همس القوافي

التخلص من الحزن

كيف تتخلص من الهم والحزن

هرعَ إلى مِغلاة القهوة، وملأ الماء بها ثم أجلسها على زُرقة النار، انزوى داخل حجرة منزله، يتألم مع الليل، تغمر حياته أشياء مُبهمة، يقرأ صوت الداخل يقول: “هنالك بركانٌ كامنٌ في جعبةِ الأحزان، وإن لم يجد المرء من يُسرِّي له من تلك الأحزان سينفجر البركان، ويقتل صاحبه! “، انتفضَ، ومشاعره متكدسةٌ مجنونةٌ تجتاحه، تلعب برأسه وتدفعه للهروب من مِشرط الحياة، يُقنع نفسه بالرحيل.
يفتح الباب ويخرج…يتذكر أنه لا يملك جواز الإذن من والده، يُخبئ حزنه وسط طيات ملابسه ويجلس يرتشف القهوة على مهل، يأتي الفجر، يملأ مسامات الحياة أملاً، يمسحُ غبرة الجزع العالقة في صدره، يتوقف نمو الحزن طولاً، وعرضا،ً ويغط الوجع في نومٍ عميق ثم يُعلن كبح جِماح الهم والقلق، يُشرق نور الإيمان، والفرح، ويستنشق ملء صدره أنفاس الحياة الرحبة.
“اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز، والكسل، وأعوذ بك من الجبن، والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال”، ما إن ينتهي المسلم من الإستعاذة من كل هذه المُعسِّرات حتى يُوقع الله في قلبه سكينة، واطمئنان، وراحة بال، ولعل الهموم، والأحزان تتوارد إلى الإنسان من تقلبات الحياة، ومُعتركاتها، وتنقلات حالها، فتجد السعيد يصبح حزيناً، وتارة الحزين يُضحي فرحاً، وأخرى يُقلب الله حال الغني فقيراً، والفقير غنياً، ذلك شاهدٌ قويٌ، ودلالة كافية على أن الأمر كله بيد الله يُصرفه كيف يشاء، ووقتما شاء.

القرب من الله وأد للحزن

ومما لا شك فيه أن القرب من الله واللجوء إليه، والتذلل لعفوه باب من أبواب الفرح، وازاحة الترح وقتل مارد الحزن الذي يزأر كلما دبَّ الخوف، واليأس في قلب الإنسان، فالمسلم الذي يسير على طريق الله، ويمتثل لأمره، ويتبع سنة رسوله يكون في ضمان، وأمان، واحسان من الله، وذلك وعدٌ منه لعباده. وهنالك سلمٌ يصعده المسلم درجةً درجة وصولاً إلى سعادة الدنيا والآخرة:

  • بذكر الله سراً وجهراً، والانكسار بين يديه، والتودد إليه، ورجاء كرمه، ورحمته، ورضاه.
  • ملازمة الرفقة الصالحة التي تأمر بالخير، وتنهي عن الشر باب كبير لثبات الفرح، واطاحة كل أنواع المُثبطات والهموم، فالأخ يسند أخاه يشد من عضده ، ويُبلسم جرحه، ويمده بالأمل، وواجب العمل على هذه الأرض لتيسير أمره، وثبات سعيه الممتلئ بالعزيمة، والاصرار على مواصلة العمل لتحقيق الهدف المنشود.
  • التوكل على الله، وحسن الظن به، واليقين بكرمه ورضاه، إذ يقول الله في محكم تنزيله “وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه”.

فسلامة القلب من الشك، والتردد إشارة ضرورية لسلامة الحياة من الحزن، والضيق، وذلك يتأتى بسلامة المؤمن من كل أنواع المهددات الشيطانية بإثارة نعرة القلق، والفشل، والتراخي، فتسليم المؤمن أمره كله لخالقه، وحسن الظن به مع ضرورة السعي في الحياة الدنيا بالخير، والمعروف ثقة بالله، ويقين بأن الأمر كله إليه، وبيديه، ونتيجة ذلك رضا من الله، وفيض من كرمه، ورحمته.

مُسببات الضيق

الحياة لا تسير ضمن نطاق واحد معين، فتبدلات الزمان، والمكان تصنع تبدلاً في حال الفرد، وتنقلاً قد يكون جذريا ًأو غيره، وقد يُضفي ذلك على قلب الإنسان حزناً، وضيقاً يُشعرانه بأن لا فرج بعده، وتزداد كومة الدموع على الخدين مع كل ازدياد لمصاعب الحياة؛ إذ أن قلة فرص العمل ، وتراكم البطالة، وقلة دخل الفرد أسباب للضيق الأسري الاجتماعي الاقتصادي يترتب عليه عدم قدرة الفرد توفير احتياجات الأسرة، وإعالتها جيداً، وعدم استقرارها نفسياً، ومادياً، كذا عزوف الشباب عن الزواج لعدم تمكنهم من توفير متطلباته، وتراكمات شروطه واحتياجاته، وذلك سبب كافٍ لأن يربض الحزن على العينين، ويفتك بالجسد، ويزيده شحوباً، وضعفاً.
غير أنّ المتسع إدراكه، المتفتحة عيناه على المستقبل بصواب وأمل يُحقَّق له أمله، ويُزال همه، ويضعف حزنه، وعلى المسلم أن يُسلّم أمره كله لله فهو الرازق الكريم المُعطي لعباده خير عطاء في خير وقت، وعلى المسلم كذلك أن يسير في أرض الله، يُفتش عن أسباب تُوهن ضيقه بذكر اسم الله كثيراً، ويوقن بالاجابة، يُمتِّع عينيه بالشمس كيف تسحق حلكة الليل وتبدلها نوراً.
والعاقل الفطن يستطيع أن يخرج من خرم ابرة، يبدأ سيرته، وطقس حياته بالايجابية الفوّاحة، ويبجث عن أسرار السعادة، والابتكار ، ويُوقن بأن الضوء يخترق الزجاج، وإن كان حادا، فمن ثقب النور تلد الحياة سكينة، واستقراراً، وضماناً لراحة بال.

