الاخبار

ابتسامة رجل الفوكرز

%name ابتسامة رجل الفوكرز

في ثمانينيات القرن الماضي.. كانت هناك مجلة اسمها (المجلة) على ما أذكر.. ورقها مصقول وجميل.. ويبدو أن مواضيعها كانت مهمة بالنسبة لإخوتي الكبار.. عني أنا كان يلفت نظري الإعلانات التي تستحوذ على جزء كبير من الصفحات.. من بينها كان هناك إعلان بحجم صفحتي منتصف المجلة.. يظهر فيه كابتن طيران بزيه المعهود وهو يبتسم ابتسامة عريضة.. والإعلان يقول: (ما هي أكبر صادرات هولندا للعام 1986.؟؟؟ . بعضهم يقول اللبن المجفف.. وبعضهم الزهور.. وآخرون يقولون البيض.. أما نحن في فوكرز… فنكتفي بالابتسام.. ومن ثم بأحرف صغيرة أسفل الصفحة مكتوب.. أكبر صادرات هولندا للعام 86 كانت طائرات الفوكرز) ..

كل عام تحضرني ابتسامة رجل الفوكرز.. بعد إعلان نتائج الشهادة السوادنية.. حين يبدأ الأهالي في ضرب الأخماس والأسداس.. محاولين إدخال أبنائهم.. كليات تتيح لهم العمل سريعاً.. وبعائد مجزٍ.. يريحهم بعد عناء.. ويزيل رهق السنين.. ويسعد الآباء والأمهات بعد عنت.. والمشكلة أن التخصصات.. هي.. ذاتها.. وسوق العمل تطالب بالحداثة.. والتكنولوجيا تهزم الكل.. وما زالت الأفكار عندنا تحوم حول الطب والهندسة والدبلوماسي الطلبو قاسي .

المشكلة أننا نفتقر للتخطيط.. والتخطيط يحتاج إلى معلومات أساسية لاحتياجات المجتمع والبلاد.. والمعلومات تحتاج إلى دراسة وجمع داتا.. والداتا تحتاج إلى عمل.. ووو (المفتاح عند النجار والنجار عاوز قروش).. التخطيط يوجه البوصلة نحو الاتجاه الأمثل.. ويوفر علينا الكثير من المال والجهد والتيه عبر الزمان.. خذ مثلاً عندك دولة مثل ألمانيا.. أغلب التعليم العالي موجه نحو الكليات التقنية.. التي تمنح دبلومات.. يتخرج منها الآلاف سنوياً للعمل في مصانع السيارات والطائرات.. والقليل الذي يواصل دراسته الجامعية ليصير باحثاً أو أستاذاً جامعياً.. ألمانيا تفعل ذلك بناءً على تخطيط أساسي مبني على أنها دولة صناعية في المقام الأول..

في المقابل.. تجد بلاداً مثل هولندا تولي الزراعة والطب البيطري اهتمامها الأول.. لأنها دولة زراعية ومهتمة بالإنتاج الحيواني.. لأن عماد اقتصادها يعتمد على ذلك .
ستجد الدول كلها تعتمد على مؤشرات ودراسات ومعبومات تجمع أولاً بأول.. وتمتد لتصبح تقديرات تشمل المستقبل القريب بناءً على حسابات وتوقعات.. لذلك تجد كليات يقل القبول لها لأن الاحتياج لها سيقل عبر الزمن.. بينما كليات تزداد نسب الدخول لها.. لأن هذا أوانها.. لكن عندنا التفرد حاصل.. انظر حولك تجد أن البطالة منتشرة بين الخريجين رغم أنهم بذلوا جهدهم ودرسوا كليات ممتازة.. فقط عيبها أنها ليس لها طلب في سوق العمل.. (هذا غير قصص الواسطة والتمكين.. وحاجات تانية حامياني)..

هذا غير أنه يجب أن يحدث تطور في التخصصات الجامعية.. فالكليات التقليدية ولى زمانها.. وتحضرنا الآن تخصصات حديثة مثل الهندسة الوراثية.. وتقانات النانو.. وعلم الوسائط. والكثير الذي لا أتذكره الآن.. الأولى على الشهادة السوادنية عندما أعلنت عن رغبتها دراسة الإعلام.. قوبلت باندهاش كبير.. فالمعتاد أن يدرس الأول الطب أو الهندسة.. حسب العقليات التقليدية.. رغم أن الإعلام صار قوة ضاربة في هذا الزمن.. والوسائط الاجتماعية أصبحت بعبعاً مخيفاً.. يفضح الجريمة ويشعل الثورات.. ومذيعي (التوك شو) أشهر من نار على علم.. فالإعلام حالياً.. ليس هو الإعلام سابقاً.. تطورت المفاهيم.. والوسائل.. وتغيرت النظم والطرائق.. وسافر الإنسان عبر الكواكب.. وما زلنا نحن يانا نحن.. (نلف صينية) في التخصصات التقليدية.. ويظل العالم بأسره ينظر إلينا ويبتسم ابتسامة رجل الفوكرز.

زر الذهاب إلى الأعلى