التعليمي

التعريف بطريقة تحليل المضمون وأهميتها

فالباحث يحصل على جملة من المعطيات الكيفية والصفات حول ظاهرة معينة تخصه أو تهمه، وما أكثر ما يصله من المعطيات الخام هذه، لذا فهو بحاجة إلى تصنيف ووصف وقياس وتفسير مضامين هذه المعطيات الكيفية بطريقة منتظمة وتحويلها إلى بيانات مقبولة من الناحية العلمية وتدعى هذه العملية بـ التحليل.

حيث يحلل الموضوع إلى عناصره الأولية ووجوهه المتماثلة والمتمايزة أو المختلفة، وطريقة تحليل المضمون ليست بعيدة عن المعنى السابق للتحليل فهي طريقة منهجية أو تقنية من تقنيات البحث تتوخى الوصول إلى وصف موضوعي منظم أو كمي لمضمون مادة معينة.

ويعرف لنا كارترايت تحليل المضمون: هو تحويل الظواهر إلى معطيات علمية وقد أعطى كارترايت أربعة خصائص أساسية للمعطيات العلمية هي:
الموضوعية، الاستجابة لمتطلبات القياس ومراعاة شروط التكميم، ثم أهمية هذه المعطيات بالنسبة للنظريات، وأخيراً إمكانية التعميم من هذه المعطيات.

فطريقة تحليل المضمون هي طريقة كاملة ترافق الباحث في جميع مراحل بحثه من لحظة اختيار المشكلة إلى مرحلة جمع البيانات وتحليلها ثم تفسيرها. وخلاصة القول يستخدم مصطلح تحليل المضمون للإشارة إلى مجموعة واسعة من تقنيات البحث الاجتماعي التي يمكن استعمالها بصورة واضحة ومنظمة لجمع وتفسير البيانات حول ظاهرة محددة والقيام باستنتاجات معينة حولها، ومن تقنياتها يعتمد كلياً على طبيعة مشكلة البحث وتوجيهات الباحث والإمكانيات الفنية والمادية المتوفرة.

مجالات استخدام طريقة تحليل المضمون:
تصلح هذه الطريقة في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والتحليل النفسي والتاريخ وفي العلوم السياسية واللغات وعلم الجريمة، واستخدمت أثناء الحرب العالمية الثانية كأداة فعالة لتحليل مضمون الدعاية المعادية ومدى فعالية الدعاية الصديقة ووسائلها كالتلفزيون.

واستعملت بنجاح لمعرفة المؤلف الحقيقي لعمل أدبي مشكوك بصحة نسبه إلى مؤلف معين، فهنالك فيض زاخر من الوثائق التاريخية والرسمية و الصحف والمجلات، وما يحيط بنا ويعيش معنا من أجهزة إذاعية وتلفزيونية وسينمائية وهنالك التقارير الرسمية والسير الذاتية المذكرات الشخصية والكتابات التي قد تأخذ من المراحيض وصناديق القمامة والمحلات العامة حيث تشكل كلها مواد خام أولية لتحليل المضمون.

علاوة على ذلك فإن استعمال طريقة التحليل المضمون للبحث في قضايا الصراع والتفاعل الاجتماعيين تعتبر ضرورة منهجية إذ أن التفاعل والصراع يتم بين الأفراد والجماعات عن طريق وسائط وأدوات معينة نذكر منها مثلاً اللغة، والنقود، والقوة، وهذه بدورها مادة أولية لتحليل المضمون.
ويؤكد كارترايت أنه لا يمكن فهم الصراعات الاجتماعية والسياسية إلا بدراسة الكلمات المستخدمة في تفاعل المجتمعات المتصارعة.

وطريقة تحليل المضمون تصلح لدراسة السلوك الإنساني والمواقف والاتجاهات والقيم والمؤسسات، كما أن تحليل المضمون يضع بين يدي الباحث في علم الاجتماع مادة تقبل إعادة الإنتاج مراراً وهذا بالطبع عامل في رفع نسبة الموضوعية في البحث وبالتالي زيادة الدقة العلمية وهو ما تعجز عنه طرائق البحث الأخرى في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية.

الأطر التحليلية العامة لتحليل المضمون في مجال الاتصالات
لقد توصل بيرلسون وهو الرائد في استخدام تحليل المضمون في مجال الاتصالات إلى ثلاثة أطر عامة لاستخدام تحليل المضمون في هذا المجال:
• الإطار الأول:حيث جرى الاهتمام بالطبيعة الجوهرية للمضمون استخدام
تحليل المضمون في الموضوعات التالية:
a. وصف الاتجاهات في مضمون الاتصالات كتحديد التغيرات في المضمون بحسب المراحل الزمنية.
b. رسم مسار تطور هذا المضمون.
c. الكشف على الفوارق والاختلافات الدولية في مضامين الاتصالات.
d. مقارنة وسائط الاتصال أو مستوياته.
e. إنشاء واستخدام مقاييس الاتصال.
f. المساعدة في العمليات التقنية للبحث.
أما إذا تركز الاهتمام على صورة المضمون استعمل تحليل المضمون في الموضوعات التالية:
a. الكشف عن تقنيات الدعاية وما يساعد على الإقناع.
b. قياس ثبات مصداقية مواد الاتصال.
c. اكتشاف السمات الأسلوبية وخاصة في مجال الأدب.

• الإطار الثاني: يتعلق بإنتاج أو استدلال استنتاجات معينة من طبيعة
المضمون عن خصائص منتجي أو صانعي هذا المضمون أو سببه إذاً فنحن نتوخى هنا من تحليل المضمون عن أسباب وبواعث المادة الرمزية التي هي مادة عملية في الاتصال ويستعمل تحليل المضمون في هذه الحالة:
a. لتعيين مقاصد المتصلين أو المتواصلين وتحديد أهدافهم بالإضافة إلى تحديد خصائصهم الأخرى.
b. لتعيين الحالة السيكولوجية للأشكال والجماعات.
c. الكشف عن وجود دعاية معينة.
d. المساهمة في أنشطة الاستخبارات العسكرية والسياسية.

• الإطار الثالث: يسمح بالشكف عن شيء ما حول طبيعة مستمعي أو
مشاهدي هذا المضمون والواقعين تحت تأثيراته أي معرفة نتائجه، ففي هذه الحالة تعتبر المادة أو المضمون أساساً للقيام باستنتاجات حول خصائص هؤلاء أي المشاهدين المستعمين، فإن تحليل المضمون يستخدم في هذه الحالة للقيام بما يلي:
a. الكشف عن مواقف الجماعات السكانية والقطاعات الشعبية وعن مصالحهم وعوائدهم وقيمهم.
b. معرفة محاور أو نقاط تركيز الانتباه.
c. وصف الاستجابات الموقفية والسلوكية الناجمة عن الاتجاهات المشتركة منها والمختلفة.

تصميم البحث بحسب طريقة تحليل المضمون وخطوات البحث الأساسية:
يتطلب سير عملية البحث إنشاء مخطط تحليلي عام يلائم المشكلة الموضوعة قيد الدراسة ويراعي الشروط الموضوعية الأربعة:
أولها: تحديد الجوانب والسمات الرئيسية للمادة أو المضمون المطلوب وصفه وتحليله واتفاق الباحثين حول ذلك.
الخطوة الثانية: فهي وضع أصناف لكل متغير على حدة، فلو اعتمدنا نظاماً ثلاثياً في تصنيف الصداقة أمكننا ترتيب هذا المتغير في ثلاثة أصناف هي:الصداقة القوية و الصداقة الضعيفة وما لا يدخل في الصنفين السابقين.
الخطوة الثالثة: وضع تعريف إجرائي محدد لكل صنف من هذه الأصناف إذ أن كل صنف يكاد يكون لانهائياً، وذلك للاتفاق بين المحللين والوصول إلى نتائج موضوعية في النهاية.
وبغية وضع تعريف إجرائي معين يلزم تعيين وحدات التحليل الواجب استخدامها وتحديد المؤشرات المميزة بكل صنف.
الخطوة الرابعة: وهي مواءمة وتكييف المخطط التحليل مع المادة المطلوب تحليلها أي مع المضمون الامبريقي.

