همس القوافي

الشاعر أحمد مطر

أحمد مطر

ولد أحمد مطر في أوائل الخمسينيات لعائلة عراقية مكوّنة من عشرة أبناء، نبغ في الشعر في سن الرابعة عشر، لكن سرعان ما أحسّ بالمعاناة العربية السياسية، ليسرع قلمه ويُعبّر عما بداخله من مشاعر الغضب والحنق، الأمر الذي دفعه للهروب إلى الكويت بعيداً عن أيدي السلطة، وكان عندها في منتصف العشرينيات من العمر.
تعرّف في الكويت على الفنان ناجي العلي وعملا في المجلة جنباً إلى جنب، إلى أن تمّ نفيهما معاً، وتنقّلا من مكان لآخر لينتهي بهما المطاف في لندن، حيت توفّي هناك ناجي وتركه وحيداً في لندن حتى يوم وفاته.
له ديوان شعريّ اسمه (اللافتات)، وقصائده السياسية هي الأكثر شهرة بين قصائد الشعراء السياسية الأخرى. (1)

قصيدة احتيـاط

فُجِعَـتْ بي زوجَـتي

حينَ رأتني باسِماً

لَطَمـتْ كفّـاً بِكـفٍّ

واستَجارتْ بالسَّمـاء

قُلتُ: لا تنزَعِجـي .. إنّي بِخَيرٍ

لم يَزَلْ دائــي مُعافـى

وانكِسـاري سالِمـا

اطمئنّي

كُلُّ شيءٍ فيَّ مازالَ كَما

لمْ أكُـنْ أقصِـدُ أنْ أبتَسِما

كُنتُ أُجري لِفمي بعضَ التّمارينِ احتياطاً

رُبّمـا أفرَحُ يومـاً

رُبّمــا

مجموعة قصائد مُختارة

من قصائد أحمد مطر السياسية المعروفة، نتخار لكم ما يأتي:

ورثة إبليس

وجوهكم أقنعة بالغة المرونة

طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة

صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه

وقال: إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه

ودارت الأدوار فوق أوجه قاسية، تعدلها من تحتكم ليونة

فكلما نام العدو بينكم رحتم تقرعونه

لكنكم تجرون ألف قرعة لمن ينام دونه

وغاية الخشونة

أن تندبوا: (قم يا صلاح الدين، قم)، حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة

كم مرة في العام توقظونه

كم مرة على جدار الجبن تجلدونه

أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة

دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه

لأنه لو قام حقاً بينكم فسوف تقتلونه.

أقزام طوال

أيُّها الناس قفا نضحك على هذا المآل

رأسًنا ضاع فلم نحزن ..

ولكنّا غرقنا في الجدال

عند فقدان النعال!

لا تلوموا

(نصف شبر) عن صراط الصف مال

فعلى آثاره يلهث أقزام طوال

كلهم في ساعة الشدّة .. (آباءُ ر غال)

لا تلوموه

فكل الصف أمسى خارج الصف

وكل العنتريات قصور من رمال.

لا تلوموه

فما كان فدائياً .. بإحراج الإذاعات

وما باع الخيال .. في دكاكين النضال

هو منذ البدء ألقى نجمة فوق الهلال

ومن الخير استقال

هو إبليس فلا تندهشوا

لو أن إبليس تمادى في الضلال

نحن بالدهشة أولى من سوانا

فدمانا

صبغت راية فرعون

وموسى فلق البحر بأشلاء العيال

ولدى فرعون قد حط الرحال

ثم ألقى الآية الكبرى

يداً بيضاء.. من ذُلِّ السؤالْ!

أفلح السحر

فها نحن بيافا نزرع (القات)

ومن صنعاء نجني البرتقال!
أيها الناس

لماذا نهدر الأنفاس في قيلٍ وقالْ؟

نحن في أوطاننا أسرى على أية حال

يستوي الكبش لدينا والغزال

فبلاد العرب قد كانت وحتى اليوم هذا لا تزال

تحت نير الاحتلال

من حدود المسجد الأقصى .. إلى (البيت الحلال)!
لا تنادوا رجلاً فالكل أشباه رجال

وحواةٌ أتقنوا الرقص على شتى الحبالْ.

ويمينيون .. أصحاب شمالْ

يتبارون بفنِّ الاحتيالْ

كلهم سوف يقولون له: بعداً

ولكن .. بعد أن يبرد فينا الانفعال

سيقولون: تعال

وكفى الله (السلاطين) القتال!

إنّني لا أعلم الغيب

ولكن .. صدّقوني:

ذلك الطربوش .. من ذاك العقال!

الغريب

كُلُّ ما في بَلْـدَتي

يَمـلأُ قلـبي بالكَمَـدْ.

بَلْـدَتي غُربـةُ روحٍ وَجَسَـدْ

غُربَـةٌ مِن غَيرِ حَـدْ

غُربَـةٌ فيها الملاييـنُ

وما فيها أحَـدْ.

غُربَـةٌ مَوْصـولَةٌ

تبـدأُ في المَهْــدِ

ولا عَـوْدَةَ منها .. للأبَـدْ !
شِئتُ أنْ أغتـالَ مَوتي

فَتَسلّحـتُ بِصوتـي:

أيُّهـا الشِّعـرُ لَقَـدْ طالَ الأَمَـدْ

أهلَكَتني غُربَتي ، يا أيُّها الشِّعرُ،

فكُـنْ أنتَ البَلَـدْ.

نَجِّـني من بَلْـدَةٍ لا صوتَ يغشاها

سِـوى صوتِ السّكوتْ !

أهلُها موتى يَخافـونَ المَنايا

والقبورُ انتَشرَتْ فيها على شَكْلِ بُيوتْ

ماتَ حتّى المــوتُ

.. والحاكِـمُ فيها لا يمـوتْ!

ذُرَّ صوتي، أيُّها الشّعرُ، بُر و قـاً

في مفا زاتِ الرّمَـدْ.

صُبَّـهُ رَعْـداً على الصّمتِ

وناراً في شرايينِ البَرَدْ.

ألْقِــهِ أفعـى

إلى أفئِـدَةِ الحُكّامِ تسعى

وافلِـقِ البَحْـرَ

وأطبِقْـهُ على نَحْـرِ الأساطيلِ

وأعنـاقِ المَساطيلِ

وطَهِّـرْ مِن بقاياهُمْ قَذ اراتِ الزَّبَـدْ.

إنَّ فِرعَــونَ طغى، يا أيُّها الشّعـرُ،

فأيقِظْ مَـنْ رَقَـدْ.

قُل هوَ اللّهُ أحَـدْ.

قُل هوَ الّلهُ أحَـدْ.

قُل هوَ الّلهُ أحَـدْ.
قالَها الشِّعـرُ

وَمَـدَّ الصّـوتَ، والصّـوتُ نَفَـدْ

وأتـى مِنْ بَعْـدِ بَعـدْ

واهِـنَ الرّوحِ مُحاطاً بالرّصَـدْ

فَـوقَ أشـداقِ دراويشٍ

يَمُـدّونَ صـدى صوتـي على نحْـريَ

حبـلاً مِن مَسَـدْ

وَيَصيْحــونَ (مَـدَدْ) !

بلاد العرب

بعد ألفي سنة تنهض فوق الكتب

نبذه عن وطن مغترب

تاه في أرض الحضارات من المشرق حتى المغرب

باحثاً عن دوحة الصدق ولكن عندما كاد يراها حية مدفونة وسط بحار اللهب

قرب جثمان النبي

مات مشنوقاً عليها بحبال الكذب

وطن لم يبق من آثاره غير جدار خرب

لم تزل لاصقة فيه بقايا من نفايات الشعارات وروث الخطب

عاش حزب ا لـ…، يسقط ا لـخـا…، عـا ئد و…، والموت للمغتصب

وعلى الهامش سطر

أثر ليس له اسم

إنما كان اسمه يوما بلاد العرب.

مفقودات

زارَ الرّئيسُ المؤتَمَـنْ

بعضَ ولاياتِ الوَطـنْ

وحينَ زارَ حَيَّنا

قالَ لنا:

هاتوا شكاواكـم بصِـدقٍ في العَلَـنْ

ولا تَخافـوا أَحَـداً..

فقَـدْ مضى ذاكَ الزّمَـنْ.

فقالَ صاحِـبي ( حَسَـنْ ):

يا سيّـدي

أينَ الرّغيفُ والَلّبَـنْ؟

وأينَ تأمينُ السّكَـنْ؟

وأيـنَ توفيرُ المِهَـنْ؟

وأينَ مَـنْ

يُوفّـرُ الدّواءَ للفقيرِ دونمـا ثَمَـنْ؟

يا سـيّدي

لـمْ نَـرَ مِن ذلكَ شيئاً أبداً.

قالَ الرئيسُ في حَـزَنْ:

أحْـرَقَ ربّـي جَسَـدي

أَكُـلُّ هذا حاصِـلٌ في بَلَـدي؟!

شُكراً على صِـدْقِكَ في تنبيهِنا يا وَلَـدي

سـوفَ ترى الخيرَ غَـداً.
وَبَعـْـدَ عـامٍ زارَنـا

ومَـرّةً ثانيَـةً قالَ لنا:

هاتـوا شكاواكُـمْ بِصـدْقٍ في العَلَـنْ

ولا تَخافـوا أحَـداً

فقـد مَضى ذاكَ الزّمَـنْ.

لم يَشتكِ النّاسُ!

