التعليمي

تعبير عن الشهيد , موضوع عن الشهيد , مقال عن الشهداء

منزلة الشهيد في القرآن والسنّة

الشيخ محمد حسن زراقط

تطلق كلمة شهيد في الأدبيات الإسلامية على الشخص الذي يقتل في سبيل الله دفاعاً عن دينه. ولكن هذه الكلمة من الكلمات التي كان لها معناها في اللغة قبل أن يحولها الإسلام إلى مصطلح خاص من مصطلحاته. وما نود معالجته في هذه المقالة هو منزلة الشهيد في الكتاب والسنّة. وللتعرف على هذه المنزلة، لا بد من الدخول إلى البحث من باب اللغة لنستكشف كيفية تحول هذه الكلمة إلى مصطلح له دلالاته الخاصة في الأدبيات الإسلامية.‏

# الشهيد والشهادة في اللغة:‏

المصدر والجذر الأساس لكلمة «شهيد» في اللغة هو الحروف التالية: ش ه د، وبالرجوع إلى كتب اللغة نجد أن هذه الكلمة تدل على ما يأتي:‏

يقول في لسان العرب: «الشهيد من أسماء الله الأمين في شهادته، وقيل: الشهيد الذي لا يغيب عن علمه شي‏ء، والشهيد: الحاضر، والشاهد العالم الذي يبين ما علمه، والشهادة خبر قاطع، وشهد فلان على فلان بحق، فهو شاهد وشهيد، وقوم شهود أي حضور»(1).‏

وفي مفردات الراغب: «شهد: الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة…، والشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر…»(2).‏

يستفاد من هذين النصين من كتب اللغة، أن الشهادة في أصل اللغة تدل على معان منها: الحضور، والعلم، وإظهار هذا العلم عند الحاجة، وغيرها من المعاني المتضمنة في هذه المادة اللغوية.‏

والسؤال الذي نحاول الإجابة عنه هو لماذا سمي المقتول في سبيل الله شهيداً، وكيف انتقلت هذه الكلمة إلى المعنى الجديد؟ وفي هذا المجال يساعدنا أهل اللغة أيضاً؛ حيث يقول الراغب الأصفهاني في المفردات: «والشهيد هو المُحتَضَر، فتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه إشارة إلى قوله تعالى: (تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا)، أو لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم، أو لأنه تشهد أرواحهم عند الله كما قال: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً)، وعلى هذا دل قوله: (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم)»(3). ويقول ابن منظور في لسان العرب: «والشهيد المقتول في سبيل الله، والجمع شهداء، والاسم الشهادة، واستشهد: قتل شهيداً،… وعن ابن الأنباري سمي الشهيد شهيداً؛ لأن الله وملائكته شهود له بالجنة، وقيل: سموا شهداء لأنهم ممن يستشهد يوم القيامة مع النبي (ص) على الأمم الخالية، قال الله عز وجل: (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) وقال أبو إسحاق الزجاج جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخر من أرسل إليهم فيجحدون أنبياءهم… فتشهد أمة محمد (ص) بصدق الأنبياء وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي (ص) لهذه بصدقهم(4).‏

# مقارنة بين الشهيد والشاهد:‏

ولمزيد من التوضيح نشير إلى العلاقة بين المعنى الأصلي لكلمة الشهادة والمعنى الإسلامي الذي استجد مع الإسلام، لنلاحظ أن بين المعنيين نقاط اشتراك عدة؛ وذلك لأن الشاهد لا يكون شاهداً إلا إذا توفرت فيه مجموعة من المواصفات.‏

1 المعرفة والعلم بما يشهد به.‏

2 الحضور لدى الحاكم وهو يتضمن الحياة.‏

3 العدالة.‏

4 أن لا يكون صاحب مصلحة.‏

5 الثبات والاستمرار.‏

6 الاستعداد لقول الحق والتضحية.‏

وهذه الصفات واضحة في الشاهد بالمعنى القضائي، وأما في الشاهد الشهيد، فإن بعضها يُعلم بالتحليل وبعضها يخبرنا عنه الله تعالى. أما ما يُعلم بالتحليل، فإن الشهيد في أرفع درجة من درجات العلم واليقين بما استشهد من أجله، وهو عادل من دون أدنى شك، وليس له مصلحة وليس متهماً، وهو ثابت إلى أقصى حدود الثبات وهل بعد الاستعداد للموت من ثبات؟ وكذلك كما أن الشاهد في القضاء يشهد ولا يبالي بالطرف الذي يشهد ضده ولا يلتفت إلى رضاه أو غضبه كذلك الشهيد يدير ظهره للدنيا وما فيها ويقبل على الله دون سواه. وأما ما يخبرنا عنه الله حول الشهيد فهو ما نتحدث عنه تحت عنوان الشهيد في القرآن الكريم.‏