إن الخطوة الأولى في البحث العلمي بطريقة تحليل المضمون تبدأ باختيار وصياغة مشكلة البحث النظرية وفرضياته، والمرحلة الثانية هي إجراءات المعاينة، ويراعى في اختيار العينة عدة عوامل أهمها: أن تكون العينة ممثلة للمجتمع الإحصائي الذي سحبت منه ويمكن إجراء مسح أو استقصاء شامل لكامل المجتمع الكلي كمجموعة الوثائق المتصلة لقضية معينة، أما المرحلة الثالثة تصنيف المعطيات على أساس المفاهيم المختارة، ويقيم كل صنف بمقاييس معيارية معروفة جداً في كتب الإحصاء.

ويقترح أول هولستي تقسيم التصورات التي فهرست للتحليل إلى مجموعتين كبيرتين: التصورات الوجادنية أو التي تعطي أحكام قيمية وثانيهما التصورات الإطلاعية أو الدالة وهي التي تنطوي على معلومات معينة دون أن تتضمن تحديد موقف معين.

أما المرحلة الرابعة تدعى التدوين أو التحليل؛ يعني كتابة النص وتدوينه بعد تحليله وتفكيكه إلى عناصره الأولية المكنونة، فيتم إرجاع مقاطع وجمل وثيقة معينة إلى الأفكار الذرية الأساسية التي لا تقبل الانقسام إلى أفكار أخرى.
ويعتبر أول هولستي أن (التصور_ الوحدة) أو الإثبات هو الذي يمكن تجزئته إلى أكثر من ذلك، فوحدة التحليل في مجال (التصور – الوحدة) تتألف من أربعة عناصر أساسية هي كما يذكر هولستي:
 المدرِك: للفعل والأثر المعبر عنه.
 المدرَك: وهو الأثر أو الفعل الناجم عن الفاعل.
 الترس: وهو متلقي الفعل أو الأثر.
 الرابط الوصفي: أي طبيعة الفعل أو الأثر المعبر عنه بين الفاعلين.
إن المعايير الأربعة الموضوعة ليس هناك من ضرورة لتعميمها أو الالتزام بها خارج هذا المجال.
وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن نجاح المخطط التحليلي يعتمد على اختيار المدونين(المحللين) الأكفاء وتلقيهم التدريب الفعال لتأمين الآليات والأدوات المناسبة من أجل استخدام المخطط التحليلي الذي طور عبر مراحل البحث المناسبة.

نقد وتقويم:
مايزال استخدام طريقة تحليل المضمون في بداياته الأولى على صعيد الأبحاث المنفذة في الوطن العربي فضلاً عن أن الأبحاث المنفذة بهذه الطريقة ماتزال بعيدة عن استخدام التقنيات المنهجية الحديثة والمتطورة.
وأن أنضج ما رأيناه في هذه المحاولات على صعيد المنطقة العربية دراسة للدكتور سيد عيسى بعنوان رسائل إلى الإمام الشافعي إذ يتعرض في دراسته إلى ظاهرة إرسال الرسائل إلى الأنبياء والأولياء الموتى في المجتمع المصري، بهدف محاولة إبراز سمات هذه الظاهرة وفهم عوامل تمثل الكثير من الناس، أي أن هذه الدراسة تيسر إتاحة الفرصة للتحكم في هذه الظاهرة وضبطها والحد من قوة صراعها وتوجيهها.
وقد كانت من بين أهداف الدراسة الكشف عن الجرائم غير المنظورة التي لا يبلغ عنها، ثم يحدد المؤلف مجالات دراسته الزمنية والجغرافية والبشرية ثم يرسم خطة تحليل المضمون وأسلوب تصنيف الرسائل إلى: الشكاوي والطلبات، طلبات فقط.
كما أنه يحلل الشكاوي مثلاً من حيث الشاكين والمشكو بحقهم ومن حيث خصائصهم الجنسية والعمرية.
إن طريقة تحليل المضمون هي مجموعة من الأدوات والتقنيات المنهجية للبحث العلمي المنظم في مجالات معينة من الواقع الاجتماعي تستهدف تحويل المعطيات الكيفية إلى بيانات كمية تخضع للقياس والموضوعية والتعميم وذات أهمية على الصعيد النظري والعملي

زر الذهاب إلى الأعلى