

ويعثر دوماً لساني..

فأهتُفُ باسمكِ حين أنادي عليها..

وأُشغِلُ نفسي خلال الطعامْ..

بدرس التشابه بين خطوط يديْكِ..

وبينَ خطوط يديها..

وأشعرُ أني أقومُ بِدَوْر المهرِجِ…

حين أُركّزُ شالَ الحرير على كتِفَيْها..

وأشعرُ أني أخونُ الحقيقةَ..

حين أقارنُ بين حنيني إليكِ، وبين حنيني إليها..

فماذا تسمّينَ هذا؟

ازدواجاً.. سقوطاً.. هروباً.. شذوذاً.. جنوناً..

وكيف أكونُ لديكِ؟

وأزعُمُ أنّي لديها..

سأقول لكِ أُحِبُّكِ

سَأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه

فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ.. أو يفعلونَهْ..

عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي..

في تغيير حجارة هذا العالمْ..

وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ..

شجرةً بعد شَجَرَهْ..

وكوكباً بعد كوكبْ..

وقصيدةً بعد قصيدَه..

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري..

ويصبحُ الهواءُ الذي تتنفَّسينه يمرُّ برئتيَّ أنا..

وتصبحُ اليدُ التي تضعينَها على مقعد السيّارة..

هي يدي أنا..

سأقولها، عندما أصبح قادراً،

على استحضار طفولتي، وخُيُولي، وعَسَاكري،

ومراكبي الورقيَّهْ..

واستعادةِ الزَمَن الأزرق معكِ على شواطيء بيروتْ..

حين كنتِ ترتعشين كسمَكةٍ بين أصابعي..

فأغطّيكِ، عندما تَنْعَسينْ،

بشَرْشَفٍ من نُجُوم الصيفْ..
سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

وسنابلَ القمح حتى تنضجَ.. بحاجةٍ إليكِ..

والينابيعَ حتى تتفجَّرْ..

والحضارةَ حتى تتحضَّرْ..

والعصافيرَ حتى تتعلَّمَ الطيرانْ..

والفراشات حتى تتعلَّمَ الرَسْم..

وأنا أمارسَ النُبُوَّهْ

بحاجةٍ إليكِ..
سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

عندما تسقط الحدودُ نهائياً بينكِ وبين القصيدَهْ..

ويصبح النومُ على وَرَقة الكتابَهْ

ليسَ الأمرُ سَهْلاً كما تتصوَّرينْ..

خارجَ إيقاعاتِ الشِّعرْ..

ولا أن أدخلَ في حوارٍ مع جسدٍ لا أعرفُ أن أتهجَّاهْ..

كَلِمَةً كَلِمَهْ..

ومقطعاً مقطعاً…

إنني لا أعاني من عُقْدَة المثقّفينْ..

لكنَّ طبيعتي ترفضُ الأجسادَ التي لا تتكلَّمُ بذكاءْ…

والعيونَ التي لا تطرحُ الأسئلَهْ..

إن شَرْطَ الشهوَة عندي، مرتبطٌ بشَرْط الشِّعْرْ

فالمرأةُ قصيدةٌ أموتُ عندما أكتُبُها..

وأموتُ عندما أنساها..
سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

عندما أبرأُ من حالة الفُصَام التي تُمزِّقُني..

وأعودُ شخصاً واحداً..

سأقُولُها، عندما تتصالحُ المدينةُ والصحراءُ في داخلي.

وترحلُ كلُّ القبائل عن شواطيء دمي..

الذي حفرهُ حكماءُ العالم الثالث فوق جَسَدي..

التي جرّبتُها على مدى ثلاثين عاماً…

فشوَّهتُ ذُكُورتي..

وأصدَرَتْ حكماً بِجَلْدِكِ ثمانينَ جَلْدَهْ..

بِتُهْمةِ الأُنوثهْ…

لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..

ورُبَّما لن أَقولَها غداً..

فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ

والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..

والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..

فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..

لِتُصبِحي حبيبتي؟؟.

بِتُهْمةِ الأُنوثهْ…

لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..

ورُبَّما لن أَقولَها غداً..

فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ

والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..

والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..

فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..

لِتُصبِحي حبيبتي؟؟.

ألا تجلسينَ قليلاً

ألا تجلسينَ قليلاً

ألا تجلسين؟

فإن القضية أكبرَ منكِ.. وأكبرَ مني..

كما تعلمين..

وما كان بيني وبينكِ..

لم يكُ نقشاً على وجه ماء

ولكنه كان شيئاً كبيراً كبيراً..

كهذي السماء

فكيف بلحظةِ ضعفٍ

نريد اغتيالَ السماء؟..

ألا تجلسين لخمس دقائقَ أخرى؟

ففي القلب شيءٌ كثير..

وحزنٌ كثيرٌ..

وليس من السهل قتلُ العواطف في لحظات

وإلقاءُ حبكِ في سلةِ المهملات..

فإن تراثاً من الحبِ.. والشعرِ.. والحزن..

والخبز.. والملحِ.. والتبغ.. والذكريات

يحاصرنا من جميع الجهات

فليتكِ تفتكرينَ قليلاً بما تفعلين

فإن القضيةَ..

أكبرُ منكِ.. وأكبرُ مني..

كما تعلمين..

ولكنني أشعر الآن أن التشنج ليس علاجاً

لما نحن فيهِ..

وأن الحمامةَ ليست طريقَ اليقين

وأن الشؤون الصغيرة بيني وبينكِ..

ليست تموتُ بتلك السهوله

وأن المشاعرَ لا تتبدلُ مثل الثياب الجميلهْ..

أنا لا أحاولُ تغييرَ رأيكِ..

إن القرارَ قرارُكِ طبعاً..

ولكنني أشعر الآن أن جذورك تمتد في القلبِ،

ذاتَ الشمالِ ، وذات اليمين..

فكيف نفكُّ حصارَ العصافير، والبحرِ،

والصيفِ، والياسمينْ..

وكيف نقصُّ بثانيتين؟

شريطاً غزلناه في عشرات السنين..

– سأسكب كأساً لنفسي..

– وأنتِ؟

تذكرتُ أنكِ لا تشربين..

أنا لست ضد رحيلكِ.. لكن..

أفكر أن السماء ملبدةٌ بالغيوم..

وأخشى عليكِ سقوطَ المطر

فماذا يضيركِ لو تجلسين؟

لحين انقطاع المطرْ..

وما يضيركِ؟

لو تضعينَ قليلاً منَ الكحل فوق جفونكِ..

أنتِ بكيتِ كثيراً..

ومازال وجهكِ رغم اختلاط دموعك بالكحل

مثلَ القمرْ..

أنا لست ضدّ رحيلكِ..

لكنْ..

لديَّ اقتراح بأن نقرأ الآن شيئاً من الشعرِ.

زر الذهاب إلى الأعلى