# منزلة الشهيد في الكتاب:‏

وردت كلمة الشهيد في القرآن الكريم في موارد عدة وبأشكال مختلفة، منها:‏

قوله تعالى: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 140). تشير هذه الآية إلى القتال الدائر بين المسلمين والمشركين وتهدئ من روع المسلمين وتقول لهم إن الله يداول الأيام بين الناس وما يصيبكم في القتال يصيب عدوكم وهذه سنّة الله في خلقه أن يداول الأيام بين الناس، ولكن من آثار القتال أنه سبحانه وتعالى يتخذ الشهداء منكم فيها. وربما كانت هذه الآية في القرآن من الآيات النادرة التي يعبر الله فيها عن من يقتل في سبيل الله بالشهيد. وتؤكد الآية حقيقة مهمة تربط القتل في سبيل الله بما كنا فيه من المقارنة، وهو أن من يقتل في سبيل الله شهيداً يتخذه الله سبحانه ليكون شاهداً على أعمال الآخرين، سواء كانوا من أمته أو من عدوه.‏

وفي مورد آخر يتحدث عن الشهيد بلفظ آخر غير الشهيد والشهادة، وذلك في موردين متقاربين من حيث المعنى:‏

قوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) (البقرة: 154).‏

وقوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169).‏

وتدل هاتان الآيتان على أن الذين يقتلون في سبيل الله وإن أصابهم القتل ولكن الموت لا يصيبهم فهم «أحياء» و«عند ربهم»، والآية السابقة تشير إلى أن الله يتخذ بعض الناس شهداء. وفي القرآن الكريم موارد عدة تدل على وجود جماعة من الناس لهم امتياز خاص، يشهدون يوم القيامة للأمم أو عليها: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) (النساء: 41)، وكذلك قوله تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (الزمر: 69).‏

من استعراض هذه الآيات وغيرها مما لا تتسع له مثل هذه المقالة نلاحظ أن الشهداء هم: أحياء، عند ربهم، يستشهدهم يوم القيامة، وهذه الصفات المشتركة بين المقتول في سبيل الله وبين الشاهد أو الشهيد في القضاء هي أُولى مبررات نقل الكلمة إلى معناها الجديد. وكفى بالمرء فخراً أن يتخذه الله ليستشهده في محكمة العدل الإلهية الكبرى يوم القيامة.‏

# الشهيد في السنّة:‏

وأما عن منزلة الشهيد في السنة النبوية فالأحاديث التي وردت يصعب حصرها في مقالة مختصرة ولكن أكتفي بالإشارة إلى بعض الموارد:‏

عن النبي (ص): «فوق كل ذي بر بر حتى يقتل المرء في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر»(5).‏

وعنه أيضاً: «ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دم في سبيل الله»(6).‏

وعن الإمام الصادق (ع) قال: قيل للنبي (ص): «ما بال الشهيد لا يفتن في قبره؟ فقال (النبي) (ص): كفى بالبارقة فوق رأسه فتنة»(7).‏

والمقصود من هذا الحديث الأخير الإشارة إلى أن الشهيد لا يحتاج إلى امتحان بعد أن اجتاز امتحان السيوف التي تبرق فوق رأسه. ولا تحتاج الروايات الأخرى إلى تعليق أو توضيح، فإن أمة الشهادة تفهم مغزاها بل وتنطلق منها في السير والسلوك نحو الله. وما استوقفني أثناء كتابتي لهذه المقالة هو أن أجر الشهيد تحول إلى وحدة قياس للثواب، حيث ورد في عدد من الروايات أن بعض الناس ينالون أجر الشهيد إزاء بعض الأمور التي يقومون بها، ومن هذه الروايات:‏

عن النبي (ص): «كتب الجهاد على رجال أمتي، والغيرة على نسائها، فمن صبرت منهن واحتسبت أعطاها الله أجر شهيد»(8).‏

وعن أمير المؤمنين (ع): «… ومن صلى ثمن ليلة أعطاه الله أجر شهيد صابر صادق النية وشفع في أهل بيته…»(9).‏

«من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه وحلم عنه أعطاه الله أجر شهيد»(10).‏

ولا يخفى ما في تحول الشهادة إلى معيار لقياس الثواب، من كرامة للشهيد والشهادة، وكشف عن علو مرتبة الشهيد عند الله تعالى.‏

الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا، أرواحهم في طائر خضر تعلق من ثمر الجنة، أو نسمة تعلق في ثمر الجنة أو شجرها، قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون)، أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك اطلاعة، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: ربنا وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا، ثم اطلع إليهم الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لم يتركوا قالوا: تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا، فنقتل في سبيلك مرة أخرى. ويؤتى بالشهيد من أهل الجنة، فيقول له الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة، وما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة.

وللشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.

وعسقلان أحد العروسين، يُبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم، ويُبعث منها خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله عز وجل، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دما، يقولون: ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك إنك لا تخلف الميعاد، فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون منها نُقِيّاً بِيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا.

لم لا، ونحن نعلم أن من قاتل في سبيل الله عز وجل فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقا ثم مات أو قتل فله أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نُكِبَ نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها كالزعفران، وريحها كالمسك، ومن جرح جرحا في سبيل الله فعليه طابع الشهداء.

وهم الذين قصدهم الله عز وجل في قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله)، فهم الذين شاء الله ألا يُصعقوا، حيث يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فتأتيهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت، أزمتها الدر الأبيض، برحال الذهب، أعناقها السندس والإستبرق، ونمارقها ألين من الحرير، مد خطاها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على خيول، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه، فيضحك الله إليهم، وإذا ضحك الله إلى عبد في موطن فلا حساب عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى