همس القوافي

حقيقة معنى العيد

عيد الأضحى هو مناسبة إسلامية وقد كان مادة خصبة للشعر في صدر الإسلام حتى يومنا هذا، وقد تفاعل الشعراء مع الأعياد بقوة حيث ظهر ذلك في أغراض شعرية منوعة منها:

تحري رؤية الهلال والاستبشار بظهوره

 

من ذلك قول ابن الرومي:

ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله *** تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ

كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه *** يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ

وقول ابن المعتز:

أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه **** فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ

وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ *** قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ

حقيقة معنى العيد

 

فقد غفل الكثير من المسلمين عن معنى العيد فظنو أنه لبس الجديد واللهو فقط، أمور أخرى ينبه إليها أبو إسحاق الألبيري حول حقيقة معنى العيد؛ فيقول:
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك *** لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك

كم من جديد ثيابٍ دينه خلق *** تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك

ومن مرقع الأطمار ذي ورع *** بكت عليه السما والأرض حين هلك

وهو قول ينم عن عمق معرفة بحقيقة العيد، وكونه طاعة لله وليس مدعاة للغرور والتكبر.

ويستغل الشاعر محمد الأسمر فرصة العيد ليذكر بالخير و الحث على الصدقة فيه تخفيفًا من معاناة الفقراء والمعوزين في يوم العيد؛ فيقول:

هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به *** وبذلك الخير فيه خير ما صنعا

أيامه موسم للبر تزرعه *** وعند ربي يخبي المرء ما زرعا

فتعهدوا الناس فيه:من أضر به *** ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا

وبددوا عن ذوي القربى شجونهم *** دعــا الإله لهذا والرسول معا

واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم *** بــدراً رآه ظلام الليل فانقشعا

تهاني الشعراء للملوك بالعيد

هذه القصائد رائية البحتري التي يهنىء بها الخليفة العباسي (المتوكل) بصومه وعيده ويصف فيها خروجه للصلاة :

بالبر صمت وأنت أفضل صائم *** وبسنة الله الرضية تفطر

فانعم بعيد الفطر عيداً إنه *** يوم أغر من الزمان مشهر

وقال المتنبي مهنئًا سيف الدولة عند انسلاخ شهر رمضان:

الصَّوْمُ والفِطْرُ والأعيادُ والعُصُر *** منيرةٌ بكَ حتى الشمسُ والقمرُ

وفي قصيدة أخرى مطلعها:

لكلِّ امرىءٍ من دهره ما تعوّدا *** وعادةُ سيفِ الدولةِ الطَّعْنُ في العِدا

ويهنئ سيف الدولة بالعيد فيقول:

هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده *** وعيد لكل من ضحى وعيدا

ولازالت الأعياد لبسك بعده *** تسلم مخروقاً وتعطي مجددا

فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى *** كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا

هو الجد حتى تفضل العين أختها *** وحتى يكون اليوم لليوم سيدا

الشكوى وندب الحال

 

لا يخلو العيد المنغصات التي قد يتعرض لها الشاعر ، و أشهر ما قيل في ذلك دالية المتنبي في وصف حاله بمصر والتي يقول في مطلعها:

عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـدُ *** بما مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ

أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم *** فليـت دونـك بيـداً دونهـم بيـدُ

ويبث الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين شكوى أيام صباه الأولي في قصيدة رائعة قال فيها:

العيدُ أقبلَ تُسْعِـدُ الأطفـالَ ما حملتْ يـداه

لُعَباً وأثوابـاً وأنغامـاً تَضِـجُّ بهــا الشِّفاه

وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن (نِداه)

فيعـودُ في أهدابه دَمْعٌ ، وفي شفتيـه (آه)

ويقول في قصيدة أخرى:

هـذا هـو العيـدُ ، أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ

ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟!

وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم

مَـنْ في البلاد بقي منهم ، ومن نزحوا؟!

وفي قصيدة ثالثة يقول:

يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ *** تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبـا

يا عيدُ عُدنْـا أعِدْنا للذي فرِحَتْ *** به الصغيراتُ من أحلامنا فخبـا

مَنْ غيّبَ الضحكةَ البيضاءَ من غَدِنا *** مَنْ فَـرَّ بالفرحِ السهرانِ مَنْ هَربَا

لم يبقَ من عيدنا إلا الذي تَرَكَتْ *** لنا يـداهُ ومـا أعطى وما وَهَبـا

من ذكرياتٍ أقَمنا العُمرَ نَعصِرُها *** فما شربنا ولا داعي المُنى شَرِبـا

يا عيدُ هَلاّ تَذَكرتَ الذي أخَـذَتْ *** منّا الليالي وما من كأسِنا انسَكَبا

وهل تَذَكَّرتَ أطفالاً مباهِجُهُـم *** يا عيدُ في صُبْحِكَ الآتي إذا اقتربا

هَلاّ تَذَكَّرتَ ليلَ الأَمـسِ تملؤُهُ *** بِشْراً إذا جِئْتَ أينَ البِشْرُ؟..قد ذَهَبا

زر الذهاب إلى الأعلى