الاخبار

الحصة فطور

%name الحصة فطور

صديقتي العائدة من دول الخليج.. طلبت مرافقتي لقضاء مصلحة ما في احدى المؤسسات الحكومية.. قدمت لها نصيحتي بالذهاب أما في الصباح الباكر.. أو نهاية اليوم.. لكن تقول شنو (كلام القصير ما بتسمع).. كان منطقها بأن الساعة العاشرة موعد مناسب فهي تريد ترتيب البيت بعد خروج العيال.. وتجهيز الغداء.. حتى تكون مطمئنة.. خير يا زولة بس بعدين ما تجي تقولي شنو وشنو.. وصلنا المؤسسة.. وطلبنا مقابلة المدير عشان هي جاية بي توصية وكدا.. كان الرد المتوقع (المدير بيفطر).. ولأن المكتب كان مزدحماً بالمواطنين أصحاب المصلحة.. اضطررنا الى الوقوف خارجاً.. وهي تردد (ما في مشكلة.. ربع ساعة ولا تلت ساعة مقدور عليها).. لكن الطريف انه (مرت لحظات وكمان ساعات.. طالت وحياتك منتظرين).

تذمرت صديقتي.. وتمتمت (أصلو شنو.. فطور شنو دا).. كنت هادئة مما أثار غضبها فقالت (مش حقو تعملي حاجة.. تمشي تخبطي الباب وتسألي متين يقدر يطلع يقضي مصالح الناس؟)..قلت لها (يا بتي نحن ناس خبرة في قصة الدواوين الحكومية دي.. حصة الفطور دي حاجة كدا من التابوهات المحرمة.. ما تقدري تهبشيها.. مشى الفطور يبقى تقعدي تصبري لحدي ما براهو يجي من الفطور.. غير كدا.. أحب أطمئنك كل السيناريوهات تمت تجربتها وباءت بالفشل الذريع).. كيف يعني؟ هززت كتفي غير مبالية وقلت لها (كدا يعني.. أنا القدامك دي.. مرة قبل كدا احتجيت على انتظار طال أكتر من ساعتين قامت الموظفة حلفت بالتقطعها ما تشتغل أي حاجة…

بقوا الناس يراضوا فيها ويعتذروا ليها وهم ينظرون الي شذرا.. في النهاية قبلت على مضض تشتغل ليهم لكن اشترطت أنها ما تلمس ورقي أنا بالذات إلا تاني يوم.. جزاءاً وفاقا).. تجولت ناظرة للناس المنتظرين.. منهم من تشاغل بالموبايل.. منهم من أعد العدة للانتظار وأتى بصحيفة يومية.. لاحظت بعد ذلك أن الجريدة صارت متداولة وهناك صف انتظار لها.. فكرت جادة أن أطرح عليه فكرة إيجار الصحيفة.. بعد موجة الغلاء التي ضربت الصحف.. تشتري صحيفة وتمشي مكان زي دا وتؤجرها لمدة خمسة دقائق.. أو تزيد.. شفتوا الانتظار بيولد أفكار عبقرية كيف؟

حصة الفطور السودانية هذه من أين أتت؟ أعتقد أنها مثل شراب الآبري.. لا يشاركنا فيها أحد حول العالم.. كل الشعوب تفطر صباحاً.. وتغدو الى أعمالها نشيطة ولا يتوقف دولاب العمل إلا عند نهاية الدوام.. ولو تعطلت مسألتك لأي سبب غير مبرر.. هناك قنوات للشكوى تلجأ إليها ليأتيك حقك كاملاً غير منقوص.. طبعاً عندنا اذا أردت الشكوى.. ستجد موظف الشكاوي ذاااتو (في الفطور).. تذكرت أنني قبل فترة قرأت للدكتور فتح العليم عبدالله مقالاً ساخراً حول ظاهرة التسيب الوظيفي.. ذلك أن الموظف السوداني يجلس في مكتبه لحظات قلائل.. ليطلب القهوة.. وربما ذهب ليشربها عند ست الشاي خارجاً.. يعود ليخرج للفطور لساعتين تلاتة.. يأتي ليشرب شاي الفطور.. ومن ثم ينتعل (سفنجة) أكرمكم الله ويظل متحركاً بها في ردهات المؤسسة.. هذا يعني انه يستعد لصلاة الظهر.. فالحديث معه حول العمل لا يجوز.. و(الرجاء إعادة الاتصال مرة أخرى).

إذا دار محور سؤالكم عن صديقتي.. فقد قضت مسألتها والحمد لله.. المدير خرج بعد ساعة ونصف.. وتسلم المعاملة ورحب بنا كثيراً بعد ذكر اسم الواسطة.. وقد كان الحظ حليفنا حقاً.. فقد صادفنا ونحن في طريقنا الى الخارج صينية القهوة تشق طريقها الى مكتب السيد المدير.. نظرت الى صديقتي بطرف عيني لأرى ردة فعلها.. فوجدتها تهز رأسها يائسة.. لكن هذا يعني انها بدأت تتعود.. وأكيد أنها ستفكر في حلول لفترة الانتظار.. ربما أحضرت كتاباً.. أو صحيفة للايجار في المرة القادمة.. وتدخل معنا منظومة (سوداني.. وخليك سوداني).

زر الذهاب إلى الأعلى