فقُمتُ مُعْلِنـاً:

أينَ الرّغيفُ واللّبَـنْ؟

وأينَ تأمينُ السّكَـنْ؟

وأينَ توفيـرُ المِهَـنْ؟

وأينَ مَـنْ

يوفِّـر الدّواءَ للفقيرِ دونمَا ثمَنْ؟

مَعْـذِرَةً يا سيّـدي

.. وَأيـنَ صاحـبي (حَسَـنْ)؟!

حب الوطن

ما عندنا خبز ولا وقود.

ما عندنا ماء.. ولا سدود

ما عندنا لحم.. ولا جلود

ما عندنا نقود

كيف تعيشون إذن؟!

نعيش في حب الوطن!

الوطن الماضي الذي يحتله اليهود

والوطن الباقي الذي

يحتله اليهود!

أين تعيشون إذاً؟

نعيش خارج الزمن!

الزمن الماضي الذي راح

ولن يعود

والزمن الآتي الذي

ليس له وجود!

فيم بقاؤكم إذاً؟

بقاؤنا من أجل أن نعطي التصدي حقنة،

وننعش الصمود لكي يظلا شوكة

في مقلة الحسود.

عربي أنا

عربيٌّ أنا أرثـيـنـي

شقّي لي قبراًً .. واخـفـيـني
ملّت من جبني أوردتـى

غصّت بالخوف شرايـيـني
ما عدت كما أمسى أسداً

بل فأر مكسور العينِ
أسلمت قيا د ى كخروفٍ

أفزعه نصل السكينِ
ورضيت بأن أبقى صفراً

أو تحت الصفرِ بعشرينِ
ألعالم من حـو لى حرٌّ من

أقصى بيرو إلى الصينِ
شارون يدنس معتقدى

ويمرّغُ فـي الوحل جـبـيـني
وأميركا تدعمه جهراً

وتمدُّ النار ببنزينِ
وأرانا مثلُ نعاماتٍ

دفنت أعينها في الطّينِ
وشهيدٌ يتلوهُ شهيدٌ

من يافا لأطراف جنينِ
وبيوتٌ تهدمُ في صلفٍ

والصّمت المطبقُ يكويني
يا عرب الخسّةِ دلونى

لزعيمٍ يأخذ بيميني
فيحرّر مسجدنا الأقصى

ويعيد الفرحة لسنيني

درس في الإملاء

كتب الطالب: (حاكِمَنا مُكـْتأباً يُمسي

وحزيناً لضياع القدس) .

صاح الأستاذ به: كلاّ … إنك لم تستوعب درسي .

ارفع حاكمنا يا ولدي

وضع الهمزة فوق (الكرسي).

هتف الطالب: هل تقصدني … أم تقصد عنترة ا لعــبسـي؟!

أستوعبُ ماذا؟! و لماذا؟!

دع غيري يستوعب هذا

واتركني أستوعب نفسي.

هل درسك أغلى من رأسي؟!

عائدون

هرم الناس وكانوا يرضعون

عندما قال المغني عائدون

يا فلسطين وما زال المغني يتغنى

وملايين اللـحـون

في فضاء الجرح تفنى

واليتامى من يتامى يولدون

يا فلسطين وأرباب النضال المدمنون

ساءهم ما يشهدون

فمضوا يستنكرون

ويخوضون النضالات على هزّ القناني

وعلى هز البطون

عائدون

ولقد عاد الأسى للمرة الألف

فلا عدنا ولاهم يحزنون!

رائعة

رائعـةٌ كُلُّ فعـالِ الغربِ والأذنابِ

أمّـا أنا، فإنّني

مادامَ للحُريّـةِ انتسابي

فكُلُّ ما أفعَلُـهُ

نـوعٌ مِـنَ الإرهـابِ!

هُـمْ خَرّبـوا لي عالَمـي

فليحصـدوا ما زَرَعـوا

إنْ أثمَـرَتْ فـوقَ فَمـي

وفي كُريّـاتِ دمـي

عَـولَمـةُ الخَـرابِ

هـا أنـذا أقولُهـا .

أكتُبُهـا .. أرسُمُهـا ..

أَطبعُهـا على جبينِ الغـرْبِ

بالقُبقـابِ:

نَعَـمْ .. أنا إرهابـي!

زلزَلـةُ الأرضِ لهـا أسبابُها

إنْ تُدرِكوهـا تُدرِكـوا أسبابي.

لـنْ أحمِـلَ الأقـلامَ

بلْ مخالِبـي!

لَنْ أشحَـذَ الأفكـارَ

بـلْ أنيابـي !

وَلـنْ أعـودَ طيّباً

حـتّى أرى

شـريعـةَ الغابِ بِكُلِّ أهلِها

عائـدةً للغابِ.

المراجع

زر الذهاب إلى الأعلى