الحزن على الفقيد

سنة الله في هذا الكون أن يغادر هذه الأرض أرواحٌ، وتلد الأمهات أرواحاً أخرى تعلن ميلادأً جديداً، فالزوجة الأرملة التي عاشت مر الحياة، وحلوها مع زوجها، وقاسمته رغيف الخبز، ومنحته حب الحياة بأكملها عصيٌ على قلبها ألا يحزن ولا يفتر، والأم الثكلى التي أرضعت ابنها لبن الحنان، والأمان، والحب قبل أن ترضعه لبن الأم الحقيقي، واحتضنت مرضه، وبكائه، وجففت دمعه بكفها، بقبلة حبها على خد طفلها، وراقبت طوله، وعرضه، ونمو أظافره، وجسده، واحتوته بالرعاية، والعناية، وقدّمت له كل أنواع الحب والطعام، والشراب.
إنه لمن المؤلم أن تفقد فلذة كبدها في مرض نهش جسده وفارق روحه، والطفل اليتيم الذي كلما صرخ، وبكى تودد له والده بسكاكر، وحلوى، بقطعة نقود، بمسحة رأس تعلن الرضا، والصفح عن ما بدا، من الصعب عليه ألا يبكي أباه توجعاً، وفقداً وحباً، والصديق الذي ناصف صديقه روحه، وكتابه، ومصروف جيبه، وتناولا كوب الشاي طويلاً معا، وجلسا على مقعد واحد، وفراش واحد، وعاشا معا بنقاء ٍوصفاء، افترشا ورد الحياة مستقبلاً لهما، وتواعدا على الخير والمعروف، ومناصفة الحياة، وغادر أحدهم الآخر في حادثِ سيرٍ مروع أعلن بدء الرحيل لنصف ما اكتمل رحيل نصفه الآخر، عسير عليه ألا يبكي فقده.
فالحزن على الفقيد من أشد أنواع الحزن تحسراً ووجعاً؛ لأن مغادرة الحياة دون رجعة، دون رشفة قهوة، دون جلسة مقهى ألم لا تخطه العبارات ولا تُسعفه الدموع، غير أن الله يُلقي في قلوب عباده الصبر، والتمكين ويعدهم بجنةٍ عرضها السماوات والأرض بغير حسابٍ ولا سابقة عذاب، والصبر بابٌ من أبواب الجنة مشرع لمن يحتسب ويُرجِع هذا المصاب الجلل لقضاء الله، وقدره، وحكمته في الأرض، والتخلص من عباءة الحزن يكون بشكر الله، وحمده على قدره، وأمره، وكثرة ذكره، وطاعته.

وسائل تحد من الهم والحزن

لكل مشكلة حل، ولكل دمعة منديل يُجففها، كما أن لكل وجه عبوس حزين حكاية فرح تطمئن قلبه، يُوجِد الله لكل عسر يسراً، يفتك بالضيق، ويُرديه قتيلاً، يزخ الفرح والسرور مطرا ًرحيماً، يُجفف عبرة الماضي، ويُنبئ بغدٍ أبيض، يقاوم كل جزعٍ ،ووهن، ويكشف سوأته، ويُسدل ستاره.

  • فطول اليقين بالله، وقوته يصنع طولاً لحياة هانئة رغيدة.
  • تعبئة الجسد، والروح بالطاقة الايجابية المنبعثة من رضا الداخل تُعطيك مساحة كافية من التفاول، واستدامة الفرح.
  • ممارسة الرياضة، وتفريغ الشحنات السالبة، واطاحتها مع كل حركة جسد، ودفعة كرة، ورمية حارس، تُسهم كثيراً في اسقاط الضيق وفنائه، وتحقيق الفوز في المباراة يُحقق الفرح والشعور بالتميز والإبداع.
  • زيارة المتنزهات، واستراحات الاستجمام أماكن مضادة للاكتئاب، والحزن، وفاعلة في بث السعادة، والسرور داخل سريرة الإنسان، وقلبه.
  • تصفح الكتاب، ومجالسته، وقراءة صفحات العلم، ونظريات الأفكار تخفيف من ضيق الفرد، وحزنه، وتفتح نافذة الإدراك، والوعي القادران على أن يجعلا البصيرة أكثر تفتحاً، وقوة، وأسرع قدرة على مواجهة الضيق، كذلك مصافحة أرفف الكتب، وفتح مخزونها الثمين يُمكن القارئ من وضع حلول لمشكلاته وأحزانه، ويطرح أفكاراً لتغيير ضيقه، وتحويله لمدينة ملآى بالسرور.
  • القضاء على الفراغ عامل مهم في التخلص من الحزن، والضيق لأن كثرة التفكير بالهم يزيده ويُشعّب منه، ويجعله متكاثراً متعسراً، لذا يجب على الفرد قتل فراغه بالنشاطات الحيوية، والوظائف المساعدة على تنشيط الذهن، والعقل، وتفتح مداركه بذكر الله، والإكثار من النوافل، وطاعته، وتلبية أوامره، وبالدراسة والاجتهاد.

سلّموا أمركم لربكم، تفائلوا بالفرح تجدوه، ابتسموا طويلاً، وأيقنوا أنّ الخير كله بيديه، قفوا ببابه، وأحسنوا الظن به لينهمر فيض عطائه وكرمه وإحسانه، ولا خاب عبد توكل على ربه وأحسن اليقين

زر الذهاب إلى الأعلى